رحلة عمرو دياب من الهوس بالنجاح إلى الهوس بالذات (2)
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
مثلما كانت “لولاكي وميال” شرارة التغيير في مشهد الغناء المصري أواخر الثمانينات جاء شريط “نور العين” ليعلن تأسيس حقبة غنائية جديدة سوف يكون فيها عمرو دياب النجم الأول في سوق الغناء.
في عام 98 فاز بجائزة الـ Music Award عن أكثر الشرائط مبيعًا في منطقة الشرق الأوسط، وبدأت الصحافة المصرية حملة مسعورة ضده حيث اتهم صراحة بأنه اشترى جائزة وهمية بمساعدة المنتج رامي لكح، ورضخت إدارة مهرجان القاهرة الدولي للأغنية لضغوط الصحافة وألغت حفل تكريمه في دورتها في نفس العام.
في هذه المرة لم يقف عمرو دياب مكتوفي الأيدي واستغل الندوة التي أقامتها مجلة الإذاعة والتليفزيون وفتح النار على الجيل القديم الذي يرى أنه يقف خلف الهجوم عليه، بدأ بلجنة الإستماع الموحدة في الإذاعة والتليفزيون واتهم مجدي العمروسي بأنه يعيش على أشلاء الماضي ومن حزب المنتفعين بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ووصف أشعار محمد حمزة بالسطحية وسخر من أغاني عبد الحليم حافظ “هو في حد يمس الهوا بايديه” ثم أفرغ غضبه في الملحن حلمي بكر “الملحن اللي نازل شتيمة فيا ليل نهار عمل ايه من 10 سنين غير الكلام ده”.
في تلك الفترة كان عمرو يعيش فترة تخبط على المستوى الإنتاجى،ترك شركة عالم الفن ليعود إلى رامي لكح وشركته “صوت الدلتا” الذي أخلف وعده معه بزيادة أجره عن كل شريط، ولم يجد حلًا سوى العودة لمحسن جابر الذي بدأ إعادة ترتيب مسيرة عمرو من جديد.
كان أول ما فعله محسن جابر هو التدخل لعقد مصالحة بين عمرو دياب وبين مجدي العمروسي وحلمي بكر، جابر كان ذكيًا جدًا حيث كان يحمي مصالحه في المقام الأول لأنه في نفس الوقت كان نائبًا لاتحاد منتجي الكاسيت في مصر الذي يجلس على مقعد الرئيس فيه مجدي العمروسي والذي يمتلك نفوذًا ضخمًا في الإعلام بالإضافة إلى سحب القضايا التي رفعها بكر على عمرو دياب على خلفية تصريحاته.
دخل عمرو الألفية بنشاط فني ملحوظ مع محسن جابر حيث كانت عينه على الخروج بموسيقاه من فلك المحلية والوصول إلى المستمع الغربي، عرف جابر كيف يسوق له جيدًا داخليًا وخارجيًا حتى تمكن من حصد الجائزة الثانية من الـ Music Award عن شريط “أكتر واحد بيحبك”.
لم تكن نار المصالحة قد بردت بعد حيث سربت بعض التصريحات المنسوبة لعمرو دياب على صفحات مجلة الصدى هاجم فيها عبد الحليم حافظ وأنه مطرب بلا رسالة وكان يستغل سهراته في مصادقة الأمراء واللهث خلف الأموال ثم اتهم أم كلثوم بأنها تغني للشواذ في قصيدة “هذه ليلتي” تلك التصريحات المفاجئة فتحت النيران عليه من كل جانب وعادت الأمور إلى نقطة الصفر مع الصحافة مرة أخرى التي كانت تهاجمه ليل نهار.
في حوار سابق للمنتج محسن جابر مع مجلة زهرة الخليج ذكر أن اولى نصائحه لعمرو دياب كانت بغلق فمه وتجنب الظهور الإعلامي قدر الإمكان وقال نصًا “سوف أجعل السلام على رئيس أمريكا أسهل من السلام عليك”، تلك النصيحة أدركها عمرو متأخرًا بعض الشئ فبدأ ظهوره الإعلامي يقل تدريجيًا، هذا الاختفاء عن الأنظار صنع حوله هالة ضخمة الكل ينتظر صدور ألبومه حتي يشاهد مظهره الجديد، أي أغنية سوف يصورها على طريقة الفيديو كليب ومن الفتاة التي سوف تظهر معه وأي مكان أختاره لتصويرها ؟ كلها أشياء بدت الشغل الشاغل لجمهور الألفية الجديدة وهو الأمر الذي سوف يعول عليه عمرو كثيرًا بعد ذلك بعد تجدد الخصومه مع محسن جابر وانضمامه إلى شركة روتانا ثم بداية الترويج لنفسه عبر برنامج الحلم الذي أنتجه خصيصًا لنفسه.
ملف بليغ حمدي 5 : بليغ حمدي ينافس الأخوين رحباني
متى ولد ذكاء عمرو دياب
بعد ثورة يناير دخل مشهد البوب المصري في نفق مظلم جدًا، خرجت من الهامش تجارب فرق الأندرجراوند لتطفو على السطح في ظل انفتاح الطريق أمامها، وبدأ يظهر الإنتاج المستقل مع تدهور شركات الإنتاج بعد تفحش القرصنة على الإنترنت وانصراف الجمهور عن أغنية البوب واتجاه لأغاني الأندرجرواند، وبدأ نجوم البوب في الاختفاء من المشهد واحدًا تلو الأخر عدا عمرو دياب الذي ظل صامدًا في مكانه.
من هنا بدأ الحديث عن ذكاء عمرو دياب في التصاعد؛ فضل الصمت أثناء ثورة يناير والتركيز على إدارة عمله من خارج البلاد، استبداله فريق العمل الناجح معه بالكامل بعد ازمة تصريحات الأداء العلني مع شركة روتانا ولم يرد على الهجوم الذي طاله من بعض الملحنين والشعراء، مواظبته على إصدار ألبومات وسط الأحداث الساخنة التي تمر بها البلاد وهو الأمر الذي جعل البعض يقول أنه الوحيد في مصر “اللي شايف شغله ولا يتأثر بالأحداث” ثم الأهم هو تغيير جلده الفني بالكامل والاعتماد على جيل الألفية في صنع أغنيات لا يهم مدة بقائها المهم أنها تمنحه قبلة الحياة مع الجيل الجديد.
خرج عمرو من روتانا منتصرًا على العكس من أغلب المطربين المصريين الذين عانوا من التجميد فيها سنين طويلة وهي نقطة شديدة الذكاء منه، ينشئ شركة إنتاج خاصة تغنيه عن تحكمات المنتجين ويجني أرباحها وحده، يسحب أعماله من منصة ليبيعها حصريًا لمنصة أخرى بمبلغ ضخم، يوقع عقود رعاية ضخمة مع شركات إعلانية، ثم الحديث الذي لا ينتهي عن مظهره الذي لا يشيخ ابدًا بعد ارتباطه عاطفيًا بممثلة تصغره في العمر بأكثر من عشرين عامًا ليبدأ في العودة والظهور بكثافة لم نعتادها منذ فترة طويلة.
فن بيع الوهم
مع ظهور قوالب موسيقية جديدة مثل المهرجانات والراب والتراب وطغيانها على المشهد الموسيقي المصري، بدأ عمرو يعيد حساباته من جديد، غير من شكل موسيقاه كي يتماهى مع المشهد العبثي الذي تحكمه مشاهدات المراهقين ومواقع الفيديوهات القصيرة، حول فنه إلى سلعة رديئة تستهلك لمرة واحدة لم يعد يبحث عن ترك رصيد فني بل زيادة رصيده البنكي لايهمه أنه يقدم فن مائع ردئ المهم أنه يتصدر القوائم كأغلى مطرب في الوطن العربي، لا يعبأ برأي الجمهور حول علاقته المريبة برئيس هيئة الترفيه الذي أخرجه من برجه العاجي لأول مرة وجعله يتبادل معه عبارات المدح والثناء على مواقع التواصل الإجتماعي بل ويتعامل معه كشاعر في عدة أغنيات تصنف نقديًا من ضمن الأسوأ في تاريخه لكن لا يهم المهم إرضاء الكفيل وزيادة الرصيد البنكي.
في ظل عالم تحكمه مواقع التواصل الإجتماعي وترينداتها المتجددة،أصبح عمرو مطاردًا من كاميرات التصوير أينما حل، تلك الحالة الجديدة كسرت الهالة الأسطورية التي كان عليها مع بداية الألفية تطارده لقطات لرفضه طلب غناء أغنية من أحد الجمهور قائلًا له “بمزاجي ماتسمعنيش” أو يصفع معجب ألح بغباء في التصوير معه ويتعامل بعصبية مع أحد العاملين على المسرح ثم يخرج عن النص لفظيًا وهو يبحث عن أحد أفراد طاقمه الخاص بعد خروجه من إحدى الحفلات.
رغم كسر تلك الهالة الأسطورية إلا أن لم يعد يعبأ بصورته أمام الجمهور وتحول من الهوس بالنجاح إلى الهوس بذاته فهو الأنجح والأشهر والأغلى ولا يهم ما يقدمه للجمهور الذي يجب عليه أن يحمد الله على نعمة وجوده، لكنه لا يدرك أنه أصبح كالفراش الذي يطارد الضوء في كل مكان وكلما اقترب أكثر كلما زادت فرص احتراقه.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال