همتك نعدل الكفة
75   مشاهدة  

سيرة بيرلو (4).. الرجل الأسود!

بيرلو


تواجهني مع ابني ( 9 سنوات) مشكلة.. هو لاعب كرة جيد.. هداف بالفطرة ويملك شخصية جيدة، لكنه لم يصبح بعد “الرجل الأسود”.. دائما ما يستعين به مدربوه للعب مع الفئات السنية الأكبر. لمن لا يعرف فسنة واحدة في عمر الناشئ تصنع فارقا كبيرا في تكوين الطفل الجسماني والعقلي، المسألة تكون أكثر صعوبة من اللعب وعمرك 20 عاما مع الفريق الأول. لذلك حين يلعب أدهم مع فريق يكبره بعامين فقط يشعر بالضغوط، إذ يصعب عليه مجاراتهم بدنيا، ويعاني من أن زملائه لا يرونه في الملعب، لا أحد يمرر له مهما تحرك جيدا وطلب الكرة، وحتى حين يتسلمها يجد نفسه بحاجة إلى أن يكون أكثر قوة وشراسة في حماية الكرة والتدخلات، أن يلعب أسرع مما هو معتاد. أحيانا يبكي “أنا لاعب جيد لماذا لا يمررون لي؟!”.

أحاول مع أدهم كما يحاول مدربوه دعمه نفسيا، “أنت تلعب مع الأكبر منك سنا لأنك أفضل من أقرانك، أنت لاعب جيد، إذن لا مشكلة.. شيئا فشئيا سيثقون بك وستصبح أفضل منهم جميعا، فقط استمر في المحاولة والعب كما اعتدت”.

بعد انتهاء مباراة محبطة بالنسبة له وفي طريق العودة إلى المنزل حدثته “أتعرف يا أدهم أن بيرلو لم يكن يشعر بالضغوط؟”.. صدمني أدهم حين سأل: “من بيرلو؟”

صدمة استمرت لثوان استجمعت فيها شتات عقلي، قبل أن أنتبه إلى أن مسيرة سيد خط الوسط انتهت فعليا في عام ميلاد أدهم، قبل أن يذهب إلى منفاه الاختياري في أمريكا لعامين علق بعدهما حذاءه. “لو كنت تهتم بما أكتب كما أهتم أنا بمواعيد تدريباتك ودروسك ما سألتني يا وغد!”.. ابتلعت ريقي وبدأت أحدثه عن “سوبر بيرلو” الذي لا يشعر بالضغوط.

الرجل الأسود

لا أشعر بالضغوط ولا يتأثر ذهني بها مطلقا، في نهار 9 يونيو 2006 صحوت من نومي، تحممت ولعبت البلاي ستشين كعادتي، وفي المساء فزت بكأس العالم!.

معلمي هو لوشيسكو، وأنا بعمر 15 عاما أخذني من بين أطفال بريشيا ووضعني في الفريق الأول، معظم زملائي الجدد كانوا في ضعف عمري ويزيد!.

أندريا.. العب كما كنت تلعب مع الناشئين”.. هذه أول نصيحة أسدى بها لوشيسكو إلي. بدأت في الركض والعمل كجندي مثالي، لكن هذا لم يعجب زملائي الكبار سواء في الملعب أو في غرفة الملابس. في أحد التدريبات راوغت أحد اللاعبين ثلاث مرات وفي الرابعة تدخل بعنف على كاحلي، كاد يقتلني، من الصعب أن أقول إنه لم يكن متعمدا. نظرت إلى لوشيسكو أستغيث، لكنه غمز لي بعينه قائلا: “لا بأس.. حاول مرة أخرى من فضلك”!.

بيرلو ولوشيسكو
بيرلو ولوشيسكو

غمرني لوشيسكو بلطفه، كان يصرخ في اللاعبين: “مرروا الكرة لبيرلو، إنه يعرف كيف يتصرف بها”.. أتعرفون قصة “ملك الأشياء”؟.. كانت قصة صداقة غريبة بين شخص وأداة!.. كنت أقوم بأشياء لم يجربوا حتى القيام بها. في البداية لم تكن الأرقام تخدمني في بعض الأمور، لكن مع الوقت تحسنت وتمكنت من تخطيهم جميعا. كنت سعيدا جدا من أجل والدي، الذي لم يعد بحاجة إلى القفز من المدرجات كي لا يسمع استهزاء الحاسدين، فقد تركتهم هناك في الناشئين، والآن يجلس أبي على مقعد جلدي في مقصورة الملعب.. “آه يا أدهم لو فعلتها!”.

زملائي من ناشئي بريشيا لم يكونوا سيئين، لكنهم كانوا يخافون أحلامهم، يخافون من ثقلها الذي قد يسحقهم، كنت بالنسبة لهم “الرجل الأسود” الذي حطم مستقبلهم. حاولت مد يدي لهم لكنهم رفضوني، تركتهم خلفي ومضيت في طريقي، كنت أفهم ما يمرون به بعدما تملكتهم مشاعر الغيرة والحسد، تركتهم ومضيت، وبقوا هناك.

كنا نصرخ جميعا بأحلامنا: “نريد أن نلعب في برشلونة أو ريال مدريد”. حلم الطفل الأول هو أن يصبح لاعب كرة قدم، يسر بحلمه إلى ربه في المساء، أو يرسمه في كراسته في المرحلة الابتدائية، لاحقا يكتب الطفل اسم فريقه الحلم. كانت إسبانيا هي دولة أحلامنا، ولدينا طموحات وأحلام حولها، كنا نبني مشاريع ببضع كلمات ونحن نتناول وجبة خفيفة. نجحت – إلى حد ما – في تحقيق هذا الحلم.

بيرلو
بيرلو

في صيف 2006 بعد الفوز بكأس العالم، كنت أتمشى بدراجتي في شوارع فوتي دي مارمي متجها إلى الواجهة البحرية، الناس يتحدثون معي وأنا فقط أرد عليهم:

– صباح الخير يا أندريا

= بوينوس دياس ( صباح الخير بالإسبانية)

– مساء جميل أندريا

= بوينوس تارديس (مساء الخير بالإسبانية)

إقرأ أيضا
الرياضيات

– مرحبا

= هولا (مرحبا بالإسبانية)

– نحن عدنا إلى ميلانو أندريا.. نراك قريبا

= أديوس (وداعا بالإسبانية)

كانوا يعتقدون أن الفوز بكأس العالم أفسد عقلي، لكنهم لم يكونوا على علم بشيء، لا أحد يعلم حتى تلك اللحظة هذا الأمر الهام: لم أعد لاعبا في ميلان.

في تلك اللحظة، كنت لاعبا لريال مدريد بقلبي وروحي وعقلي، مع عقد يمتد لخمس سنوات ومرتب يتجاوز الخير والشر.. لكن هذه حكاية أخرى فأدهم وصل إلى المنزل مع والده، ويجب أن يتحمم ويخلد إلى النوم.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان