رحيل جوميز عن الزمالك و”عضة الكلب”!
يقول العارفون بفنون الصحافة إن عض الكلب للإنسان ليس خبرا، لأنه أمر معتاد، أما أن يعض الإنسان كلبا، فهذا هو الخبر. كذلك الحال في نادي الزمالك، بعد أن بات رحيل مدرب الفريق في منتصف الموسم من أجل عرض آخر ليس خبرا، فالأمر في ميت عقبة أصبح معتادا!.
فوجئ الجميع الليلة الماضية، بخبر طلب المدير الفني لنادي الزمالك “جوزيه جوميز” فسخ تعاقده مع النادي، بسبب “عدم تلبية طلباته”، الأمر الذي استدعى جلسة طارئة جمعت المدرب المتوج بلقبين مع الفريق الأبيض برئيس النادي “حسين لبيب”، والتي يبدو أنها لم تسفر عن شيء، فالبرتغالي أصر على الرحيل هو وجهازه بالكامل، بل إنه طلب أيضا اصطحاب المدرب المساعد المصري أحمد مجدي.
مشهد مكرر
طلب “جوزيه جوميز” الرحيل عن الفريق في خضم الموسم ليس أمرا جديدا على القلعة البيضاء، فدون الحاجة لبذل جهد لتذكر وقائع مشابهة، نجد الماضي القريب مليء بالمشاهد المماثلة حتى باختلاف إدارات النادي.
في مايو 2019 وتحديدا في ليلة تتويج الزمالك بالكونفدرالية رحل السويسري “كريستيان جروس” عن تدريب الفريق، بعد أن أعلن “مرتضى منصور”، رئيس النادي وقتها، عدم تجديد تعاقد الرجل الذي درب “توتنهام هوتسبيرز” الإنجليزي في وقت سابق.
رحل “جروس” تاركا الفريق في خضم منافسات الدوري، وكان الزمالك وقتها يحتل المركز الثاني بفارق ثماني نقاط عن الأهلي المتصدر، وله ثلاث مباريات مؤجلة منهم مباراة أمام الفريق الأحمر، كان الفوز بهم كفيلا بوضع فريقه على قمة الجدول.
ثم في سبتمبر 2020، وقبل خوض الزمالك نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا 2020، طلب المدير الفني الفرنسي “باتريس كارتيرون” الرحيل عن الزمالك ودفع الشرط الجزائي المقدر بـ 250 ألف دولار، ثم انتقل في اليوم التالي لتدريب “التعاون” السعودي.
الزمالك وقتها كان يمتلك فريقا قويا ينافس على الدوري المحلي ويستعد للعب نصف نهائي دوري الأبطال، ولاحقا تمكن من عبور الرجاء ولعب المباراة النهائية أمام الأهلي فيما عرف إعلاميا بـ “نهائي القرن”. وخسر الزمالك تحت إدارة المدرب العائد “جيمي باتشيكو” البطولة أمام الأهلي. وبعد ستة أشهر لاحقة أقيل “باتشيكو” وعاد “كارتيرون” من جديد!.
“باتشيكو” نفسه سبق أن قاد الزمالك سنة 2014 في 11 مباراة، بعد أن أتى خلفًا لحسام حسن، الذي قاد أولى مباريات الفريق في الدوري ورحل لخلاف مع رئيس النادي آنذاك “مرتضى منصور”، ثم ترك “باتشيكو” الزمالك على قمة الدوري ورحل فجأة بعد أن تلقى الأبيض أولى هزائمه تحت قيادته أمام إنبي بهدفين نظيفين.
البرتغالي علل رحيله المفاجئ بأنه لم يتلق الاحترام من الإدارة، بعد أن هاجمه رئيس النادي إعلاميا بضراوة عقب الهزيمة، فحزم أمتعته وغادر الفريق للتعاقد مع “الشباب” السعودي.
إقالة من خلف القضبان
عاد “كارتيرون” من جديد لكنه في ظرف أشهر قليلة تمت إقالته بسبب سوء النتائج ليطير إلى “الاتفاق” السعودي. وأعلن الزمالك التعاقد مع العائد “جوسوالدو فيريرا” مدرب الفريق الأسبق، والذي قاده في النصف الثاني من موسم 2014-2015 ورحل عقب تتويج الفريق بلقب الدوري، بسبب عدم التفاهم مع رئيس النادي.
لكن فشل “فيريرا” خلال ولايته الثانية في تجاوز دور المجموعات في دوري أبطال أفريقيا، ليقرر “مرتضى منصور” إقالته من خلف القضبان، إذ كان الأخير يقضي وقتها عقوبة الحبس لمدة شهر في قضية سب “محمود الخطيب”، وبقى أن نتذكر إن “منصور” كان قد أقال “فيريرا” قبل أيام من تنفيذ عقوبة الحبس لكنه تراجع عن قراره، قبل أن يعود مرة أخرى ويقيله بعد توديع الفريق دوري الأبطال.
مطالب جوميز
نعود للبرتغالي “جوزيه جوميز”، حديث الساعة، الذي علل رحيله بعد تنفيذ مطالبه، فماذا كانت مطالب البرتغالي؟
في بداية الموسم طلب “جوميز” التعاقد مع ناشئ ليفربول السابق، “إيجاريا”، وبالفعل أرسل الزمالك تذاكر الطيران للاعب الذي جاء إلى مصر لإتمام التعاقد، لكنه فوجئ بأن إدارة الزمالك تطالبه بالخضوع لفترة اختبار!.. ورحل “إيجاريا” عن مصر رافضا نقض الاتفاق الذي جاء إلى مصر على أساسه، وهو ما وضع “جوميز” في موقف حرج.
كذلك طلب جوميز دعم الفريق ببعض أدوات التدريب الحديثة، ولم تلبي إدارة “حسين لبيب” مطالبه.
السبب الأهم كان تلقي “جوميز” عدة عروض سعودية بعد تحقيقه لقبين قاريين مع الزمالك، واختار من بينها عرض نادي “الفتح”، الذي قدم له راتبا يبلغ ضعف ما يتلقاه من الزمالك. ومع عدم تنفيذ إدارة الأبيض طلبات المدرب، اختار الأخير الرحيل حتى ولو كانت وجهته إلى صاحب المركز الأخير في دوري روشن!.
هل لديه أسباب أخرى؟
“جوميز” في أشهر قليلة حقق لقبين قاريين مع الزمالك، الكونفدرالية على حساب “نهضة بركان” المغربي، ثم الحدث الأكثر دويا، بتحقيق السوبر الأفريقي على حساب النادي الأهلي، بركلات الترجيح.
بالنظر إلى حالة فريق الزمالك الحالية، فلا يخفى على أحد مدى النقص الشديد الذي تعاني منه قائمة الزمالك وافتقادها للعمق الذي يضمن الاستمرار في المنافسة على البطولات.
نجم الفريق الأول حاليا، “عبد الله السعيد”، هو لاعب على مشارف الأربعين!.. فهل يضمن “جوميز” أن يستمر اللاعب في تقديم نفس المستوى لعام آخر؟
نجم الفريق الأول في السنوات الماضية، أحمد مصطفى “زيزو”، تراجع مستواه مع اقتراب نهاية عقده، وعدم قدرة إدارة النادي على التوصل معه لاتفاق مرضي، وبعد أيام قلائل سيكون رحيل “زيزو” عن الفريق أقرب من بقائه.
هذه المعطيات مجتمعة لابد أن البرتغالي وضعها في حساباته قبل أن يختار الرحيل، وقد حقق بالفعل مع الزمالك ما جعل اسمه يلمع عربيا وتنهال عليه العروض، التي اختار من بينها عرض “الفتح” السعودي.
النظر في الاتجاه الخاطئ
أرى بشكل شخصي، أن مشكلة الزمالك الحقيقية، هي النظر دائما في الاتجاه الخاطئ، فردود الفعل الجماهيرية في كل مرة يتكرر فيها المشهد ويرحل المدرب، تتجه دائما لنظرية المؤامرة، فدائما يرى المنتمون للزمالك أن لا أحد يرغب في مواصلة الزمالك لمشواره، وأن كل بطولة يحققها الفريق هي تهديد للكون بأكمله.
البعض يشير بشكل صريح إلى أن رئيس الأهلي محمود الخطيب هو السبب!
فيما يلمح آخرون إلى ضلوع الأهلي في هروب مدربي الزمالك، طارحين سؤالا عبثيا: لماذا لا يتلقى مدربو الأهلي عروضا هم أيضا؟
“هو كتير بس مفيش!”
هل فعلا لا يتلقى مدربو الأهلي عروضا للرحيل عن الفريق؟
لا يخفى على أحد أن “مارسيل كولر” المدير الفني للنادي الأهلي، تلقى قبل بداية الموسم عروضا سعودية، لكنه اختار البقاء داخل جدران القلعة الحمراء. ودائما يتلقى مدربو الأهلي عروضا مادية مغرية للرحيل، لكن بحسبة بسيطة فالبقاء في الأهلي أكثر إغراء.
كمدرب للأهلي، أنت تعمل براتب كبير، ربما أفضل مما كنت تحصل عليه في أوروبا، تحصل على مستحقاتك في مواعيدها دون تأخير، تتعامل مع إدارة تلبي معظم احتياجاتك، ولا تتدخل في عملك، ولا تهاجمك علنا في الصحف والمواقع والقنوات.
كمدرب للأهلي أنت مرشح دائما للفوز بالبطولات المحلية، ودوري الأبطال، واللعب في كأس العالم للأندية ضمن صفوة أندية العالم، بل إن تحقيق ميدالية مونديالية أصبح أمرا معتادا في الأهلي.
مدرب واحد في السنوات الأخيرة اختار الرحيل بإرادته عن الأهلي في منتصف الموسم من أجل عرض آخر، هو “جوزيه بيسيرو”، الذي بحد تصريحه – لبى نداء العاطفة – واختار الرحيل لتدريب “بورتو” البرتغالي – لاحظ أننا نتحدث هنا عن فريق أوروبي كبير حصل من قبل على دوري الأبطال – لكنه بعد فترة أعلن ندمه وكم تمنى استمرار رحلته مع الأهلي!.
كل مدرب يأتي لتدريب الأهلي يعلم جيدا أنها فرصته الذهبية التي ربما لن تتكرر مستقبلا، فيسعون لسطر تاريخ يستندون إليه ما تبقى في مشوارهم، انتهاء قصتك مع الأهلي تضمن لك عروضا أخرى برواتب ضخمة، لأنك دربت زعيم أندية أفريقيا والشرق الأوسط. مثلا “بيتسو موسيماني” انطلق خليجيا برواتب تفوق راتبه مع الأهلي، “حسام البدري” انطلق عربيا، وحتى “مانويل جوزيه” درب “اتحاد جدة” ومنتخب أنجولا وذهب إلى إيران. وهم مجرد أمثلة. ولكن أي منهم لم يحقق نجاحات تقترب ما حققوه مع الأهلي.
المظلومية أسهل
في الزمالك، يختار المنتمون إليه الحل الأسهل: نظرية المؤامرة، بدلا من الاجتهاد في البحث عن أسباب حقيقية لتكرار مشاهد رحيل المدربين، لا يتحدثون عن نكث العهود، لا يتحدثون عن ضعف التخطيط، ولا يفكرون في تخبط الإدارة وتدخلها بغير علم في أدق الملفات، لا يتحدثون عن الحروب التي يواجهها كل من أتى من خارج النادي من “أبناء النادي”.
فأن تكون ضحية أسهل بكثير من أن تبحث عن أسباب فشلك وتعمل على علاجها.