د.زين نصار حبة غالية في عقد الإبداع

وتساقطت ورقة جديدة من أوراق شجرة الإبداع الوارفة في مصر، إنتقل د. زين نصار إلى رحاب الله بعد رحلة كبيرة من العلم والإبداع في مجال التأريخ والتثقيف الموسيقي بشتى أشكاله.
دكتور زين نصار لمن لا يعرفه هو أستاذ في مجال الموسيقى والغناء، ونصب نفسه مسؤول عن حماية وحفظ كنوز الموسيقى العربية في العصر الحديث، بالإضافة لكونه أستاذ أكاديمي في أكاديمية الفنون ويدرس تاريخ الموسيقى والغناء في المعهد العالي للنقد، كان يكتب مقالات في الصحف من أجل نشر الثقافة الموسيقية وإخبار الأجيال الحديثة عما قدمه أجدادهم من كنوز موسيقية وغنائية، وكان يتحدث في البرامج الإذاعية ويقدم محاضرات ومناقشات في الأوبرا أثناء مهرجان الموسيقى العربية، وكان المسؤول عن تقديم المادة العلمية وإعداد العديد من البرامج الموسيقية في إذاعة صوت العرب والبرنامج العام، وظلولمدة 26 عام مسؤولًا عن كتابة المادة العلمية لبرنامج عالم الموسيقى في إذاعة صوت العرب، وبعدها ظل إلى آخر حياته يكتب برنامج اوتار موسيقية لإذاعة البرنامج العام وكان من خلالها يقدم مادة علمية محترمة عن تاريخ الموسيقى والقوالب الموسيقية ويعرفنا بأهم الموسيقيين في العالم العربي في العصر الحديث، وظل اسمه مرتبط بالبرامج الموسيقية التي تقدمها إذاعات صوت العرب والشرق الأوسط والبرنامج العام والبرنامج الموسيقي، وكانت أهم سمات هذه البرامج أنها كانت بسيطة وسهلة وجذابة، وليست ذات لغة مقعرة تتعالى على المستمع، ويقدم مادة علمية دسمة بمنتهى السلاسة واللطف.
ومن أهم منجزات دكتور زين موسوعة الموسيقى والغناء في مصر والتي قدم فيها تاريخ الموسقى والغناء في مصر منذ مائة وخمسون عاما وتحدث عن الغناء من الناحية التاريخية وكيف أنه جزء أصيل في التاريخ، واستطاع من خلال تتبع الغناء والمتغيرات التي تظهر عليه أن يعرض الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في مصر مما جعل هذه الموسوعة هدفًا لكل من يحاول من المؤرخين السياسيين أن يتتبع الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر في تلك الفترة.
وعلى المستوى الأكاديمي فقد كان أستاذ متفرغ في معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون يقدم للطلبة مادة الموسيقى، وكنت سعيدة الحظ بأن كنت إحدى تلميذاته، وتعاملت معه بشكل مباشر، ولقد كان أستاذا ومعلمًا حقيقيًا، وتوافرت فيه كل صفات الأستاذية فلقد كانت لديه مادة علمية كبيرة وعلم غزير، وكان يتعامل مع علمه بمنتهى البساطة واليسر، وكان لطيفًا معنا وسلسًا ولم نشعر يومًا أنه توجد بيننا وبينه فجوة، فلقد كانت لديه طاقة وقدرة كبيرة ويقف يشرح المادة العلمية بمنتهى الحماس، ثم يبدأ في تشغيل المقطوعات الموسيقية ويبدأ في شرح جزء جزء وتطبيق ماقيل نظريا بصورة عملية على المقطوعة المسموعة، وكان يحثنا على الإطلاع والاستماع والسؤال وعمل مشروعات التخرج، وكان يدعونا لحضور ندواته التي كانت تقام على جانب مهرجان الموسيقى العربية، وكان يدعو طلبته من الكونسرفتوار لحضور المحاضرات في عهد النقد من اجل زيادة المعرفة، وتأكيد على معلومة سأل عنها الطالب، وبالعكس كان يدعونا نحن طلبة المعهد لحضور محاضراته في باقي المعاهد التي يدرس فيها، ويدعو طلبته لحضور الندوات المقامة على هامش مهرجان الموسيقى العربية الذي يقام في الأوبرا سنويًا.
كان كريمًا معنا وبسيط، وكان مسموح لنا دخول مكتبه وسؤاله أو فتح باب نقاش لأي شيء يخص الموسيقى والغناء ويصبح في أسعد حالاته عندما نتناقش ويطول النقاش.
رحم الله الدكتور زين نصار، وحقيقي فقدت مصر عالم جليل وأستاذ كبير في مجاله.