دليلك لتصبح مشجع كرة قدم سادي .. فقط اترك أذنيك لميديا القطبين
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في السبعينات من القرن الماضي ، تم عمل تجربة نفسية شهيرة جدًا ، للكشف عن سبب التعصب الكروي ، هل هو بالفطرة؟، أم هو بفعل فاعل؟ .. هل هو نتاج وعي جمعي مصبوغ بالعنف؟، أم هو اختيار شخصي لمشجع دونًا عن المجموعة؟ .. وفي تلك التجربة تم وضع أعداد كبيرة من الأشخاص في غرفة واحدة .. يرتدي أحدهم قمصان حمراء، والآخرين قمصان صفراء .. وبتلقائية شديدة انقسمت المجموعة إلى نصفين، أصحاب الألوان الواحدة ينجذبون إلى بعضهم بشكل لا إرادي، فلا الانجذاب نابع من الاشتراك في سلوك إنساني، ولا الميل هنا جاء لصداقة ما ، بل الانقسام جاء فقط للانتماء للون القميص ، فيما بعد حاولت مجموعة منهم كسب نسبة أكبر من مساحة الغرفة ، فنشبت الخلافات بينهم حتى وصلت إلى حد العنف .. وهنا تأكد الأطباء المشرفين على التجربة أن التعصب الكروي ينشأ أولًا من العقل الضحل قبل نشأته من الوعي الجمعي ! .. وبعدها تم إدراج عبارة شهيرة : ” الرياضة تكشف شخصية الإنسان ، لا تبنيه ”
بالأمس ، وما حدث بالأمس لا يسر عدو ولا حبيب ، حين لدغ المنتخب التونسي لكرة القدم منافسه المصري في الدقيقة ما بعد الأخيرة تقريبًا ، كرة ثابتة من الجهة اليسرى كان السبب فيها اللاعب مصطفى محمد ، ركلها اللاعب التونسي فحاول اللاعب عمرو السولية إنقاذها برأسه فاتجهت بالخطأ إلى مرمى الشناوي .. وكاد أن ينهار اللاعب بالسقوط أرضًا من هول الخطأ لولا أن بعض الأصدقاء سندوه حتى يستكمل الثواني الباقية ..
منذ تلك اللقطة وفتحت ماسورة سوشيال ميديا التطرف من جانب القطبين وهما الأهلي والزمالك ، المهاويس من الطرفين ، هذا يريد أن يهدم السولية وينال منه لصالح اللاعب طارق حامد الذي لم يتم اختياره للمنتخب ، وذلك يريد أن (يشيّل) مصطفى فتحي الليلة، وعلى رأسهم جريدة الوطن التي نشرت صورتين إخداهما لدعم عمرو السولية وأخرى للنيل من مصطفى فتحي ، ورئيس القسم الرياضي بالجريدة هو رئيس تحرير قناة النادي الأهلي، واختلط الحابل بالنابل، وظهر الأمر كصراع بين بعض صغار السن، المتحمسين من المشجعين، لكن الأمر عكس ذلك تمامًا ، ذلك لأن الكبار من مسئولي بعض القنوات والجرائد كانوا أكثر حماقة من تلك الصفحات ، حيث يبدأون حديثهم عن الروح الرياضية ، ثم يتخلل كلامه تحزّب رياضي باطني لا يلاحظه الكثير .
ويبدو أن الأمر عاديًا متكررًا ، لكن الحقيقة أن الغير عادي في الأمر هو أن لا انزعاج كبير مما حدث ، وكأن الأمر معبرًا عن بلادة فيما يخص المشاعر تجاه قميص المنتخب الوطني، وكأن هناك من يريد الإبقاء على كرة القدم في مصر كمعقل من معاقل التحزّب والتنافر والعنف، ونحن هنا لا نقصد تفريغ الكرة من حماسها، أو أن يلقي جمهور الفريق الفولاني الورود على لاعب الفريق العلّاني، لكن المقصدة أن هناك من يريد تفريغ قميص المنتخب الوطني، المظلة الكبيرة التي يجب أن تهدأ تحتها الأحزاب، ويرضخ تحتها التعصب، وهنا الحديث عن الحمقى الذي ينجرفون، أو الدهاة الذين يخططون، أو أصحاب المصلحة المباشرة في ضرب الانتماء العام، واستبداله بالانتماءات المحدودة. ليصبح أغلب المنصات الخاصة بإعلام القطبين صداع يومي في رأس المصريين!
كانت التجربة التي أجريت في السبعينات لمعرفة أسباب التعصب الكروي قد استُخلصت نتائجها بعد انضمام أصحاب الألوان المشتركة إلى بعضهم البعض .. لكننا – كشارع رياضي مصري- قد ابتكرنا اختراعًا جديدًا .. وهو ولله الحمد التنافر تحت مظلة اللون الواحد .. يا لنا من عباقرة أغبياء !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال