همتك نعدل الكفة
270   مشاهدة  

رحلتي من الفودو إلى الأستروكس.. إلى التبطيل

الفودو
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



الفودو، أتعرفت على هذا الكائن الرهيب في شتاء 2010، أياميها كان عبارة عن مادة خضرا عطرية جوه كيس لَبَّنِي مرسوم عليه العروسة اللي بتُستَخدَم في سحر الفودو الأفريقي العتيق، ومكتوب عليه كلمة فودو بالإنجليزية أو الفرنسية.

“الدُك” صديقي العتيق فرجني ع الكيس ومحتوياته، وعرفني أن سعره 350ج، وهو رقم ضخم في تلك الأيام الخوالي، وكأي صديق سوء كلاسيكي ناولني كمية تعمل سيجارة واحدة.. على سبيل التجربة. ونصحني أني أقلل التبغ المستخدم في اللف.. وأبرومها سلكاية (تلتين ورقة بفرة أوتومان التاريخية)، ثم أكد عليا أني ماحرقهاش.. نفسين وريح.

وكان معه كل الحق…

الفودو
شعار الفودو

الاكتشاف

ليلتها كنت رايح استلم الشيفت بتاعي في أحد المواقع الألكترونية، كان الموضوع ده جديد نسبيًا، وبوصفي فامبير في نفسي أختارت أني أنفرد بالشيفت الليلي، استلِم مع نُص الليل واسحب الباب ورايا الساعة سِتة صباحًا.

بعد أخر زميل ما مشي وبقيت وحدي في المكان وخلاص رفعت كل الشغل الموجود في الإيميلات، بقيت قاعد منتظر أي جديد يتبعت أو حدث مهم يحصل فاتصل أنا بمحررين الأخبار أنبههم عشان يتابعوا. باختصار كانت اللحظة مناسبة تمامًا لإجراء التجربة.

غيرت المزيكا في الهيدفون، عشان اتنقل من عالم شكوكو وبهجته المُساعدة على تحمل مرار العبودية الحديثة إلى كوكب Pink Floyd المُترع بموسيقى الروك فرع السايكيديلك عالي الجودة.

برمت السلكاية بعناية شديدة وحرصت على اتباع التعليمات، سلكاية.. نفسين وريح.. خليك هادي وماتتوترش، كل حاجة مشيت تمام والنفسين فعلا خدوني في رحلة بين النجوم ساعد عليها تراك Echoes بأجواءُه الفضائية.

YouTube player

فضل الحال ماشي كده.. نفسين بعدهم لفة بين النجوم وتَنّْي راجع، لغاية مع نهاية السِجارة خدت النفسين وجاي أريحها لقيت فيها نفس أخير.. يا أشربه دلوقتي يا لو سيبته هيضيع بين الطفي وإعادة الاشعال، فخدته…. حرفيًا.

بسرعة الصاروخ حصل حالة من الصعود لا يبدو لها هبوطًا، ولا حتى استقرارا، عمال أعلى أعلى بشكل للحظات ممتع ثم يدرك الضريب المتمرس إنه مُفزع وخطر جدًا، أخر حبة وعي جمعتهم وحولتهم لطاقة حركية رهيبة قدرت بالعافية تكسر حالة الشلل اللي سيطرت على جسمي فتمكنت أيدي من إنها تطير الهيدفون من على وداني.

خروجي من هيمنة المزيكا السحرية ورجوعي للهدوء الليلي العادي بالإضافة للسعة البرد للودان ساعدوا جدًا أني استقر نسبيا وأخرج من عالم الفضاء، وتدريجيًا بدءت رحلة الهبوط زي المرات اللي فاتت.

وقتها أدركت إن عالم الكيف سيتغير جذريًا…. وقد كان.

المصريين أهمه

عبر سنين من الاعتماد على هذا المنتج المستورد نجح الضريبة المصريين البواسل من في فك شفرة الفودو ووصلوا لأقرب مادة كميائية تعمل حالة شبيه بحالته، الكيتامين.. مهدئ الحيوانات القوي.

بدء يظهر في السوق “فودو” مصري ينافس المستورد، في البداية أهتم التجار المحليين بمحاكاة المنتج المستورد، فتم الاعتماد على نبات البردقوش لتكون هي الوسيط اللي بيترش عليه المادة الكميائية المُخدِرة، الأمر الذي عاد بالنفع على سوق العِطارة حيث ارتفاع سعر البردقوش فور معرفة السادة العطارين بسبب الإقبال عليه.

وزي أي منتج محلي بعد ما يحقق شعبية يسوء تدريجيًا، خصوصًا مع انسحاب المنافس الأجنبي من السوق، كانت بداية الإنحدار بالتغاضي عن شرط المادة الخضراء العطرية، خصوصًا وإن عملية التمويه على الشرطة بإنه كيس معطر جو ماعدتش ذات جدوى، فتم الاعتماد على تبغ السجاير ليكون هو الوسيط، لتنهار بورصة البردقوش ويعود هو نفسه مجرد عُشب ثانوي في حياة المجتمع.

ثم ماعدش فيه داعي لطباعة أكياس ذات أفيز بلاستيكي أو بدون، ففكرة التشبه بالمنتج الأجنبي ماعدلهاش وجود، بعد اختفاءه نهائيًا، فبقى بيتلعبى في أي كيس بلاستيك والسلام.

الفودو
الأكياس الشعبية

أخيرًا جاءت خطوة استقلال المُنتج المحلي عن المُنتج المستورد المُنقرض تمامًا، ذلك بقطع أخر صلة بينهم بحصول المنتج المحلي على اسم خاص بيه “استروكس”، عشان بعدها يبدء رحلة صعود رهيبة ومنافسة الحشيش شخصيًا في الدواليب، كأحد الكيوف المصرية الأصيلة عبر الأجيال.

رحلة نجح الأستروكس خلالها في كسر هيمنة الحشيش على كيف المصريين، دواليب كتير غيرت نشاطها تماما ودولايب تانية بقت مضطرة تجيبه عشان تنافس، خصوصًا مع ظهور جيل جديد من الضريبة والديلارات بدءوا مشوارهم في الكيف أو الشقاوة مع الأستروكس مباشرًا، فشايفين الحشيش ده بتاع الناس القديمة والبانجو بيسمعوا عنه في حواديت الجدات.

في يوم من ذات هذه الأيام المنحطة من تاريخ الكيف في مصر كنت سبب في إنقاذ عدد غير معروف من الضريبة وحتى من ذويهم.

أنا أفريقي

يوم غريب عز فيه الوصول لأصطباحة، فبعد جولة تليفونية للدُّك بقيادات دواليب المنطقة.. كانت النتيجة بلح، فاخدني وراه ع المتوسيكل وانطلقنا نُفرُك على كافة الموزعين والضريبة في المنطقة بحثًا عن أي كيس ضال أو سِجارة تبحث عن ضَرّيْب.. لكن كافة دوايرنا كانت ناشفة زي المستشفى.

خلال رحلة البحث، اللي بدأت تاخد شكل شبه عشوائي، قابلنا شخص وصفه الدُك بـ”البهظ بيه”، لقاء سريع بدون حتى سلامات.. الراجل في عربيته وإحنا ع المَكَنة، خلاله تم تعريفي بشكل كاذب بهدف طمأنة البهظ بيه من ناحيتي، فأدعى الدُك أني مواطن أفريقي لكن ضريب قديم وباعرف أتكلم عربي لأني بادرس في مدينة البعوث.

فحييته فورًا: السلامُ عليكُم.

الفودو
الأستروكس قبل التعبئة

الوحش الدخاني

الدك روحني واتجه فورًا لمقابلة البهظ بيه في مقره الرئيسي بالمطرية الشقيقة، عشان يرجع ومعاه الحاجة فعلًا ونقسمها بالتساوي، وفهمت منه إن الجدع ده يبقى المصدر الرئيس للدايرة عندنا وكان بقاله يومين مش شغال ما تسبب في الأزمة اللي عيشناها من شوية.

ثم طلع كيس شبيه بظرف الشاي الليبتون الفتلة وعرفني إن البهظ باعتُه ليا مخصوص من الشُغل الجديد عشان أدوقه وأديله رأيي، مع توضيح أن الشغل اللي قسمناه من القديم، وعلى بليل الشغل الجديد ده هيكون متوفر مع الباعة.

عشان نقدر نعمل اختبار الجودة مظبوط بديهي ندربه وإحنا على لحم دماغنا، لفينا سِجارة الأصطباحة من الشغل الجديد، كل مواطن مننا سحب نفاسين حلال ورَكَنة الچِوان نشوف الكلام على إيه، لحظات من الصمت بعدها أدركنا إننا ضايعين فشخ خصوصًا إننا سقطنا الچِوان فين أساسًا.

استمتعنا بالرحلة الهيولية المميتة وبمجرد ما بدءنا نرجع لأرض الواقع أصريت إننا نعمل تليفون فورًا للبهظ بيه؛ نحذره من مدى خطورتها وإنه لازم يخفها بالمزيد من التبغ البرئ حرصًا على أرواح الضَرّيبة.

الدُكْ عمل المكالمة وأنا أضطريت أكلم الراجل لتاني مرة لغة عربية، وفضلت أزن بالنَحَوِي لغاية ما أقتنع بكلامي، بس قال إن فيه عَشَر تكياس خرجوا ومش هيعرف يرجعهم. فرحت بإنجازي في إنقاذ العالم، واقتسمت مع صديقي باقي العينة القاتلة ونزلنا، كل منا إنطلق إلى عالمه.

الفودو
أكياس أستروكس قطاعي

وارد السودان

ليلتها سهرت مع مجموعة أصدقاء سودانيين منهم القدامى ومنهم الواردين حديثًا، والشعب السوداني الشقيق علاقته بالتدخين عمومًا مش وطيدة، لكنهم مائيين بامتياز مثير للفزع، فعادة بروح من سهراتي معاهم لا أعرف لي يمينًا من شمال.

بس ليليتها روحت وأنا غير السُكر البَيْن.. معايا مواطن سوداني واصل حديثًا، بغرض إنه يقضي عندي كام يوم لحد ما يرتب أموره في القاهرة، ولحظي العجيب كان المواطن الوحيد فيهم الذي لا يَسكَر أو يُدَخِن ولا حتى يَسِف السَعوط.

في البيت عرفته بصديقي العزيز بومبا، كلب بيتبول، ووريته مكان نومه والحمام وعرفته بالمطبخ، إلى أخر تفاصيل الضيافة العزابي، ودخلت ألف سِجارة وأقعد شوية ع اللاب قبل ما أنام.

دخل الضيف يجالسني فرحبت بيه وفهمته إنه براحته ومش ملزم يسهر جنبي والذي منه، كان بشوش ولطيف كأي سوداني كلاسيكي وقال إنه حابب يتعرف عليا أكتر وما إلى ذلك، وسألني:

–         حشيش ده؟

–         لأ.. ده نوع سُميات عنيف حبتين.

فجأة لقيته ماسك فأيده السِجارة القاتلة: طب ودي إيه؟

–         هي.. هي زي اللي فأيدك دي.

إقرأ أيضا
الشرعية

وبسرعة بالم اللي معايا عشان مافيش داعي ألف جديد، لقيته عايز يولعها فطبعًا رفضت وخدتها منه بسرعة. فضل شغال بينا سِجال طويل هو من ناحيته بيقدم إصرار وتوسل شنيع إنه حتى يولعها ويديهاني في مقابل رفض مستميت من ناحيتي، انتهى في الأخر أني أضطريت أوافق هربًا من وصمة البُخل، وهو الحقيقة ألتزم.. يادوب ولعها وخد نفس وأدهالي. أنا يا دوب سحبت النفسين.. وعينك ما تشوف إلا الموت، حرفيًا.

YouTube player

في مواجهة الموت

انخرطت صديقي الجديد في فقرة من الغَيْبَبَة والترجيع ع القاعد أضطريت معاها أني أقلعه التيشيرت بطريقة أوكروباتية.. للسيطرة ع السوائل غير المرغوب فيها محبوسة داخل التيشيرت بدون ظروطة المكان، ثم أقومه عشان أوديه الحمام.. بس بعد خطوتين مش أكتر أدركت أن الزول ده مش مسقط.. إنه يحتضر. حدفته ع السرير وحاولت واسترجعت كل مشاهد الإنقاذ اللي شوفتها في الأفلام الأمريكاني، ركبت فوقه وهاتك يا تدليك للقلب لحد ما بدء يتنفس من جديد.. فشيلته للحمام وفتحت عليه الدُش، وهنا بدء أخيرًا ينتبه للعالم المحيط.

قعدنا شوية وكلنا شوية حاجات حادقة لزوم الإفاقة ثم دخلته سريره ينام ورجعت أوضتي، بس كل شوية أقوم أتطمن إنه لسه بيتنفس، وبعد فترة وقعت أنا كمان في النوم، ما أنا مش بلاستيك.

–         هوهوهو… هوهوهوهو… هوهوهوهوهو

صحيت على بومبا عامل قلق جامد، بين الفوقان والنوم قلت في عقل بالي تلاقي حد من السُكان اللي فوق طالع ولا نازل أو حتى فار دخل الشقة، فشخطت فيه من عندي وكملت نوم. لكن على مين

–         هوهوهوهوهو… هوهوهوهوهو… هوهوهوهو… هوهوهوهوهو

وصوت شخللة السلسلة بقى أعلى من الهوهوه، أفتكرت مشروع القتيل وطلعت أجري ع الأوضة التانية لقيت الزول صديقي بيفيص من جديد، من تاني تدليك للقلب وسحب للحمام عشان ياخد دش. بس المرة دي بدء يضيع مني وهو تحت المية، ولأن الحمام ضيق زنقته في الحيطة ودلكت قلبه ع الواقف لحد ما اشتغل. وقضيت ما تبقى من الليل وجزء مش بطال من النهار نباطشي.. عشان كل شوية أتمم على نفسه.

لحد ما أخيرًا صحي وطلعنا السطح نلاعب بومبا، وأخر النهار نزلنا سوا على نفس المكان اللي باسهر فيه مع أصدقائنا المشتركين، سهرنا وسكرنا وسلمته وروحت.

الفودو
بومبا

الماتش النهائي

وصلت البيت سكران وهلكان ونفسي حد يقابلني بالسرير ع السلم، بس قبل ما أنام جاتلي مكالمة من الدُكْ بيوصللي شُكر البهظ ع التحذير وأنه كان في محله جدًا، وإن البياع اللي اشترى العَشَر تكياس (اللي هو قالنا إنهم خرجوا) من جنبنا إحنا في باب الشعرية، بس باع كام كيس منهم عنده في المطرية وفيه شابين رموا نفسهم من البلكونات بيتهم، حكيتله أنا كمان ع اللي حصل معايا ومغامرتي مع صديقي اللي كان مُصِر يموت عندي.

وأخيرًا عيني راحت في النوم.

–         الحقوني يا ناس… الواد هيروح مني… يا لااااااهوووووووووي

صحيت مفزوع على صوت صريخ هيستيري جاي من الشارع.. وواضح إن الليل لسه ماخلصشي، خرجت البلكونة أشوف فيه إيه.. لقيت الرُبع بالفانلة واللباس واقف بره سور بلكونة بيتهم.. وأمه قفشاه من الفانلة وبتصوت.

أتفرج شوية على هذا المشهد العبثي، ومُخي تدريجيًا بيفقد قدرته ع النوم وبيترجم مصير كيس جديد من العشرة المفقودين.

دخلت من البلكونة وفتحت اللاب أدور على حاجة مُسلية بعد النوم ما ضاع، لاقيت الطفاية جنبي ولسه فيها الجوان القاتل.. فحلفت إني أخلص عليه وماشربهوش تاني أبدًا، فتحت فولدر Pink Floyd وقعدت أحارب الوحش الدخاني على أنغام Echoes، في محاولة للغلوشة على أصداء محاولة انتحار جاري من بلكونة في الدور الأولاني.

الكاتب

  • الفودو رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
5
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
5
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان