راسك مرفوعة .. شبّاك مفتوح في غرفة النساء
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أعتقد أن أسخف ما تعكسه أغلب “برامج العصاري” .. البرامج التي تستهدف معظها شريحة ربّات المنازل والنساء المصريات عمومًا.. أسخف ما تعكسه هو التسطيح والتبسيط حتى الخلل لأزمات نساء يحملن فوق كتفيهما جبالًا من مشكلات متوارثة في التعامل معهن على أرض الواقع، وفوق رؤوسهن مشَّنة متخمة بالطعام واللبن والحب لتنشئ أجيالًا قادمة وتدفع أثمانًا باهظة لأفكارًا باقية من أجيالًا فاتت .. كل تلك المعاناة وتجد من تجلس ببرود واضعة رجلًا على الأخرى وتبتسم ابتسامة صفراء باردة وتستمر لساعتين أو ثلاثة على الهواء مباشرةً لتحدث المرأة في الهواتف عن طرق عمل البيتزا التي يحبها الزوج، وطريقة اعتذار الزوجة للزوج، وكيفية تربية الابن العاق .. وكيفية معاملة “حَمَاتك” دون الخضوع إليها، ودرسًا سريعًا في تقديم الشاي للضيوف .
وكذا تقدم المذيعة ثلاثة ساعات متواصلة من (اللت) والعجن مستعينة –أحيانًا- بفقرات من المتخصصين .. الحقيقيين منهم والمزيفين .. أصحاب الأهمية منهم وأصحاب التريند .. العارفون بقيمة الكلمة والذين يدلقون الكلام دلقًا دون اعتبارًا لتأثيره .. وهكذا تمر الساعات في الحديث عن خط واحد لأزمة تبدو في معالجتها مُجمّدة .. وكأن كل المصريات من النساء يعشن نفس الواقع .. وكأن كل المصريات يعشن نفس الأزمة، وكأن نفسية كل مرأة تشبه الأخرى .. وكأن كل أزمة تشبه وواقعها وكل واقع يشبه أزمته .. وكأن حلولًا تناسب سيدة الزمالك هي نفس الحلول التي تناسب سيدة بولاق .. وهكذا يمر الوقت دون أن تنطق المرأة نفسها كلمة واحدة .. فقط نصائح فوقية تُقال لها دون اعتبارات لاختلاف حالة عن أخرى، وغالبًا ما تظل تلك البرامج لسنوات لأن واقعًا للمرأة المصرية اعتاد أن يسمع نفس الكلام يوميًا فأصبح مملًا .
وكان أبرز ما حدث مؤخرًا على المستوى الإعلام هو شراكة بين شركة cmc والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لإنتاج سلسلة من الأفلام الوثائقية مشتبكة بالكلية مع أزمات المجتمع المصري، خالية من المثاليات والمبالغات .. أفلام لا ترى الواقع من خلف زجاج السيارة لكنها نزلت إلى الشارع تمشي على قدميها .. ومن ضمن تلك السلسلة كان فيلم “راسك مرفوعة” .. ويمكننا اختصار ذلك الفيلم بأن يدًا امتدت لتفتح شباك في غرفة جمعت نساء القرية كُلهن .. نساء ظللن لفترة يتلقون أوامر على هيئة معلومات من مذيعات يتهجمن على المرأة بحجة الدفاع عنها، ويخترقن خصوصيتها بحجة (الخوف على مصلحتها) .. ونسين أن أول ما تحتاجه المرأة أن تحكي .. تنزف و(ترغي) وتنساب دموعها وتضحك في نفس اللحظة أمام الجميع دون أن تُحاط بشلال من النصائح غالبًا ما يكون مؤذيًا في توقيته .. كل ما تحتجه المرأة المصرية التي تصنع جدارًا حائلًا بين المجتمع وأزماته أن يسمعها المجتمع ثم بعد ذلك يساعدها كلُ موقعه .. ولعب فيلم “راسك مرفوعة” هذا الدور بكل سلاسة، فقط فتح الشباك ليدخل الهواء وتسترد الجالسات طيفًا من الانتعاش لاستكمال الكفاح والاشتباك مع الواقع .. وعن بقية أفلام السلسلة .. للحديث بقية!
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال