742 مشاهدة
سيرة الزجل السياسي من الاسترزاق إلى النشيد الوطني (1-3) مرحلة الأندلس
الزجل في اللغة هو التطريب واصطلاحا فهو الشعر الملحون الذي تبرز موسيقاه وقافيته في التغني بكلماته، الزجل هو لون من ألوان الشعر وأحد فنونه السبع، عرفه العرب في القرن الخامس الهجري على يد العامة والشعراء في بلاد الأندلس، كان ظهور الزجل في بلاد الأندلس امتداداً للتوشيح وهي نوع من أنواع الشعر لم يلتزموا فيه بالإعراب والقواعد اللغوية المتعارف عليها في الشعر في هذه الحقبة التاريخية، على طريقة التوشيح صار الزجل وأخذه العرب إلى أغراض عدة، ولعبت السياسة دورا في تحول الزجل من المديح بهدف الاسترزاق وكسب العطايا والأموال في عصوره الأولى، إلى باباً من أبواب الشعر التي عبر من خلاله الزجل عن صوت المهمشين وحارب مظاهر الظلم والاستبداد.
بداية ظاهرة مدح الشعراء للوزراء والملوك بهدف الكسب والاسترزاق والتقرب من السلطة بشكل لافت، كانت في العصر العباسي، حين لجأ الشعراء إلـى مدح وزراء الخلفاء، فغالبية وزراء العصر العباسي نالوا نصيباً من المدح على ألسنة الشـعراء طلباً للعطايا، فقد كان بأيديهم أموال الدولة، وكانوا ينثرونها دعاية لهم حسب ما ذكر المؤرخ شوقي ضيف في كتابه العصر العباسي الأول.
على الرغم من أن الزجل كفن عرفه العرب على يد شعراء الأندلس ، إلا أن وصوله لمصر في عهد المماليك أضاف له الكثير، والمدقق في مسيرة الزجالين في مصر يجد أن فترة الاحتلال البريطاني لمصر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، شهدت العصر الذهبي لفن الزجل في مصر وخاصة الزجل السياسي ، كانت الجرائد والمجلات تضم بين صفحاتها باباً يومياً للزجل، حتى أن هذا الباب كان يضاعف توزيع الإصدارات الصحفية في تلك المرحلة ، وتعد هذه الأزجال توثيقاَ أدبياً للحياة السياسية والاجتماعية في مصر في فترة الاحتلال.
ابن قزمان أمام الزجل في الأندلس
تفنن أبن قزمان في استخدام الزجل شرقاً وغرباً وأخده إلى مواضع عده مستغلا براعته في تطويع مفردات العامة إلى قصائد زجليه واشتهر بتميزه في وصف اللذات وتعظيم الشهوات، وذكر المؤرخون أنه كان يعيش في بداياته حياة مترفة غرقاً في شرب الخمور والتنعم بالشهوات واللذات حتى أنه سرعان ما بدد أمواله التي ورثها عن عائلته ذات الأصول العريقة، وهو ما جعله يلجأ لاستخدام مهاراته في كتابة الزجل في الكسب والاسترزاق، فاشتهر ابن قزمان بكتابة أزجال المديح في الوزراء والملوك ابتغاء الهدايا والعطايا، حتى أن ظل يتنقل بين قرطبة وإشبيلية ومدن أخرى ليمدح ملوكها ووزرائها وذوي النعيم ويستجدي العطاء في زجله بإلحاح.
نجد ابن قزمان ينظم أبيات زجلية في ديوانه “إصابة الأعراض في ذكر الأغراض”، في وصف أحد الوزراء يقر فيها بحصوله على الأموال من الممدوحين حين وصف الوزير أبو بكر بن سعيد بصفات الكرم والعطاء لأنه أنقذه من الإفلاس ويقول فيه”
نَمدح المشْرف الأجل
الذي من راه وصلْ
وراى غايةَ الأَملْ
فاعتمد بيه وأَملْ
والذي ترج قَد دنَا
يعطي الناس (من) الذَهب
بسبب أو بِلا سبب
والفَلاس عنّي قد هرب
والهموم عنّي ينحلُو
ويقَع فيهم الفَنَا
وفي مناسبة أخرى تحدث ابن قزمان عن تمتع أحد الوزراء بالذكاء والكرم وسخاء اليد في قوله عن الوزير أبو بكر بن فرج
ونَمدح ملوك… الدين مثل ابن فَرج
الذهن الذكي في المسايل وقَطْع الحجج
والحفْظ القَوي والطهارة قلْ بلا مرج
فما افهم بالغَوامض وما احذقُ
وما أسبقُ للمكارِم وما أسخى يديه!
قَد صار الكَرم و(السخا) عند واجب عليه
فلَس يعجب الدرهم إلا (أن) يطلب إليه
ولا يعجب مال إلا إذا انفَقُ
غلبت على أزجال ابن قزمان أغراض المديح وخلت من هجاء الأمراء والملوك والوزراء، وبنى مذهبه على التقرب من ذوى السلطة بما فيهم القضاة حتى أنه تعرض للسجن على يد أحد قضاة الأندلس ويدعى “أبو المناصفة الأندلسي” عقاباً له على إفراطه في مدح “بني حمدين” قضاة قرطبة.
ولم يتخلى أبن قزمان عن مذهبه عقب الإفراج عنه ، فتغنى بالقائد “محمد بن سير” أحد قادة المرابطين الذي ساهم في الإفراج عنه معترفاً بجميله وسرعان ما نظم قصيدة زجلية عن فتره سجنه تغني فيه بجميل قائد المرابطين وقال فيها:
لَقَد اشْتَدّ حَبْـلِى وَانْقَطَع بَعْد مَا اشْتَد
وَانَّمَا نَشْكُـرالله وَاِبَنْ سِيــر مُحَمَّد
ظل ابن قزمان طوال حياته يتنقل بين قرطبة وإشبيلية ليظفر بالهدايا والعطايا مستخدماً زجله حتى توفى عام 550 ه – 1160 ميلادياً
الكاتب
ما هو انطباعك؟
