همتك نعدل الكفة
860   مشاهدة  

“سافونارولا”.. قس مسيحي بفكر داعشي استغل الشباب في الدعوة للمسيحية بالإكراه

سافونارولا


عند رصد بدايات حركة الإصلاح الديني لن يمكننا إلا التوقف عند شخصية شهيرة ومؤثرة في تاريخ الكنيسة، وهو القس ” سافونارولا ” الذي انتهت حياته مصلوبًا ومحروقًا، وكان هو أول من أطلق في إيطاليا الدعوة إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكية من داخلها بتخليصها من أدوارها السياسية وإعادتها إلى واجباتها الروحية فقط، واعتبر أن سلطتها السياسية تسببت في فسادها وفساد رجال الدين، واتهمها بالجاهلية والوثنية بسبب اهتمامها بالطقوس والشعائر أكثر من اهتمامها بالروحانيات والأخلاق المسيحية.

كان سافونارولا ثوريًا في علاقته بالمؤسسة الكنسية من حيث هجومه العنيف على طبقة الكرادلة والكهنة فيها وعلى البابا نفسه ومحاولته استعادة الكنيسة إلى ما يراه لها من نقاء وطهر من كل ما عاث بها من فساد وانغماس في المصالح الدنيوية والسياسية.

سار سافونارولا بعكس روح عصره التي كانت تتجه إلى تفتيت الرابطة المسيحية، وبدلاً منها ترسيخ الروابط القومية المرتكزة على عناصر اللغات المحلية والجغرافيا والانتماء المشترك، وأراد هو أن يتمسك بالرابطة الدينية الجامعة للشعوب والأقوام الأوروبية الآخذة بالتهالك، ليس عند النخب الثقافية فقط ولكن عند عموم الشعوب أيضًا والتي بدأت تتلمس ذاتها وخصوصياتها وتريد أن تنهض من ظلامها.

حلم العودة للحواريين

سافونارولا
سافونارولا

الحل عند سافونارولا كان بالعودة إلى فجر المسيحية الأول، أيام الرُسل والحواريين أصحاب المسيح الأوائل، فهؤلاء هم السلف الصالح، ومعهم كانت المسيحية خالصة بدعوتها لله ولقلوب البشر ونقية من أي مصلحة سياسية ودنيوية لمؤمنيها وقادتها، وبدعوته هذه كان يستبطن الإدانة لرجال الكنيسة في عصره وللبابا على رأسهم، لفسادهم ونفاقهم وانغماسهم في المكاسب والمصالح، وسافونارولا كان سليل أسرة أرستقراطية ميسورة عاش في بلاط الملوك والأمراء جزءًا من مراهقته، لكنه كان ذا طبع منعزل يتجنب الاختلاط بأقرانه في اللهو والحياة، كما كان متواضع الملامح أميل إلى القبح، كما يروي معاصروه، وذا مشاعر غاضبة، وربما زاد في مشاكله الذاتية تجربته الفاشلة في بدايات شبابه مع إحدى النساء النبيلات الفاتنات التي هام بها عشقًا ورفضته بقسوة ما إن طلبها للزواج.

اقرأ أيضًا
تراجان والمسيحية .. لماذا كان الأعنف في أباطرة الرومان رغم أنه غير دموي

هذا المبشّر ما إن دانت له السلطة السياسية في فلورنسا وأصبح الحاكم الخفي والمُهيمن على أعضاء مجلس المدينة، حتى بدأ بإعادة تشكيل المدينة وسكانها والحياة العامة فيها وفق رؤياه وبما يخدم مشروعه، مستخدمًا كل وسائل العنف والعدوان المخصصة للدولة.

وخان سافونارولا شعبه لأنه كان وفيًا لمعتقده وإيمانه الديني، فوقف ضد تحالف الممالك الإيطالية المسمّى الرابطة الإيطالية والتي شكلت لاحقاً نواة الوحدة القومية للشعب الإيطالي، معتبرًا الرابطة المسيحية أقوى وأشمل لكل شعوب أوروبا، وهو ما سهل له الاستعانة بالملك شارل الثامن ملك فرنسا، الذي غزا فلورنسا لمنع انضمامها إلى التحالف المذكور، للحفاظ على سلطته ونفوذه فيها.

الدعوة للدين على طريقة داعش

تمثال جيرولامو سافونارولا - فيرارا
تمثال جيرولامو سافونارولا – فيرارا

أدرك القسّ الرهيب كما يدرك كل صاحب مشروع إيديولوجي، أن الشباب واليافعين هم المادة الخام والطاقة الفوّارة التي يمكن توظيفها كقوة ضاربة، فبدأ باستقطابهم إلى الكنيسة تدريجًا وجعلهم يمتنعون عن الرقص والموسيقى ويقصون شعورهم ويهجرون سباقات الخيل وحانات السهر والحفلات العامة، ثم بدأ بتقسيمهم مجموعات عدة هي: فرقة المصالحين الذين يفضّون المشاجرات، وفرقة المصلحين الذين يقمعون الرذيلة العامة، وفرقة المفتشين ومهمتهم البحث عن عورات الناس وأخطائهم وتصيد المخفي منها، وفرقة جامعي الصدقات، وفرقة عمال التنظيفات، واستطاع بسلطته الروحية المهيمنة على أعضاء مجلس المدينة أن يحصل على ترخيص رسمي لتلك الفرق فتحولت إلى قوة إرهاب مقدس تلاحق النساء في الشوارع وتجردهن من حليهن وزينتهن بالإكراه، وفي أيام الصيام تُهاجم محال الحلوى وتتلف المأكولات وكذلك الحانات وتلاحق لاعبي الميسر، ولم ينج الكبار منها، بل كانت لديها متعة خاصة بتنفيذ واجبها كصغار بإصلاح الكبار، كذلك كانت تدفع الخدم للتجسس على سادتهم ووصلت إلى التجسس على الآباء والأمهات.

وأدرك سافونارولا تلك الحيوية الفائضة لدى الشباب وإمكانية الاستفادة من عنفوانها ونزعة التدمير لديها لتوظيفها في خدمة تصوراته وسلطاته، وكان يطلق عليهم فتية الفرير، وبعد 400 سنة، اتّبع موسوليني التقليد نفسه في تنظيم الفتية والكشافة أصحاب القمصان السود، وكذلك هتلر في تشكيل مجموعات الشباب الهتلري، ولم ينجُ لاحقًا أي تنظيم عقائدي من هذا السلوك شرقًا وغربًا، فأصبحت مؤسسات الشباب أذرعًا ضاربة عند الحاجة.

النهاية

إقرأ أيضا
إيران
سافونارولا
سافونارولا

في 13 مايو 1497، عزله البابا إسكندر السادس من منصبه وطالب في عام 1498م باعتقاله وإعدامه، بتهم الهرطقة وافتراء النبوءات، والتحريض على الفتنة، وحتى جرائم أخرى، تسمى خطايا دينية.

وفي 23 مايو عام 1498م، تم اقتياده خارجًا إلى ساحة السيادة وجُرّد من ثوبه الديني، وتم شنقه على العارضة، وأُشعل عليه نار هائلة من أسفل، وتم إلقاء رماده في نهر أرنو بجوار الجسر العتيق.

هكذا انتهى الراهب الذي قتلته الفضيلة، لأنه جعل من الصليب هراوة يهوي بها على أعداء الله، والأصح على أعدائه ومنافسيه، لكن دعوته لم تنته بموته، بل كان لها أثر عظيم في كبار شخصيات أو فناني عصره، كمايكل آنجلو وبوتشيللي والفنان الكبير ديللا بورتا الذي انقطع عن الرسم أربع سنوات حدادًا على موت سافونارولا، أما مايكل أنجلو في شيخوخته الكئيبة فكان دائم الترديد لتعاليم سافونارولا باحثًا عن سلامه الداخلي، وفي النهاية كان هؤلاء في حياتهم وأعمالهم الخالدة من أشهر الدعاة لـ إنجيل الموت الذي دعا إليه سافونارولا، المترع بأهوال يوم القيامة وعذابات القبور والتهديد والوعيد من الرذيلة المتفشية وما سيحيق بالبشر من عقاب بسببها، وأكثر ما تجلى ذلك في أعمال آنجلو، وخصوصًا في لوحته الشهيرة يوم القيامة التي استقرت في الفاتيكان وكانت نوعاً من الاعتراف المتأخر بسلطة الراهب القتيل.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان