داء ميناماتا .. الكارثة التي دمرت الشعب الياباني بعد تجاهل الحكومة لهم
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الأمراض والأوبئة شيء عادي يظهر بين الحين والآخر، وتتحرك الحكومات لإنقاذ شعوبها من أهوال تلك الأوبئة، ولكن ما حدث من الحكومة اليابانية، هو جريمة أخلاقية بمعنى الكلمة، فبدلًا من إيجاد حلول لدرء الوباء الجديد، تجاهلوا الأمر تمامًا، ولم يعيروا انتباه لصرخات المصابين وذويهم، وكانت حصيلة الوفيات والإصابات جراء داء ميناماتا الذي انتشر في الستينيات من القرن الماضي، أكثر من 37٪ وهو رقم كارثي بكل المقاييس.
انتشار المرض
في منتصف القرن العشرين، عانى سكان خليج ميناماتا من داء جديد وغريب، والذي أطلقوا عليه اسم المنطقة، واصبح معروفًا فيما بعد باسم داء ميناماتا، وهو عبارة عن متلازمة عصبية ناتجة عن التسمم الحاد بالزئبق، وقد بدأ بأعراض غريبة، حيث يشعر المصاب بخدر في الأطراف وضعف بالعضلات، ثم يحدث تلف في السمع والنطق، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى خلل عقلي تام، ويدخل المصاب في غيبوبة وينتهي الأمر بالموت، ومن أكثر الأمور التي لفتت النظر، هو إصابة سكان الخليج وصيادين السمك وعائلاتهم على وجه الخصوص.
اقرأ أيضًا
عندما كانت بلاي بوي سبب في إصابة أكثر من 100 شخص بمرض نادر
في بداية الأمر تم اعتبار المنطقة بأكملها بؤرة للعدوى والمرض، وقامت الجهات الحكومية بعزل المرضى وتطهير منازلهم، دون اهتمام حقيقي بجوهر المرض وتفاصيله، بالإضافة إلى صمت الحكومة أمام الاضطهاد الذي واجهه المرضى من بقية السكان، حيث رفضوا عودتهم لمنازلهم، وطردوا عائلاتهم وتشردوا بالشوارع، ولكن مع ازدياد نسبة الوفيات جراء الوباء لأكثر من 37٪ من المصابين، لفت الأمر نظر العلماء والأطباء والباحثين، وبدأوا في المزيد من الأبحاث حول الأمر، وأول شيء لاحظوه هو نمط الإصابة، حيث أن المصابين جميعًا من صائدي الأسماك أو عائلاتهم، أو ممن يعتمدوا على سمك الخليج في غذائهم.
كشف الكارثة
بعد العديد من الأبحاث والفحوصات، اكتشف العلماء أن مياه خليج ميناماتا ملوثة بمعادن ثقيلة شديدة السمية، تعرضت لها على مدار أكثر من 35 عامًا، وهي مواد مثل الحديد والزئبق والمنغنيز والزرنيخ والنحاس، مما تسبب في تسمم كل من اعتمد على أسماك تلك المنطقة، وقد ظهر أن هناك مصنع كيماويات مجاور للخليج، تمتلكه شركة كبيرة، وكان يتم رمي المياه الملوثة بالنفايات السامة في خليج ميناماتا مباشرة، وكان هذا هو السبب الرئيسي في تلك الكارثة التي حلت على المنطقة، ولكن تم التكتم على الأمر بشدة، حتى لا يتضرر أصحاب الشركة الكبرى، ولم يجد المرضى وأهلهم أي رجى من الحكومة، وفي الوقت الذي أظهرت فيه الأبحاث أن مستوى الزئبق لدى المرضى يمثل 705 جزء من المليون، وأن مستوى الزئبق لدى سكان ميناماتا عمومًا هو 191 جزء من المليون، وهما رقمان كبيران للغاية، أنكرت الحكومة اليابانية وجود وباء أو مرض خطير، وأضحت أن الأمر لا يتخطى كونه بعض إصابات خفيفة، لا ترقى للوباء، وأعلنت أنه تم السيطرة على الأمر، وعلى جراء ذلك عانى المصابون من الاضطهاد والإهمال الشديدين، ولم تفلح كل المحاولات لسماع صوتهم، حيث قام الضحايا بعدد من التظاهرات، لسنوات عديدة، ولكن لم يسمع صوتهم أحد.
الاعتراف بعد فوات الأوان
في عام 2001م، اعترفت الشركة بوجود أكثر من ثلاثة آلاف وفاة مرتبطة بالتلوث الناتج عن مخلفات خليج ميناماتا، وأوضحت أنه تم صرف تعويضات مالية لأهالي المتوفيين، وتعويضات لأكثر من عشرة آلاف شخص من المصابين، ولكن في الحقيقة تلك الأرقام هي شيء لا يُذكر بجانب الأرقام الحقيقية للمتوفيين والمصابين، ورغم انتشار الأمر في جميع أنحاء العالم، إلا أن الحكومة اليابانية لم تقبل بالاعتراف بالأمر في كل الظروف.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال