سيرة بيرلو (2).. حين طردت من حديقتي!
كما أحب بيرلو، أحب الأبنودي وعمار والحلو، وكما لا تفارق ذهني صورة بيرلو وهو يسدد ركلة حرة مباشرة، كذلك لا تخلو أوقات الروقان من دندنة تترات مسلسلات الثمانينات والتسعينات، رجل يحب الفن وكرة القدم مثلي تتداخل سلوك مخه أحيانا كثيرة فتربط بينهما، فلا عجب أن كاتب هذه السطور يرى أن بيرلو هو النسخة الإيطالية من الفنان المصري ثناء شافع.. هيه.. دعونا نواصل حكاية بيرلو فهي بالتأكيد أمتع من حكايتي.
***
زمان لاحزان رمانا
غربا ولا دريانين
الغربة دى ف دمانا
ولا جاتنا منين
تذكرة الرحيل انطبعت في ذهني قبل أن تمسكها يدي، كنت أشبه برجل يقف على باب القطار الذي يتحرك ببطء، أودع أصدقائي، أقاربي وأعدائي. عندما ترحل فأنت حتما تترك شيئا ما خلفك.
اخترت الغربة كراهية لا طوعا، فقبلها عانيت الاغتراب داخل الميلانيلو – عفوا هل تعرف الدلالة اللغوية لكلمتي غربة واغتراب؟ – دعني أخبرك أولا، فرصة ربما ترى فيّ خلالها ما هو أبعد من لاعب كرة القدم.
الغربة هي الابتعاد والتنحي، النزوح عن الوطن، أن تترك وطنك اضطرارا أو طواعية لإحساسك بالضعف والضياع والخوف بسبب تقلبات الزمن. أجبرت على هذا لأني عانيت الاغتراب الذي أراه أقسى المشاعر الإنسانية.
في معجم النفس والطب النفسي يوصف الاغتراب بأنه انهيار في العلاقات الاجتماعية الشخصية أو أنه الفجوة بين الفرد وذاته والانفصال بينه وبين الآخرين وما يتضمنه ذلك من غربة للفرد وانفصال عن مشاعره الخاصة التي تستبعد من الوعي. أظن أني أجدت وصف ذلك بالفعل في الحلقة الأولى.
نفيت واستوطن الأغراب في بلدي
ودمروا كل أشيائي الحبيبات
أثناء إصاباتي الطويلة في موسمي الأخير، لعب أمبروسيني وبوميل أمام الدفاع، ولو أن النوايا طيبة، إلا أن بيتي احتل بالفعل، طردت من حديقتي، ولم يعد لدي سوى هاتفي أحادث فيه وكيل أعمالي: مرحبا توليو.. هل هناك أنباء؟
هل تعرف تلك الخريطة التي تراها في أفلام المغامرات؟، علامة إكس أو دائرة مميزة حول المكان الذي يدفن فيه الكنز، والكل يتسابق للوصول أولا إلى المكان الذي عادة يكون في أحراش أو صحراء، أو أي مكان يصعب الوصول إليه.. حسنا لم أكن أسكن في غابة أو كهف والوصول لي لم يكن صعبا على أي حال، وبالطبع لا أريد أن أدفن الآن، كل ما أردت إخبارك به أن كل الأندية كانت ترغب في التعاقد معي، وأنني – إحم إحم – كنز بكل تواضع.
أحد إداريي إنتر اتصل بوكيلي: “توليو.. نريد أن نسأل سؤالا بسيطا: هل يمانع بيرلو العودة لنا؟“.. سألني وكيلي عن اهتمامي بعرض إنتر.. لم أتعجل الرد، وكانت إجابتي واحدة للجميع: “أستمع إليهم جيدا“.. كان يجب أن أنتظر انتهاء الدوري لأعرف.. من البطل؟.. من المدربون الجدد لكل فريق؟.. وما هي مشاريع كل فريق؟.
فجأة في يوم ما دق جرس هاتفي:
– مرحبا أندريا.. أنا ليو (كان ليوناردو هو مدرب إنتر في ذلك الوقت).
= أهلا ليو
– اسمع.. أخيرا أصبح كل شيء جاهز ، أخذت موافقة موراتي لشرائك، بإمكاننا أن نبدأ التفاوض.
أخبرني ليو عن بيئة إنتر وكم هي جيدة، كان التحدي يبدو مثيرا، أن تعود إلى مكان كنت فيه سابقا، أن تستبدل الأزرق والأسود بالأحمر والأسود، وأن تقول “جوسيبي مياتزا” بعد عشر سنوات اعتدت فيها أن تقول “سانسيرو“. ليو كان يقول إن القيادة ستكون لي، صحيح أنه رحل بعدها بأسابيع إلى باريس، إلا أني كنت قد حسمت أمري: جمهور ميلان لا يستحق مني هذا.
أنهيت مكالمتي مع ليوناردو: “شكرا، لكن لا يمكنني القبول، لأنني وقعت مع يوفنتوس مساء أمس“.. بأي قلم وقعت؟.. ها ها لن أخبركم أبدا.
*المصدر: كتاب أنا أفكر.. أنا ألعب