ريا وسكينة.. الفكرة والتناول
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
لا أجد نموذج للحكمة القائلة: الفكرة ملقاة على الطريق. أبرز من ريا وسكينة وعلاقتهما بالفن..
من مائة عام تقريبا تم القبض على أخطر تشكيل عصابي تحت قيادة.. ريا وسكينة، تخصص في خطف النساء وقتلهن وسرقة مجوهراتهن..
تلك الوقائع المتكررة بأحداثها الغامضة والمثيرة نشرت الذعر بين سكان الإسكندرية، ونالت اهتمام الشعب كله.. خاصة من اكتشاف أفراد العصابة وطريقة تعامل مع الضحية، وقصة حياة الأسرة غير الكريمة ريا وسكينة وحسب الله وعبد الله..
وهي القصة التي وجد فيها نجيب الريحاني مادة خصبة لعرضه الجديد.. كان قبلها قد عاني مع مسرحية العشرة الطيبة، وهي أحدي عروض كشكش بيه، وما نالته من نقد جماهيري حاد.. مما دفعه للسفر إلى الشام ليقدم شخصيته المبتكرة لأهل سوريا.
غير أن هناك مفاجأة ضخمة كانت في انتظاره. فـ أمين عطا الله وعلى عطا أسسا فرقة تقدم عروض كَش كَش يلعب فيها على عطا دور كش كش.. وهي صدمة أخرى من أصدقاء العمر. لهذا قرر الريحاني العودة إلى القاهرة.
قبل عودته للقاهرة تعرف على بديعة مصابني، كانت عضوة في فرقة أمين عطا، ولكن طموحها جرفها إلى القاهرة عاصمة الفن، وعرضت الأمر على نجيب فوافق وتوقع لها مستقبل مدهش في عالم الفن.
وعاد نجيب مع بديعة ليبحث عن بداية جديدة تماماً بعيدة عن كش كش بيه. بل بعيدة عن الكوميديا أساساً.
وهنا جاءت أحداث ريا وسكينة لتكون عمود لمسرحية تحمل عنوان “ريا وسكينة” حيث يلعب فيه الريحاني دور حسب الله، وبديعة أحدي الضحايا..
وقُدم العمل كـ تراجيديا صرف، بكاء ونحيب، وأحداث مثيرة، حتي أن نجيب كتب في مذاكرة حول تلك الواقعة بأنه كان يسمع صوت يأتي من الصالة منتحباً: “بزيادة بقي.. قتلتونا يا ناس”…
ولم يتردد نجيب في أن يقدم هذا العرض بالشام، وهو الجمهور الذي انصرف عنه من قبل، ونعتوه بـ كش كش التقليد.. لتنال المسرحية إقبال وتعاطف كبير من الجهور.. حتى أن نجيب يذكر أنه تعرض لإطلاق النار من قبل أحد المتفرجين..
وقتها كان الريحاني مندمج مع الأحداث، غارق في الشخصية، ينقض على بديعة/ الضحية بقسوة ويخنقها بعنف. هنا استخرج المتفرج مسدسه وأطلق النار على نجيب الذي فر مسرعاً..
في 1952م قرر صلاح أبو سيف أن يعيد تجربة ريا وسكينة. ولكن، هذه المرة مع السينما، فلجأ إلى نجيب محفوظ لكتابة القصة والمعالجة.. وربما تكون البداية مع النجم/ أنور وجدي.. ورغبته في العمل معهما..
نجيب طبعا شيخ الأسطوات.. ليس في الأدب فحسب. ولكن في السينما أيضاً.. ونجيب كتب للسينما ما يقارب الـ 29 عمل.. والكتابة للسينما هنا ليس لها أي صلة بأعماله الروائية التي قدمها غيره من كُتاب السيناريو..
29 عمل سينمائي مستقل سواء كان قصة أو سيناريو، منها: الفتوة، بين السما والأرض، الاختيار، بئر الحرمان..
غير أنه لم يستطع أن يكتب الحوار السينمائي أبداً!
نجيب تتلمذ على يد صلاح أبو سيف الذي اكتشفه ككاتب سينمائي عن طريق فيلم مغامرات عنتر وعبلة.. لا، ليس الفيلم إنما الرواية، رواية عبث الأقدار.. منها استشف أنه أمام كاتب سينمائي بامتياز يمتلك القصة المحكمة والحوار الرشيق وبناء الشخصية.. وبالطبع كان نجيب كذلك وأكثر..
أما نجيب فيقول أن السينما جاءته من الخارج… صحيح أنه مُتابع جيد للسينما، إلا أنه لم يكن يعرف شيئا عن صناعتها.. تلك الصناعة التي تعلمها على يد أبو سيف..
بعد فيلم عنتر وعبلة ثم فيلم لك يوم يا ظالم، جاءت التجربة الأنضج: ريا وسكينة..
وهنا نعود إلى الفكرة الملقاة على الطريق وطريقة تعامل المبدع معها، الأول: الريحاني.. قدم تراجيديا حزينة..
نجيب، وأقصد هنا نجيب محفوظ، تعامل مع الفكرة باحترافية، هو يعلم مقدماً أن أنور وجدي سيكون البطل.. لذا يجب أن يكون البطل بالفعل، وليس هناك بطل أعظم من مكتشف الجريمة وقاهر الإجرام.. فـ لم لا يكون الضابط الذي يقبض على العصابة؟ وهي المنطقة المفضلة للنجم ولجمهوره أي ورقة رابحة..
هذه الورقة الرابحة لم تحقق الرواج الجماهيري فقط. بل نالت إشادة النقاد الذين اعتبروه أول فيلم يقدم على الشاشة حواري وأزقة الإسكندرية التي ارتبطت بذهن المشاهد كبحر وشواطئ ومكان للنزهة..
بعدها بعامين تقريباً يقرر إسماعيل ياسين أن يواجه ريا وسكينة.. فيسند دور ريا لـ نجمة إبراهيم، وسكينة لـ زوزو حمدي – وهي الأدوار نفسها التي لعبتها نجمة وزوزو في فيلم أنور وجدي).. وتدور المغامرات الكوميدية بين منولوجيست الكازينو السكير وريا وسكينة..
ها هي الفكرة نفسها. ولكن، في إطار كوميدي ضاحك هذه المرة..
في مطلع الثمانيات، وأثناء سهرة خاصة بين النجوم والنجمات، وحديث جانبي هامس بين شويكار وسهير البابلي.. جاءت فكرة مسرحية ريا وسكينة. كان الأمر مجرد مزحة للكاتب بهجت قمر: “مش بذمتك عاملين زي ريا وسكينة.. اكتب لهم ريا وسكينة”. وقد كان.
وكتب بهجت قمر مسرحية ريا وسكينة وقدمها لشويكار كما قدمها لسهير البابلي. وعرضت شويكار النص على فؤاد المهندس الذي صرح لها بأنه عمل فاشل، ويستحيل أن يتقبله الجمهور.. وإن كنت شخصياً لا أعرف لماذا! ما علينا..
وترفض شويكار الدور لتلعبه شادية وتشاركها في البطولة سهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وأحمد بدير..
وبخصوص أحمد بدير ودور عب عال.. وهو نفس الدور الذي كان يلعبه الفنان حمدي أحمد، وكما هو شائع بأنه ترك العمل بالمسرحية بعد تعليقه على استقبال الجماهير الحافل لمعبودة الجماهير شادية..
تلك الغيرة الفنية أيضاً أضاعت فرصة عظيمة على نادية الجندي والتي كانت مرشحة للعب دور سكينة بمسلسل ريا وسكينة لـ مصطفي محرم..
يصرح السيناريست مصطفي محرم بمذكراته “حياتي في التليفزيون” أنه أثناء العمل على مسلسل ريا وسكينة – المأخوذ من رواية رجال ريا وسكينة لـ صلاح عيسي – لم يفكر سوي في نادية الجندي ونبيلة عبيد.. وأنه فور انتهائه من الكتابة هاتف نبيلة عبيد وأخبرته عن نيته ففرحت وافقت. ولكن، نادية الجندي عارضت بشدة، فهو نجمة الجماهير ولا يجوز لها أن تتشارك البطولة مع نجمة أخري.
وفي كل الأحوال، فـ الدور ينادي صاحبه، وأصبحت ريا عبلة كامل، وسكينة سُمية الخشاب، وحسب الله سامي العدل، وعبد الرازق صلاح عبد الله، واخرج جمال عبد الحميد العمل الذي كتب أشعاره أحمد فؤاد نجم..
وهكذا وهكذا .. والدنيا غابة ومنتزة.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد