زغرطي ياللي أنتي مش غرمانة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
زَغرَط في عِبَك
زغروطة حلوة رَنِّت في بيتنا
زَغرَطِي ياللي أنتي مش غرمانة
زَغرَطِي يا أنشراح.. ماللي راح راح
الحُزن يعلم البُكا والفَرْح يعلم الزغاريط
نشأة الكلام
عندنا جيولوجية تقولنا شكل الأرض من ملايين السنين كان عامل إزاي، وعندنا بيولوجية وحفريات يقولولنا شكل أجسامنا وأنواع الحيوانات كانت إزاي من ألَّافات السنين، كمان عندنا أركيولوجية تقولنا أجدادنا الأوائل كانوا بيستخدموا أدوات شكلها إيه ومعمولة من إيه وبتتعمل إزاي؟.. تقولنا كمان أشكال المباني وطريقة بُناها والخامات المستخدمة فيها، بس لسه مافيش عِلم واحد يقولنا لغاتنا كان شكلها إيه بالتحديد قبل اختراع التسجيل.
الصوت مالوش حفريات ندرسها، فكل اللي العِلم قدر يحدده إن قبل ما نعرف الكلام ماكنش حدانا غير الإشارات، ومع العصر الحجري الحديث بدء يبقى فيه صوتيات، وبالكتير قوي قدر العلماء من دراسة حفريات البشر إنهم يحددوا بشكل تقريبي أمتى الجهاز الصوتي للبشر أكتمل.
بس في كل الأحوال عيشنا مدة مش قليلة معتمدين على صوتيات مجردة، ومع ظهور الكلمات تراجع دور الصوتيات دي؛ لغاية ما أختفت تماما وماعدش حد يعرف عنها حاجة النهارده.
أصوات صمدت معانا
عملية حلول الكلمات محل الأصوات ماتمش بشكل كامل؛ إنما فضلت معانا شوية صوتيات محدودة جدًا قدرت تصمد في وش الزمن وتفضل مستخدمة لحد النهارده، وأستخدامها بنفس الغرض أو إصدارها بنفس التكنيك في مختلف الثقافات واللغات.. وفي نفس الوقت عدم وجود أي دليل على مصدرها الأصلي، كل دي أدلة تخلينا نرجح إن الصوتيات دي صمدت من عصور ما قبل الكلام.
هنلاحظ كلنا إن الضحك والتوجع عابرين للغات، ولو ركزنا أكتر هنلاقي إن “واااو” كتعبير للإندهاش برضه تعبير صوتي عابر للغات، وزيها “ششششش” بمعنى هدوء أو طلب الصمت، ومعاهم “بِسس” للنداء، وفيه كمان صوت تاني مهم عابر للغات والثقافات.. ألا وهو الزغروطة.
كيف بدءت الزغاريط
قدرت الزغروطة تنتشر بين معظم شعوب العالم؛ وكل شعب حط التاتش بتاعه، فنلاقي النغمة مختلفة بين مكان والتاني، وزي ما الانتشار الجغرافي ميزة جعلتها تعيش.. تحول إلى عيب وإحنا بنحاول نلاقي أصلها، فبقينا مش قادرين ننسبها لثقافة بعينها أو حتى نحصر بدايتها في قارة من القارات.
بالبحث عن أصل الزغروطة هنلاقي باحثين نسبوها لواحدة من قبايل السكان الأصليين في أميركا الشمالية، والغرض منها ماكنش البهجة والاحتفال وكده إنما بغرض تنبيه المجموعة إن فيه خطر أو طلب النجدة. وباحثين تانيين قالوا إن أصلها يرجع لقبيلة هندية اسمها “جوكار”؛ وبيستخدموها كجزء من طقس ضد الحسد.
الزغروطة كمان منتشرة جدًا في مناطق قارتنا؛ فهي طريقة للتعبير عن الفرح أو الحماس عند الأمازيغ، ده غير قبايل وشعوب أفريقية كتيرة بيستخدموها في الإعلان عن الحرب أو عن تحميس المحاربين أو احتفال بالنصر في الحرب، وحاليًا في المغرب الستات بيزغرطوا 3 مرات لما يتولد في العيلة ولد.. وزغروطة واحدة لو جابوا بنت.
عدد من الباحثين خصوصًا في علم الاجتماع أشتغلوا على الزغروطة كمادة للبحث فيها وحولها، زي الباحث محمد خالد رمضان وبحثه دراسات في الزغرودة الشعبية السورية أو دراسة فن الزغاريد الشعبية في الأعراس الفلسطينية للباحثين (أ. د. معتصم عديلة – د. حسين الدراويش)، ومن دراساتهم نقدر نعرف إن الزغروطة منتشرة في الشرق الأوسط بأشكال ونغمات وأسامي مختلفة.
في بلاد الشام اسمها “المهاهاة” أو “الهلهولة”، وفي سلطنة عمان مسمينها “لبلبة”، بس معظم الخلايجة بيقولوا عليها “لولشة” أو “هلولة”، أما في الجزاير فاسمها “توليلة” أما “التزغريتة” فده اسمها في المغرب، وبالمصري اسمها زغروطة وبنستخدمها بكثافة يوم نتيجة الثانوية العامة.
أستخدامات محلية
هنا الزغروطة بتستخدم بشكل عام في كل أنواع البهجة والفرح، من أول الولادة مرورا بالسبوع (قبل ما يبقى عقيقة) وحتى النجاح في المدرسة والتخرج من الجامعة، وطبعًا هي مُلازمة لحفلات الخطوبة والشبكة والجواز.. وبتكمل المشوار مع الجوازة لغاية محكمة الأسرة؛ عشان تلعلع في ساحة العدالة بعد حكم خُلع أو الطلاق.
وهنا برضه فيه مكان بعض الباحثين بيقولوا إنه أصل الزغروطة، فبعض الآراء بتقول إن في بلاد النوبة (المنطقة الموجودة على طول النيل بين جنوب مصر وشمال السودان) وبين الستات النوبيات ظهرت الزغروطة الأم.. ثم انتشرت على باقي شعوب الأرض، وكل مجموعة عدلت فيها على حسب لسان أهلها.
ختام
بطبيعة الحال هنختلف على أصل الزغروطة ومين أول من زغرط من النسوان ومين أحلى شعب بيزغرط.. إلى أخر خناقات “أفعل” التفضيل بكل تفاهتها، لكن هنبقى كلنا بنحب الفرح والبهجة اللي بتعبر عنها الزغاريط. ورغم إنها ساعات بتكون دلالة على تشييع جثمان “شهيد” لقبره.. بس ده مش هيغير من دلالتها المُفرحة عندنا؛ فحتى استخدامها في تشييع الشهدا الهدف منه إخراج الجنازة دي من سياق الحزن المعتاد بالنسبة للجنازات.. بالتالي استخدامها هنا خير دليل على رسوخ دلالتها في وجدانا؛ فبمجرد إطلاقها ولو في جنازة بيكون معناه إن دي مش جنازة.. لإن ده مش ميت، إنما دي زفة لإن ده شهيد.
هنتفق كمان إن المصريات عن دون كل ستات الأرض خدوا الزغروطة لأبعد مدى ليها وأدوها بُعد ديني؛ مش بإنهم قدسوها إنما بإنهم عودوا العالم كله على احتفالهم بيها لما يوصلوا للحج ويزوروا قبر حبيبهم “أبو فاطمة”.. ما تصلوا بينا عليه.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال