“سبوبة” الحج والعمرة بالإنابة.. شكل جديد للمتاجرة بالعبادات

أصبحنا نعيش في عصر السبوبة حيث الفهلوة تصنع مهنة من اللامهنة، من قبل شاهدنا المحلل الشرعي، والآن نحن أمام تجارة الحج والعمرة الإنابة. عشرات الأفراد وشركات السياحة المزعومة ظهرت مؤخرًا على السوشيال ميديا، تروج تجارة من نوع جديد السلعة فيها هي الشعائر الدينية. سوق لا تحتاج سوى بائع شاطر ومقطع فيديو لشيخ يحلل ويجيز، دون الالتفات لملابسات شرعية تغير الموازين، والزبائن لا يوجد أكثر منهم.

بأسعار تصل إلى 50 دولار أو 250 ريال للعمرة و400 دولار أو 1300 ريال للحج، تتخصص صفحات تطلق على نفسها مسمى “شركات سياحة” في أداء فريضة الحج أو مناسك العمرة نيابة عن الراغبين من مختلف الدول العربية. وعلى الرغم من عدم وجود أي تأكيد موثوق فيه من حقيقة أداء المناسك بالفعل، بغض النظر عن الحكم الشرعي بتفاصيله أو صحتها، يتفاعل المئات مع تلك الصفحات وتجد زبونها. 

وحتى يقنع التاجر زبونه بالبضاعة (الخدمة) التي يقدمها؛ يلاحق العملاء المحتملين بمقاطع فيديو تؤكد جواز إعطاء الأجر في الحج والعمرة بالإنابة. إضافةً إلى تشبيه الأمر بخدمة العربات الكهربائية التي تقدمها الرئاسة العامة للحرمين للحجاج والمعتمرين مقابل 50-150 ريال سعودي، على اعتبار أن تقاضي الأجر فيما يتعلق بالعبادات جائز وتقوم به هيئة شرعية موثوقة. مع التأكيد على أن القيام بالمناسك سيتم توثيقه في كل مرحلة بالتصوير، عند الطواف والسعي والتحلل. 

تجارة الحج والعمرة بالإنابة “ما أنزل الله بها من سلطان” 

الغريب أن تلك الصفحات أو الأفراد يمتهنون الحج والعمرة بالإنابة، مستغلين أحكامًا شرعية تجيز توكيل شخص لأداء تلك الشعائر نيابة عن المريض والعاجز أو المتوفى، وجواز دفع أجر مقابل تلك الخدمة. مع تناسي ملابسات الحكم الشرعي الذي شرحه الدكتور محمد صلاح، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، في حواره مع الميزان، مؤكدًا أنها مهنة ما أنزل الله بها من سلطان.

حيث أوضح أن الحج والعمرة بالإنابة جائز شرعًا استنادًا إلى ما رواه ابن عباس حين أتت امرأة تستفتي الرسول (ص) فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: “نعم”. أخرجه البخاري (1513) ومسلم (1334). أي أن العاجزين عن أداء النسك لمرض لا يرجى شفاؤه أو كبر سن يجوز لهم توكيل أحد الأصدقاء، أو الأقارب، أو حتى الغريب لأداء الحج والعمرة، والأصل فيها أن تكون لوجه الله دون مقابل. 

وهي واجبة للمتوفى على الورثة عند وجود وصية تلزمهم بأداء الشعيرة، وتؤدى قبل توزيع التركة، أمَّا حال عدم وجود وصية فالأفضل في حقهم أداؤها تطوعًا لا فرضًا. بدليل حديث ابن عباس “قال رجل: يا نبي الله، إن أبي مات ولم يحج أفاحجّ عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق”. رواه النسائي.

وتابع “أمَّا حين الاضطرار بأن وجب الحج ولم يجد من يحج عنه إلا بمقابل؛ فيجوز إعطاء بدل مقابل الإنابة في الحج والعمرة، مادامت لن تتحول إلى وظيفة يمتهنها الموكَّل؛ لأنها أمانة تستوجب الثقة وتحويلها لمهنة يتنافى مع ذلك. شعيرة الحج تشمل الكثير من المحظورات من قص الشعر، والأظافر، وقتل الحيوانات، ولو تحولت لوظيفة يمكن أن يزاولها من يحسنها ومن لا يحسنها؛ ومن ثمَّ يجب أن نكون واثقين من دين وأمانة الموكَّل إليه أدائها”.

إقرأ أيضا

نصوص أغاني رمضانية منسية بثتها الإذاعة المصرية قبل نصف قرن

كما أشار إلى أهمية عدم تشجيع تلك الأنواع من التجارة؛ حتى لا يخلق المجتمع وظائف تساعد على البطالة والكسل، ناهيك عن كونها تفرِّغ الشعيرة من مضمونها. والحالة التي يجوز فيها دفع مقابل لأداء الحج أو العمرة بالإنابة؛ تكون عند عدم وجود من يتبرع بأدائها، ووجود شخص محل ثقة قبل تحمُّل الأمانة، لكنه يحتاج لتعويض عن تعطيل مصالحه ليسد حاجته هو وأهله، وليس تحويلها لوظيفة لها مكاتب وشركات.