سوف يفقدونني عقلي.. النساء يقدن”موباسان” لمستشفى المجاذيب
أحب تورجنيف في حياته امرأة واحدة، ظل مخلصًا لها في حبه حتى وفاته، لكن “دي موباسان” قد أحب من عشرات بل مئات من النساء، وكشف لكل منهن حبه، وكان في كشفه لهن ثرثارًا، لكنه ما ارتشف كأس الغرام حتى اعرض عنها وبحث عن غيرها بين النساء، فلا فرق عنده بينهن في الدرجات والبيئات والأعمار، إلى ان انتهى أجله بين المجانين.
قال موباسان: ان الحب الدائم وهم من الاوهام، فلابد أن يهجر العاشقان بعضهما، آجلًا أو عاجلًا، فخير نصيحة اسديها لنفسي، هي ألا أدع للحب القوي منفذًا الى قلبي، ولا اترك له السبيل للتسلط عليه!
كان موباسان من أسرة غنية ويمتاز عن غيره من الكتاب بوسامته وحسن هندامه وحديثه الجميل وسخائه وميله الفطري إلى مغازلة المرأة، فقد كانت هذه الصفات والمؤهلات سببًا في أن يحقق نجاحًا في المجتمع الذي عاش فيه ما يمكن أن يبلغه نجاح شاب آخر.فحامت حوله النساء، فعرف موباسان المرأة من جميع وجوهها، واختبرها ودرسها في جميع حالاتها النفسية، واطلع على ما ظهر من ها وما خفي، ثم تناوله في كتاباته.
كان موباسان يهرب من النساء في كل عام ويذهب بعيدًا عن باريس، ويلجأ إلى إحدى القرى النائية، دون أن يترك لأحد عنوانه، رغبة منه في أن تمتنع النساء عن مراسلته، لكي يخلو بنفسه بضعة أسابيع، ولكن سرعان ما كانت النساء يكتشفن مقره، فتنهال عليه الرسائل كل يوم، حاملة إليه الاعترافات والمكاشفات والانذارات والتهديدات، فكان يجد نفسه مضطرًا للرد على كل تلك الرسائل، خوفًا من أن يهبطن عليه في مقره و يقطعن عزلته .
لكنه كان يرد على كل صاحبة رسالة، يقول فيها إنه سيغادر القرية في اليوم التالي، وينتظرها في مدينة بعينها في برقيته ويعين الفندق الذي سينزل فيه، وكان يضرب لكل امرأة موعدًا في مدينة وفندق، وهو عازم على البقاء في قريته، حتى إذا ما طلع فجر اليوم التالي، كانت فيالق النساء العاشقات تزحف على المدن التي ضرب لها موباسان موعدًت بها، فتصل كل واحدة منهن إلى الفندق على أمل ان تجد الحبيب فيه، فلا تجد غير برقية ثانية سبقتها إليه يقول فيها ان اسبابًا غير منتظرة حملته على السفر إلى باريس.
وكان يردد على مسامع اصدقائه والمقربين اليه: أن النساء أشد خطرًا بكثير مما كنت أظن، وسوف يفقدنني عقلي!
وفقد عقله في أوائل سنة 1892 فأرسل إلى أحد المستشفيات، ثم تولى بعض أصدقائه الأطباء علاجه، ولكنهم لم ينقذوا حياته، فمات في سنة 1893، بعد أن ذاق المر لمدة 18 شهرًا، وتحول جنونه الذي كان في بادىء الامر هادئًا إلى ثورة هائجة، فكان في الشهور الأخيرة من حياته يضرب الناس، ويصيح في وجوههم بأنه مضهطد وأن الناشرين سرقوا أمواله، وجفاه الرقاد وقت من الأوقات فكان يقضي الليل ساهرًا صائحًا هائجًا .