رؤية النبي في اليقظة .. نظرة الصوفية إلى المستحيل العقلي بشكل شرعي

هل يمكن أن تتم رؤية النبي في اليقظة ؟
يبدو سؤالاً غريبًا بشكل عقلي فالمشهور أن الرؤية منامية تحدث خلال النوم وليس على سبيل اليقظة لكن الصوفية كان لهم رأي آخر في المسألة إذ اعتبروا أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ليست من المسائل التشريعية التي يترتب عليها زيادة في الدين، أو نقص فيه، وإنما هي مسألة واقعية يتحمل مسئوليتها من ادعى ذلك، واعتبر الصوفية أن رؤية النبي يقظة لا تتنافى مع كونه انتقل من الحياة الدنيا إلى الآخرة.

مفهوم المستحيل العقلي عند الصوفية ومسألة رؤية النبي في اليقظة

يرى الصوفية أن المستحيل العقلي هو وجود أي ذات في مكانين في وقت واحد، ودعوى رؤيته صلي الله عليه وسلم لا يلزم منها وجوده في مكانين في وقت واحد لأن مكانه موجود في الروضة الشريفة والنبي فيها حي يصلي لربه ويأنس به مثل كل الأنبياء ودليل ذلك حديث أنس رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ».

اقرأ أيضًا
مجالس الذكر الصوفية .. هل هي فعلاً بدعة ؟

وهناك حديث اهتم به علماء الصوفية لتأكيد مسألة رؤية النبي في اليقظة حيث قال صلى الله عليه وسلم «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي»، ويؤخذ من جملة «فسيراني في اليقظة» أنها دالة على إمكانية رؤيته له في حياته.

الرد على قول الوهابية أن المقصود هو يوم القيامة

معارضو الصوفية يؤكدون صحة حديث «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي» لكنهم قالوا أن عبارة «فسيراني في اليقظة» تدل على يوم القيامة، غير أن الصوفية رفضوا هذا القول لسببين أولهما أن الأمة كلها ستراه يوم القيامة دون فرق بين من رآه في المنام ومن لم يراه، أما ثاني تلك الأسباب فهي أن الحديث لم يقيد اليقظة بيوم القيامة، ووصف علي جمعة رفض هذا المعنى الصوفي بقوله «هذا التخصيص بغير مخصص تحكم ومعاندة».

أقوال العلماء في مسألة رؤية النبي يقظة

أشهر كتاب في تلك المسألة هو كتاب تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك للسيوطي وقال في مقدمته «فقد كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبي صلي الله عليه وسلم في اليقظة، وأن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم في العلم بالغوا في إنكار ذلك والتعجب منه، وادعوا أنه مستحيل، فألفت هذه الكراسة في ذلك وسميتها تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك» واستعرض من خلال هذا الكتاب كافة الأدلة والبراهين على جواز وإمكان رؤية النبي صلي الله عليه وسلم يقظة وكذلك سماع صوته صلي الله عليه وسلم والملائكة.

إقرأ أيضا

العشق الإلهي و فلسفة التصوف عند البابا شنودة الثالث

اقرأ أيضًا 
محاسبة النفس عند الصوفية .. قصة نوعان أحدهما له ثلاث أصناف

وخلال كتاب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للإمام النفراوي قال « يجوز رؤيته عليه الصلاة والسلام في اليقظة والمنام باتفاق الحفاظ، وإنما اختلفوا هل يرى الرائي ذاته الشريفة حقيقة أو يرى مثالا يحكيها، فذهب إلى الأول جماعة وذهب إلى الثاني : الغزالي، والقرافي، واليافعي، وآخرون، واحتج الأولون بأنه سراج الهداية، ونور الهدى، وشمس المعارف كما يرى النور والسراج والشمس من بعد، والمرئي جرم الشمس بأعراضه فكذلك البدن الشريف، فلا تفارق ذاته القبر الشريف، بل يخرق الله الحجب للرائي ويزيل الموانع حتى يراه كل راء ولو من المشرق والمغرب، أو تجعل الحجب شفافة لا تحجب ما وراءها، والذي جزم به القرافي أن رؤياه منامًا إدراك بجزء لم تحله آفة النوم من القلب فهو بعين البصيرة لا بعين البصر بدليل أنه قد يراه الأعمى. وقد حكى ابن أبي جمرة وجماعة أنهم رأوا النبي صلي الله عليه وسلم يقظة، وروي : «من رآني مناما فسيراني يقظة». ومنكر ذلك محروم؛ لأنه إن كان ممن يكذب بكرامات الأولياء، فالبحث معه ساقط لتكذيبه ما أثبتته السنة أشار إلى جميع ذلك شيخ مشايخنا اللقاني في شرح جوهرة التوحيد»