“دا لونه لوني” .. طقوس وذكريات تغلف موسم حصاد القمح عند المصريين
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
السنابل لم تعد قادرة على حبس خيرات الأرض السمراء .. تتساقط واحدة تللو الأخرى فهذا السقوط الطفيف للحبيبات الذهبية جرس تنبيه لإعداد عُرس الحصاد، وحينها تبدأ العائلات في القرى جمع العُدة وتقديم يد العون للمساعدة والمشاركة في جني الذهب .
سنابل الخير في مصر القديمة
عرف المصريون القدماء زراعة القمح منذ العصر الحجري الحديث، و ما إن تبدأ شمس الصيف بوضع سمرتها في الأرض ، تُسرع الأيادي المتشققة من تعب دام شهور بحصد المحصول الذي هو ركيزتهم الذي اعتمدو عليها في طعامهم اعتمادًا كبيرًا.
وكان حصاد القمح ليس حصادًا عاديًا عند المصريون القدماء، فقد احتفلوا به احتفالًا عظيمًا؛ خروجو إلى الحقول والمتنزهات يتناولون ما جادت به أرضهم وكانت هذه الاحتفالات يشرف عليها الملك بذاته .
ولحصاد القمح معبودة عند المصريون القدماء تدعى ” رنيوت” وكانت عبارة جسد إنسان ورأس ثعبان الذي هو مهم في زراعة القمح فقد كان ضروري لقتل الفران التي تضر بالمحصول.
حصاد الذهب والفلكلور الفرعوني
الغناء كان أحد مظاهر احتفال المصريون بالحصاد يُغنون للقمح، فقد قدموا أغنيات وتركوها باقيةإلى جانب الصور المنقوشة على جدران المعابد، ومن أشهر الأغنيات التي عُثر عليها في “الكاب “بأدفو في أسوان، وهي الأغنية التي تقول : “أدرسي أيتها الثيران فإن التبن سيكون علفا لك، والحب من نصيب أسيادك فليطمئن قلبك”، بينما تأخذنا نقوش المعابد للنساء وقد عصبن رؤوسهن بقماش الكتان اتقاءً لحرارة الشمس الحارقة، وهُن يساعدن في التذرية للأجران، ومن حين لآخر يُسمح باستراحة تحت الأشجار لتناول الطعام والشراب مثلما يفعل المزارعون في وقتنا الحالي، كما صُورت النقوش الغربلة والمكيال، وكذلك الصوامع المخروطية.
على خطى الأجداد .. كيف حال المصريون مع حصاد القمح
ارتبط موسم الحصاد بطقوس اعتاد المصريون عليها فهو موسم الخير الذي ننتظره، وموسم القمح له طقوسه الخاصة ، فيبدأ حصد المحصول أواخر شهر إبريل إلى أواخر شهر مايو كل عام، أي إن عملية حصد الثمار تظل ممتدة قرابة الشهر، وفيها من الجِد والتعب مالم يتغلب عليه أحد سوى الفلاح المصري الأصيل الذي ذاق مرار العمل في الأرض السمراء .
بالأيادي الشقيانة وفي شمس الظهيرة يقوم الفلاح بـ” حش” القمح من الأرض، ويختار وقت الظهيرة ليتأكد من أن السنبلة جافة تمامًا حتى لا تفسد، وما إن ينتهي ” الحش” يقوم الفلاح بتجميع الغِلال وربطها في حزم بسيطة ثم تكويمها في مكان واحد على شكل حلقات كبيرة، حتى يسهل دِراسَها .
ومن الطقوس الذي لا يعرفها إلا أبناء القرى، طقوس ما قبل الحصاد ، وهي عبارة عن سن المناجل لـ ” حش” القمح، وتجميع أكياس التبن من البيوت التي تمتلكها في القرية، وهناك طقوس الحصاد والدراس نفسها، ولعل أبرزها رجل الحلوى الذي يأتي إلينا يأخذ حزمة الغلة ونأخذ مقابلها” العسلية ” بالإضافة إلى الغناء الذي هو سمة أساسية في دراس القمح، لما فيه من تجمع عدد كبير من الإخوة والعمومة وأبناء العمومة .
شادية وعبد الوهاب.. عن أغنيات الحصاد
“كلُّه على الله..على الله، القمح أهو طاب..على الله، طلب الحَصاد..على الله، حصادُه أتأخر..على الله، والسبل أتكسر..على الله، بخت العيال..على الله..الصيفَه حلال..على الله”.
اه يالموني
قامت الدلوعة ” شادية “في عام 1954 ببطولة فيلم حمل اسم “عيد الحصاد”، الذي كان مثال حي يؤرخ ويصور لنا فرحة الفلاحين واحتفالهم بعيد القمح في تلك الفترة، واشتهرت في الفيلم أغنية “اه يالموني” كلمات ففتحي قورة ومن ألحان محمود الشريف ، وغناء شادية .
ومن كلمات الأغنية
اه يا لموني
اه يا لموني يا لموني
اه يا لموني في هواك ظلموني .. اه يا لموني
ولولا القمح ما كانت حياتنا
لولا العزبة ما تعيش المدينة
ولولا الصبر ما نبلغ مرادنا
بالمجهود ما يشمت حد فينا
ولولا البسمة على الفلاح ما ناكل
ولا تنفع سوسة من غير امينة
يقول الراوي ميل الحصاد
يا دنيا حبي فينا ورقصينا
وهناك أيضًا ارتبطت بموسم الحصاد من ألحان وغناء محمد عبد الوهاب “ الليلة الليلة عيده ” ومن كلماتها :
يا حليوة أرضك رعيتيها و النظرة منك تحيها
من شهدك كنت بترويها و الخير أهى هلت مواعيده
يا رب تبارك و تزيده
و النيل على طول بعاده فات أهله و فات بلاده
جاله يجرى فى ميعاده علشان يرويه
و الخير فاض من إيدينا لما النيل فاض علينا
احميه يا رب لينا يا رب احميه
النسمة عرفت مواعيده هزت من شوقها عناقيده
و القمح الليلة الليلة ليلة عيده يا رب تبارك تبارك و تزيده
القمح وموسمه هو عيد كل الأجيال عيد الأرض .. جمع الكد .. سمرة الأرض .. صُفرة الذهب.. القمح حياة المصرين .
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال