همتك نعدل الكفة
501   مشاهدة  

الفرد أم المجتمع في سينما الواقع؟ .. ولماذا لا تظهر الإيجابيات وتتحدث وزيرة الثقافة؟

ريش
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



عندما أراد زكي نجيب محمود الفيلسوف والمفكر والأديب الكبير أن يفرق بين العمل الأدبي وغيره حتى في قالب المقال وهو الأبسط أوضح أنه متى ارتكز المقال على الفرد أو مجموعة من الأفراد بحيث يتناول الموضوع أو القضية من خلال هموم الناس وأوجاعهم واهتماماتهم أصبح كاتب المقال أديبًا ومبدعًا بينما يناقش المقال الصحفي القضايا مجردة دون أن يجسدها في الفرد.

فعلى سبيل المثال عندما يتناول المقال الصحفي قضية ما ولتكن مصروفات التعليم وعدم قدرة الطلاب على السداد الفوري، سيضع نقاطه التي تتعلق بالإحصاءات عن دخل الأسر ونسب الفقر من واقع بيانات الحكومة وأعداد المسجلين بالتعليم الحكومي وأعداد المحولين من التعليم الخاص بسبب عدم القدرة المادية، بينما يستعرض المقال الأدبي الموضوع نفسه من خلال سرد لواقع فرد أو مجموعة من الأفراد اضطرتهم الظروف للقيام بأعمال استثنائية أو رهن آخر قرط ذهبي في حوزة الأم لتدبير مصروفات المدرسة أو قد يحكي المقال الأدبي عن رحلة مجموعة من الأفراد من التعليم الخاص للحكومي ثم تعثرهم مرة أخرى في أحداث خاصة بهم لكنها تعكس كل المشكلات التي على الدولة أن تلتفت إليها، وهكذا يمضي المبدع  بقلمه في تجسيد كل قارئ متوقع في قصص أفراده الذي تناول حكاياتهم، وقد امتازت مقالات كبير الفلاسفة زكي نجيب محمود بهذا القالب الأدبي الذي كان يصب فيه أفكاره ليجعلها أقدر على النفاذ إلي القراء.

 

التمهيد السابق يقودني للتنبيه بضرورة تأمل المبدعين كافة الجملة التالية: (الفن مش كدة يا شريف) والتي قالها عمرو أديب في المداخلة التي أجراها مع الفنان شريف منير عقب انسحابه أثناء عرض فيلم “ريش” ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي،

حيث أن هذا الحوار الذي دار بينهما يعكس بشكل صادم كيف يمكن أن يجهل فنان شارك في عشرات الأعمال الدرامية والسينمائية ماهية الفن والإبداع وخصوصيته وفرديته كما يعجز هذا الفنان عن إدراك دور المخرج في العمل السينمائي والذي ببساطة يمكن تلخيصه في مبدع يقوم بطرح رؤية ووجهة نظر فردية باستخدام أدوات إبداعية كالصورة والحوار وغيرهما ليجسد لنا شيئًا من وجداننا في فيلم، وهو المعني الذي ظهر غائبًا عن إدراك الفنان خلال إجابته على مضيفه في المداخلة التليفونية عبر برنامج الحكاية.

ريش

اذًا الإبداع دائمًا ما يرتبط بالفرد أو مجموعة أفراد، هل تظن أن هذا ما أربك البعض!

التنافس بين الفرد من جهة والمجتمع أو الدولة من جهة أخرى قديم الطرح ربما منذ نشأة الأسرة، ولقد استطاعت المجتمعات التي تقدمت أن تعي أن سبيل تفردها ينطلق من القيمة التي تعطيها للأفراد وهو ما لا يخل بالهوية التي تريد أن تحافظ عليها الدولة أو بالأفكار التي تستهدف الترويج لها، لذلك يحتاج تحقيق هذا التأثير من المجتمع جهد وكفاءة في استخدام أدواته والتي تعد الفنون من أهمها وأعظمها تأثيرًا

 

ولكن المنع لم يكن سبيلًا لنجاح أي من الدول التي هيمنت وقادت، بل كانت إتاحة الفرص هي العامل الذي كلما زاد تضاعفت معه التجارب الناجحة بحكم المنطق.

 

أزمة فيلم “ريش” ولماذا لا تنقل السينما الواقعية الواقع الإيجابي والوجه المشرق؟

 

لم أشاهد الفيلم ولكنني تابعت كل ما كتب أو قيل عنه من قبل من شاهدوه، لذلك تبدو مناقشة من رفضوا الفيلم أكثر وجاهة نظريًا بالنسبة لي حيث أن الفطرة هي الحرية بينما نقدم الحجج دائمًا لنقيم المنع، هكذا خلقنا الله وهذه سننه الكونية فقد أحل لنا الحياة كلها ثم جاء الحرام محددًا كاستثناء.

 

يجب أن نحدد قبل أن نطالب بفيلم عن الواقع الإيجابي، أي واقع نقصد، واقع الفرد أم واقع الدولة؟ حيث أنهما قد يختلفا فعندما تقول أن الدولة أنجزت مشروعات مهمة سيأتي على رأسها في مخيلتك وفق ما تعلنه الدولة نفسها، شبكات الطرق والمحاور الجديدة، محطات التحلية، المدن الجديدة وغيرها من نهضة عظيمة في العمران، والتى علي أهميتها الكبرى لا يمكن أن تأخذ دورًا محوريًا في السينما بكل أنواعها وقوالبها، من التجارية وحتى المستقلة التي تعنى بالمهمشين وذلك بسبب أن السينما لا يمكن أن تسند دور البطولة إلى ترعة جرى تبطينها أو إلى محور اختصر مسافة ساعتين بالسيارة إلى ٤٥ دقيقة، وذلك لطبيعة القالب نفسه والعمل الإبداعي المستند على الفردية ـ أشعر أنني أبالغ في البديهيات –

ستقول لي، وأين أنتِ من الأفراد سكان العشوائيات التي بذلت الدولة مجهودًا معجزًا في التخلص منها لماذا لا تظهر خلال سينما الواقعية التي تدافعين عن فرديتها الآن؟

ريش

الإجابة في إتاحة الفرص، فعندما تتنوع الأعمال المستقلة والإبداعية وبينما يستقر الأفراد في حيواتهم غير العشوائية الجديدة التي حصلوا عليها بفضل رؤية الدولة ستأتي قصصهم الملهمة وتفرض نفسها على المبدع الذي قد يكون واحدًا من هؤلاء الأفراد، فصبرًا جميل، لأن مناقشة فقر مدقع لأسرة من الصعيد في بلد تجتهد بكل مقدراتها لمجابهة الفقر والحد من تضاعف السكان أمرًا بديهيًا، ولأن التخويف بالمنع هو ما سيعطل نبوغ المبدعين من حيث وضعت الدولة ايديها لتنقذهم وتحسن من أحوالهم وسيحد من قدرات الناس على الاكتشاف والمبادرة وبالتالي تقل التجارب الناجحة بحكم المنطق أيضًا.

 

أما إذا كنت تقصد إيجابية الفرد نفسه وواقعه المبهج بعيدًا عن القتامة التي برر بها بعض الفنانين رفضهم للفيلم – وهو حق ما لم يتبعه تحريض على التضييق أو تخوين عبر الإشارة لتعمد صناعه الإساءة لمصر- فهل شاهدة فيلم عاش يا كابتن؟

 

هو الفيلم الوثائقي الطويل الذي تأهل للمنافسة على جائزة الأوسكار كأفضل فيلم وثائقي والذي نظم مهرجان القاهرة السينمائي، في دورته الـ ٤٢، ندوة خاصة له حيث كان يمثل مصر في المسابقة الدولية للمهرجان، وتم عرضه بالمسرح الكبير بدار الأوبرا، بحضور عدد كبير من نجوم الفن اللذين صفقوا بعد عرضه طويلًا.

 

يتناول الفيلم رحلة أسماء رمضان “زبيبة” الفتاة المصرية، ١٤ عامًا، التي تحلم بتحقيق بطولة العالم في رفع الأثقال مع مدربها كابتن رمضان عبد المعطي والذي درب بدوره ابنتيه أمام منزله في الإسكندرية وحازت نهلة رمضان على ثلاث مداليات ذهبية في بطولة العالم لكبار والتي استعدت لها من أمام بيتها حيث كانت تتدرب في الشارع، الفيلم يمضي في رحلة تظهر مدى الإرادة التي تحلت بها زبيبة والكابتن وأمهات المتدربات وتكاتفهن في ظل ظروف ضيقة، عاش يا كابتن الذي عرض على منصة نيتفلكس هو إنتاج مصري ألماني دنماركي مشترك وهذا النمط من الإنتاج لا يجب أن يثير دائما الريبة والشك ولا يجب أن يكون مبررًا للتخوين، تناول الفيلم الذي حمل في سرده الدرامي إلى جانب القالب الوثائقي الرئيسي محاكاة للحظات فارقة من حياتنا جميعًا كما حمل إلهامًا كبيرًا وتأثرًا بالغًا من لحظات انكسار وفرح وانتصار الطفلة زبيبة، لكنك ستتوقف عندما تشاهد الفيلم عند قدرة أبطاله الحقيقين على التكاتف في تدبير طعامهم البسيط وتحايلهم على فقرهم الشديد وبينما يصنع المدرب الاته الحديدية لتدريب اللاعبات في الشارع، يرسخ للمساواة بين الجنسين ويغير من الصورة النمطية لقصر رياضة رفع الأثقال على الرجال، ويدافع الكابتن رمضان رحمه الله عن فتياته من المتنمرين من المارة وستتمنى بكل تأكيد دورًا داعمًا أكبر من المجتمع لهؤلاء المستحقين، سيقلب المواجع ويلهمك أيضًا.

 

 

موقف الثقافة من “ريش” ورسائل الدولة غير الواضحة

 

إقرأ أيضا
قتل

مشهد جدير بالتأمل ومُستحق للتفسير

تكرم وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم صناع فيلم “ريش” في شهر أغسطس الماضي بعد أن حصل الفيلم على جائزتين بمهرجان كان السينمائي الدولي، جائزة الفيربسي لأفضل فيلم في الأقسام الموازية، والجائزة الكبرى بمسابقة أسبوع النقاد

وتهنئ صناع العمل في احتفالية استقبلت خلالها المنتج محمد حفظي، وشاهيناز العقاد، والمخرج عمر الزهيري، وأهدت تكريمات خاصة للديكور ولبطلة الفيلم دميانة.

 

ثم يصرح الدكتور خالد عبد الجليل رئيس الرقابة على المصنفات في برنامج على مسئوليتي مع أحمد موسى، بأن فيلم “ريش” لم يُعرض على الهيئة، وأن الوزيرة لم تشاهده وأن لقاءها مع صناعه كان من قبيل التشجيع!

 

مضى يومان وأكثر على الزوبعة التي أثيرت حول “ريش” ومدى قدرة أي عمل على الإساءة إلى سمعة الدولة، ولم تخرج وزيرة الثقافة بتصريح واضح حيال موقفها ممثلة عن الحكومة من الفيلم الذي احتفلت واحتفت بصناعه وصرحت بأن ما حققوه يعد انجازًا وخطوة لمصرعلى طريق الريادة.

إن لم تكن الوزيرة قد شاهدت الفيلم قبيل التكريم – ورغم ما يحمل ذلك من بعد سلبي – فحتمًا شاهدته بعد كل ما أثير حوله من جدل، فلماذا صمتت؟

 

في آخر حديث للرئيس عبد الفتاح السيسي وحثه المواطنين على ضرورة التعبير عن آراءهم حيال القضايا المختلفة، أعقب هذه الرغبة بضرورة “الفهم” وهو المحدد الذي أعتبره رئيسيًا للحرية، وإلا تحولت دونه إلى فوضى ومحض سفسطة وإهدار للجهد والوقت، وبأخذ ما قاله الرئيس صوب أعيننا فهل ترى وزيرة الثقافة في نفسها افتقادًا “للفهم” ما يجعلها ليست أهلًا لإصدار بيان حول رأيها ممثلة عن الدولة من فيلم فاز بجائزتين دوليتين واحتفلت به كموقف واضح ثم أنكرته بعد اتهامه بالإساءة إلى مصر!

أرى الحاجة هنا للمصارحة ضرورية فهل يعبر موقف الوزيرة وصمتها الغامض وبعض المواقع المحدودة التي حذفت خبر تكريمها لفيلم ريش وصناعه عن عدم استحقاقها لإبداء الرأي بسبب عدم توافر الفهم، أم أن كرة الثلج تضخمت بفعل تردد الجميع؟، أتمنى أن يكون التفسير الأول هو الصحيح حيث يمكن لأي حكومة تغيير وزير لكن ماذا يمكنها أن تفعل وتنجز بكل هؤلاء المترديين غير الفاهمين ولا المؤهلين وإلى أين يمكنهم أن يأخذونا بكل هذا الضعف؟

 

الكاتب

  • ريش رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
1
أعجبني
5
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان