سعيد صالح ورحلة البحث عن “الجادون”
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
إذا تمكننا من توصيف النجومية كأحجية، فهي أشبه بلغز تجميع الصورة “البازل”، هناك قطع متناثرة وتلك الرقعة البيضاء التي يتم تجميع القطع عليها هي الموهبة، وعلى الممثل أن يجد كافة القطع فلا تسقط منه واحدة ولا تختفي وإلا ستظل الصورة ناقصة، مثلها مثل رحلة البحث عن الجادون التي خاضها جيلي تماما، وفقط المحظوظين منا من وجدوه.
اقرأ أيضًا
أشياء منسية عن مسلسل السقوط في بئر سبع ” سعيد صالح وإسعاد يونس ليسا أول المرشحين”
هل يمكن اعتبار سعيد صالح من المحظوظين أصحاب الجادون؟ أنا بشكل شخصي أعتبره كذلك رغم أن لغزه لم يحل بالكامل، سعيد صالح الذي ظهر في السينما لأول مرة في عام 66 حينما قدمه حسن الإمام ضمن من قدم من وجوه جديدة خلال فيلم قصر الشوق، قبل أن يشق طريقه سريعًا إلى عالم النجومية ولكن ليس في السينما بل في المسرح.
من البيجامة الحمراء إلى هاللو شلبي رحلة قصيرة ولكنه شديدة التميز، أن تجد نفسك فجأة أمام عمالقة بحجم المدبولي وعبدالله فرغلي ونظيم شعراوي في هاللو شلبي، وتستطيع أن تنتزع النجومية انتزاعا فتظل جملة “أستك منه فيه” خالدة رغم كل تلك السنوات، هذا مؤشر أننا أمام موهبة عريضة صاعدة بقوة الصاروخ ولكن فجأة توقف هذا الصاروخ، لم يتوقف إن شئنا الدقة ولكنه ظل لفترة طويلة يدور في مدار ثابت لا يتحرك خاصة في السينما.
ما الذي حال دون تحول سعيد صالح من ممثل شاب ذو موهبة عظيمة إلى نجم شباك؟
للأسف تقاس النجومية في السينما بعدد الأفلام التي قدمها الممثل كبطل أول، ووفق هذا المقياس فنجومية “سلطان السكري” في السينما تأخرت لعقود طويلة، فهل كانت تنقصه الموهبة؟ بالتأكيد لا، فماذا عن الانتشار؟ بالأرقام سعيد صالح أحد أكثر ممثلين جيله ظهورا في الأفلام في الفترة من منتصف الستينات وحتى الثمانينات، ولكن أن يحمل فيلمًا على عاتقة ويصبح هو بطله الأول، هذا الأمر تأخر كثيرا حتى قدم فيلم مسعود سعيد ليه؟ في عام 83.
ورغم أنه عرف الباب إلى نجومية شباك التذاكر كبطل أول إلا أنه ظل في رحاب البطل الثاني أو البطولة الجماعية، فلماذا أصر سعيد صالح على هذا البقاء ضمن زمرة من الممثلين مفضلًا البطولات الجماعية على النجومية الفردية؟
لإجابة هذا السؤال لنترك السينما قليلا ونتجه للمسرح، بعد 6 سنوات فقط من هاللو شلبي يقف سعيد صالح على خشبة المسرح بصحبة شلة من النجوم الشباب والوجوه الجديدة وقتها عادم إمام كان قد أثبت نفسه بل أتخذ طريقًا يحمله إلى نجومية الشباك، يونس شلبي يشق طريقه، أحمد زكي يبحث عن فرصة، وهادي الجيار يبحث عن التواجد، بينما يقف الثلاثي حسن مصطفى ونظيم شعراوي وعبدالله فرغلي في ظهر الصاعدين إلى النجومية، هنا تألق سعيد صالح.
وهج وبريق شديد ينافسه وهج وبريق عادل إمام، ليعرف الجميع أن هذان الاثنان في الغد لهما الكثير من المجد، ولكن هنا أيضا اختار سعيد صالح طريقه ووجد ضالته، فإن كان عادل إمام إنجاز إلى مدرسة اللعب الفردي أو استطاع التناغم معها، فسعيد صالح على العكس تمامًا استمتع باللعب الجماعي، فلا يظهر إلا وسط الأخرين، شريطة أن يكونوا “فراودة” هنا تتجلى موهبة سعيد صالح.
ولإثبات ما أقول فقط تأمل ما فعله في العيال كبرت، سلطان السكري الشخصية التي انفصل عن ممثلها لتصبح شخصية مستقلة، كل هذا تم بفضل سعيد وميله للعمل الجماعي، في المسرح كان هذا اختياره، يبحث عن أخرون يلعبون مع “خد وهات” لم يوفق كثيرا في كعبلون رغم أنه وجد لاعب ماهر يشاركه اللعب، ولكن مشهد واحد فقط جمعهما، لذلك في البعبع كان لهذا اللاعب دورا أكبر، بالتأكيد أتحدث عن سعيد طرابيك.
في كعبلون يظل مشهد لقاء حمدون السايح مع العفريت في الأجمل في المسرحية، وفي البعبع أيضا ولكن الأمر مختلف قليلًا، في البعبع هناك مشاهد كان اللعب بينهما يتنافسان أمام بعضهما ولكن فجأة يقرران التحالف ضد أحد الممثلين على الخشبة ليقدموا مباراة تدرس في اللعب الجماعي، وللحق كانت البعبع تعج بعدد من الاعبين الذين استمتع معهم سعيد صالح باللعب، بالطبع الحديث عن أحمد آدم وطلعت زكريا ومظهر أبو النجا.
هنا وجد سعيد صالح ضالته، تلك القطعة الناقصة التي وجدها في المشاغبين ثم ظل يستثمرها في السينما والتلفزيون والمسرح، ورغم نجوميته كبطل أول في المسرح إلا أن الأمر لم يتكرر كثيرا في السينما والتلفزيون، فكان سعيد صالح يحمل جادونه معه ليلعب في أي أرض فضاء، يصبح صديقا ليونس شلبي وسمير غانم وعادل إمام، يصبح ضيف شرف ينزل الساحة ليحرز هدفًا، يصبح كل ما يريد عدا أن يلعب منفردا، هو لا يحب ذلك ولا يستمتع به، فهو يحب اللعب الجماعي حتى لو كان في ساحات ما أطلق عليه اصطلاحًا سينما المقاولات، على أن يكون بطلا منفردا في أي ساحة من الساحات.
سعيد صالح الذي وجد جادونه في المشاغبين، استطاع أن يخلق شكلًا أخر للنجومية شكل يشببه هو، نحبه فيه ونستعجب حينما يراه يحمل كرته وينطقها بمفرده، ذلك الممثل الممرر العظيم والمسدد البارع “يستمخ” حينما يباصي الكرات ويتلقاها لا حينما يداعب الكره، فهو يلعب كما يقولون اصطلاحا في كرة القدم في مركز 9 ونص، حيث هو صانع اللعب والهداف إذا تطلب الأمر.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال