سامح العجمي سيرة شاعر خلد أغنيات موسيقى الجيل
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عندما قدًم حميد الشاعري المطرب السكندري الشاب “مصطفى قمر” إلي ملاك شركة سونار لأول مرة، تفتق ذهنهم عن محاولة تعويض محمد منير المنفصل عن الشركة أواخر الثمانينات بمصطفى قمر.
قد تبدو القصة قديمة للبعض وصادمة للبعض الاّخر، لكنها فتحت بابًا للتساؤل؛ ماذا رأى ملاك الشركة في مصطفي لتعويض منير و هل كان قادرًا بالفعل على استنساخ تجربته؟
لن نحاول البحث عن إجابات حاسمة لتلك التساؤلات، ولا يمكن التأكيد على نجاح أو فشل تجربة لم تتم من الأساس، لكن يكفي أن نذكر أن مصطفى كان لديه بالفعل مخزونًا من الأغنيات يغنيها على جيتاره و صنعها مع اصدقائه الشاعران “رضا زايد” و”سامح العجمي” والملحن “أشرف السر خوجلي”، وقد تكون تلك الأغنيات قد ساعدت في ظهور فكرة استنساخ منير في رأس ملاك الشركة التي رأت تشابها ما بين التجربتان من حيث الاختلاف عن شكل الأغنية السائد وأول أغنيات مصطفى الإحترافية “زينة” والتي ظهرت في ألبوم “لقاء النجوم” كانت من كلمات سامح العجمي ولحن السرخوجلي توزيع فتحي سلامة قد تكشف لنا من أين أتت فكرة استنساخ تجربة منير حيث تأثر العجمي بمدرسة عبد الرحيم منصور في الصياغة والمفردات وتأثر مصطفى بطريقة غناء منير.
صادف أغنية “زينة” سوء حظ بسبب النجاح الضخم أغنية إيهاب توفيق “داني” قد جعل العدول عن الفكرة أمرًا حتميًا رغم البدء في الألبوم فعليًا الذي يقال أن محتواه الموسيقي كان لا يقل إبهارًا في المستوى الفني عن ألبوم “وسط الدايرة” محمد منير بحسب ما صرح لي الشاعر رضا زايد.
تلك المقدمة التي قد تكون طالت بعض الشئ كانت حتمية لمحاولة البحث والتأريخ بشكل جدي والوصول إلي لحظة الميلاد الفني للشاعر سامح العجمي الذي رحل عن دنيانا منذ أسبوعين.
بدأت مسيرة سامح العجمي في أول ألبومات مصطفي حيث كتب أغنيتين “مكاتيبي” و”حبيبي” الأولي اشتهرت أكثر و ضربت مع الجمهور واختفت سريعًا كعادة الأغاني الإيقاعية السريعة، وأن حملت بداخلها مفردات العجمي الخاصة مثل “جلابية طوبي” و”شدت لك مكاتيبي” وهي المفردات التي تعكس بيئة مختلفة عن بيئة القاهرة، أما الثانية “حبيبي” فهي تعتبر واحدة من أحلى الأغنيات في تاريخ مصطفي وهي التي تبلور على إمكانيات سامح العجمي كشاعر أغنية مختلف قادر على غزل ألفاظ ومفردات جديدة بعيدًا عن قاموس الأغنية المستهلك، وكرست لمفهوم اّخر سوف يسير معه طيلة مشواره وهو قدرته على تنويع اّشعاره بما يتناسب مع شكل الأغنية التجاري و الإحتفاظ بمساحة خاصة لكتابة أغنيات تعكس تمرده على الأغنية التجارية ومنها حبيبي التي تقول كلماتها
مطر الليلادي ابتدا وانا في الرحيل موعود
اشوف عنيكي المدى واشوف طريقي سدود
سار سامح العجمي على نفس الدرب وهو تنويع كتاباته فنجده يصنع ثلاث أغنيات في ألبوم حميد “كواحل” هي “سيدي “ ” والله “ ثم الأغنية الأشهر والأفضل في الألبوم “عودة” والتي يمكن اعتبارها المساحة الخاصة التي احتفظ بها لنفسه بعيدًا عن مسخها بسرد قصة إقتناص حميد لها من مصطفى في دور كوتشينة.
بدا العجمي اسمًا مهمًا وسط شعراء موسيقى الجيل فتعاون مع أغلب المطربين فكتب “راجع” سحر ناجي “ياليل” منى عبد الغني الحان السرخوجلي و “يا جميل” مجدي الشاعري “على كيفك” “مين قده” ايهاب توفيق ” ايه القمر ده” علاء عبد الخالق “ياراميني” علاء سلام “أبين زين” أنوشكا وكلها من ألحان قمر.
سيطرت الأغنية الخفيفة على أغلب إنتاجه الشعري لكنها كانت ضرورة لتحقيق بعض الإنتشار، ورغم دورانها في فلك إعادة تدوير نفس القاموس والمفردات إلا أنه لم يكن يفوت الفرصة بدمج صورة شعرية متميزة في كل مرة.
واصل العمل مع رفيقه مصطفى في ألبومه الثاني “لياليكي” والذي كتب نصف أغنياته، وظهر فيه بوجهين مختلفين، الوجه الأول بثلاث أغنيات مباشرة إيقاعية هي “ياناس” و”حنوا” و”صعبان” والأولى فجرت جدلًا مع شرطة الأخلاق الفنية بقيادة حلمي بكر الذي سخر من مفردات “دباديبو” و”لهاليبو”
والوجه الاّخر والذي كان يحتفظ فيه لنفسه بمساحة تجريب بأغنية “البيانولا” والتي سار فيها على نفس درب “عودة” و”حبيبي” في الابتعاد عن المباشرة في الطرح والميل إلي الشعر العامي أكثر من شعر الأغنية العاطفي المستهلك ودمج عدة مواضيع إنسانية تعكس حنينًا للماضي باستدعاء شخصية صاحب البيانولا “العم نوح” وصياغتها في شكل حدوتة.
حافظ العجمي على تنوع إنتاجه الشعري ما بين الأغاني اللطيفة السريعة ومابين الأغاني الخاصة بمفردات أعمق وجمع بين الطريقتين في أغنية “ياشمس غيبي” للمطربة أميرة وهي أشهر أغنياتها على الإطلاق، ثم أغنيتان ياملاكي وضميني في ألبوم “الشاب عراب” وهو ماكشف قدرته على الكتابة بلهجة بيضاء وغزل مفرداته الخاصة بداخلها، والحقيقة أنه كان يستحق أن يفرد له حميد مساحات أكثر أخذها الشاعر عادل عمر خصوصًا في الأغنيات التي طورها حميد من المألوف الليبي فهو كان الأقدر على صياغتها بشكل أعمق من عادل عمر بمراحل.
لمن يهمه الأمر.
يعتبر ألبوم لمن يهمه الأمر أهم تجربة له مع مصطفي قمر هذا الألبوم الذي كان يكرس لفترة نجاحاتهم سويًا، الألبوم جمع بين النمط التجاري في أغاني “سلمولي” و”أهل الغرام” ومابين ما يمكن تصنيفه حاليًا بأغاني الأندر جرواند مثل “كان ليا يوم حبيب” والتي تحرر فيها قمر من سطوة المقسوم بأغنية روك أند رول ونامت المدينة التي عكست مدرسة ألفاظ العجمي الخاصة “أنتي أميرة الحياة وأنا فارس م الرعاة بشعل قلبي حطب واوهب قلبك دفاه” ثم الأغنية الأفضل في الألبوم “عم جحا” والتي تعتبر من أفضل أغنياته على الإطلاق واستدعى فيها شخصية “جحا” هذا الرجل الأسطورى الذى تحمل شخصيته الشئ ونقيضه فهو يمتلك الحكمة والحماقة فى نفس الوقت ، وحملت الأغنية بعض من الألفاظ الجديدة على أغانى البوب المصرية فى التسعينات “أسكت يا سكوت مافى عندى بيوت ولا ميت سحتوت ولا خالى أمير ” ولما تخلو الأغنية من سخرية وسلاطة لسان “جحا” “خلق مسافرين والباقي صايمين من غير تراويح ” ” بيت القوانين بيت التفانين طبل وزمامير واضحكى ياما قلعوا العمة ولبسوا الطراطير” ولم ينسى “العجمى” فى أخر الأغنية أن يرمز إلى الواقع الذى أصبحت تحكمه المادة أكثر “وحبيبتى ملاك محنية هناك مين يدفع مين “
في ألبومي “افتكرنى” و”سكة العاشقين” حاول العجمي تنويع طريقة صياغته في الأغنية فنجده يصنع أغنيات مستمدة من الشكل القديم للأغنية السينمائية في الخمسينات والستينات وظهر ذلك بشكل ملحوظ في أغنيات “خايف” و” سكة العاشقين” وغير قمر ايضًا في الصياغة اللحنية بدخول جمل شرقية دسمة متماسكة وتغليفها بتوزيع رصين معتمد على الاّلات حية فاستعان في الأولي بإيهاب محبوب الذي تقمص فيها روح الموزع علي إسماعيل فيها وتولي حميد توزيع سكة العاشقين مستعينًا بفؤاد رحيم لكتابة الوتريات.
بعد ألبوم نور العين تغيرت موازين السوق الغنائي فبدأ الكل البحث عن شكل جديد للظهور، ووضح ميل أسلوب العجمي لإدخال تطوير علي بعض الأغاني الفلكلورية وإعادة صياغتها من جديد فظهرت أغنيات “الله ياسمرا” “ماله بيا” و”الليلة دوب” والأولى أعادها مرة اّخرى بصياغة مختلفة مع صابر الرباعي متسعينًا ببعض كلمات اللحن الأصلي “سيدي منصور“.
ثم صنع العديد من الأغنيات المكتوبة بلهجة بيضاء منها “مزيانة” مع صابر الرباعي” و”يابنية” “يا مليح” مع فارس و كون شراكة فنية مع الملحن “أشرف سالم” أسفرت عن عدة أغنيات ضربت بقوة مثل “روحي” و”ليلة حبيبي” سميرة سعيد، “دلع الحبايب” “حاولت أنساك” مع إلين خلف “ناسيني ليه” نوال الزغبي، الدويتو الأشهر في تلك الفترة “غزالي” بين حميد الشاعري ومصطفى قمر.
أصحاب أنا وانت ولا.
لم يكن يتوقع أحد أن ينفصل العجمي عن مصطفى قمر رفيق الدرب وشريك النجاحات الكثيرة، وأن كانت تلك حادثة تتكرر كثيرًا في الوسط الفني، لا يمكن الجزم بأسباب الخلاف بين الطرفين وسط تكتم شديد نابع من قوة وعمق العلاقة التي كانت بينهما وحفاظًا على الصورة العامة لدى الجمهور، لكن نستطيع أن نقول أن مصطفى تأثر كثيرًا بهذا الإنفصال بعد سقوط العمود الفقري الأساسي لتجربته الفنية، بالإضافة إلي الكيمياء الفنية بينهما كشاعر وملحن.
مع بدايات الألفية ودخول الوسط العديد من الأسماء الجديدة التي لفتت الأنظار واختفاء معظم مطربي موسيقى الجيل، خفض إنتاج العجمي الشعري كثيرًا، لكن تظل أهم إنتاجاته في تلك الفترة هي كتابة أغاني فيلم “السلم والتعبان” والتي كانت عاملًا مهمًا في نجاح الفيلم.
تحول بعدها إلي الإنتاج السينمائي وأسس شركة “إيمدج” التي أنتجت العديد من الأعمال السينمائية مثل “أزاي تخلي البنات تحبك”و”رامي الاعتصامي”و”حظ سعيد”و”بتوقيت القاهرة”و”خانة اليك”.
عندما سئل الشاعر الكبير “صلاح جاهين” ذات مرة عن متطلبات شاعر الأغنية، رد بجملة “لا بد أن يكون شاعرًا في المقام الأول” التي تحمل بين طياتها سخرية لاذعة من بعض كتاب الأغاني الذين لا يمتلكون موهبة كتابة الشعر من الأساس بل هم مجرد صنايعية يكتبوا كلامًا مقفًا دون صورة شعرية وخالي من أي مضمون.
وهذا ما يجرنا للحديث عن الفارق بين شعراء الأغنية الحقيقين ومابين صنايعية الكلام، ونستطيع أن نقول بكل أريحية أن العجمي رغم سيطرة الأغنية على معظم إنتاجه الشعري إلا أن هناك مساحة كان يشبع فيها نهم الشاعر العامي بداخله وهذا الفارق بينه وبين شعراء كثيرين من جيله، بل أزيد على ذلك أنه كان شاعر فصحي عبقري بحسب ماذكر لي صديقه المقرب “رضا زايد” وهذا رأي موضوعي خالي من أي أعتبارات صداقة بينهم.
قد يكون الشاعر هو أقل عناصر صناعة الأغنية شهرة، لكن يظل العجمي أهم شاعر في حقبة موسيقى الجيل، وخلد بكلماته أغنيات كثيرة مهمة حفرت مكانًا لها في ذاكرة جمهور التسعينات.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال