سيرة بيرلو (6).. الحقيقة والبلاي ستيشن!
لدي في البيت توأمان ملتصقان؛ أدهم والبلاي ستيشن. كشخص يعمل في صناعة متعلقة بكرة القدم يبدو ما سأخبركم به غريبا بعض الشيء: أنا لا ألعب البلاي ستيشن، ربما تشبعت في طفولتي ومراهقتي باليابانية أو ألعاب الفيديو عموما، لذلك لم أمسك يوما بذراع هذا الجهاز. دائما يطلب مني أدهم أن أشاركه اللعب: “ماتش واحد بس يا بابا”.. لعبت معه مباراة واحدة وجدتني أختار خلالها برشلونة وأتذكر بيرلو وساندرينو.
أتعرف يا أدهم: بيرلو كان دائما يلعب البلاي ستيشن مع نيستا صديقه وكانا يختاران برشلونة أيضا.
– أعرف نيستا، شاهدت له مقاطع عدة على يوتيوب.. مدافع مدهش.. أفكر أن أغير مركزي وأعود للدفاع.
(اللعنة!.. مرة أخرى سأجتهد لإقناعه بأنه خلق مهاجما).. كطفل في مثل سنه تتغير اهتمامات أدهم سريعا ويتقلب مزاجه، هو يحب كرة القدم، لكنه كلما رأى لاعبا كبيرا في أي مركز، تعلق به وأراد أن يكون مثله دون أن يشغل باله بالتفكير إن كان يصلح فعلا لهذا المركز أو لا.
= دعنا نناقش هذا لاحقا، الآن دعني أخبرك عن بيرلو الذي اقترب من أن يلعب لبرشلونة على أرض الواقع، أتظن أنه كان سيدفع بنفسه أساسيا على حساب تشافي في البلاي ستيشن؟
الاختراع الأعظم!
ليس الكهرباء ولا الكومبيوتر؛ بعد العجلة فإن أعظم اختراع عرفته البشرية هو البلاي ستيشن. دائما اختار اللعب ببرشلونة (عدا أحيان قليلة أختار الميلان) .. لا يمكنني بالضبط تحديد عدد المباريات التي لعبتها في السنوات الأخيرة، لكن على نطاق واسع فهي ربما تقترب من أربعة أضعاف المباريات التي لعبتها في الواقع. أنا ضد نيستا، كان هذا هو كلاسيكو الميلانيلو. نأتي إلى مركز التدريب، نتناول الإفطار في التاسعة، قبل انطلاق المران بساعتين، وبينهما نذهب إلى الغرفة لنلعب سويا. بعد الغداء نعود إلى الغرفة لاستكمال اللعب.. حياة.. تضحيات.
في مبارياتنا يصل الأدرينالين إلى مستويات فائقة، ألعب بالبارسا وكذلك ساندرينو؛ بارسا VS بارسا. دائما أضع صمويل إيتو كأول اسم في تشكيلتي، أسرعهم جميعا، لكني رغم ذلك كنت أخسر دائما، ثم أغضب وأرمي ذراع التحم وأطلب إعادة المباراة. كان لا يمكنني أبدا أن أستخدم عذر المدرب، ففريقي يدربه جوارديولا، وفريق نيستا يدربه بيب جوارديولا، كنا متعادلين في تلك النقطة.
عملية خطف!
سأخبركم سرا، فكرنا أنا ونيستا في خطف جوارديولا الحقيقي، كان ذلك في 25 أغسطس 2010، عندما ذهبنا للعب ضد برشلونة في كأس خوان جامبر، ولأنه بيب الذي يسبق بتفكيره الجميع؛ لاحقا اكتشفت أن فكرة الاختطاف راودته قبلنا، جوارديولا أراد اختطافي في تلك الليلة!.
بنهاية المباراة، الكل كان يطارد إبراهيموفيتش ووكيله الأسطوري مينو رايولا، زلاتان كان على وشك مغادرة كامب نو إلى ميلان بعد أن أقنعه الرفاق في ميلان بهذه الخطوة. يتحدث إلى الصحافة ووسائل الإعلام: “سيكون من الرائع أن ألعب من رونالدينيو في السانسيرو، جوارديولا وفر كلامه معي ولم نتحدث منذ ستة أشهر”.
وسط كل هذا الصخب في كامب نو، خرج رجل يطاردني ويدعوني إلى مكتبه، كنت خارجا من غرفة الملابس، لأجد ذلك الرجل صديق جوارديولا وعميله السري؛ 007 الذي ينجز المهام الأكثر خطورة، لم أتمكن من التعرف عليه بسبب قبعته. لحظات قليلة وأدركت أنني أمام مانويل أيستريت، الذي كان في السابق أعظم من لعب كرة الماء، عمليا هو ثاني رجل في تاريخ البشرية يستطيع المشي على الماء.
– أندريا.. تعال معي، هناك مدرب يريد رؤيتك.
= حسنا.. لنذهب.
دلفت إلى غرفة بسيطة، على الطاولة رأيت النبيذ الأحمر.. همهمت: “بداية جيدة”، لحسن الحظ فأكثر مدرب محسود في العالم لم يسمعني. استقبلني بيب بإيطالية مثالية: “اجلس أندريا”. لم أهتم بما حولي، كل تركيزي في تلك اللحظة انصب على المدرب الذي دعاني.
بدأ بيب يحدثني عن برشلونة، يقول إنه عالم مستقل بذاته، ماكينة مثالية، كان يرتدي بنطالا داكنا كلون كرابطة العنق التي تزين رقبته وقميصه الأبيض، حديثه أنيق كملابسه – إحم يبدو أنني ركزت أيضا في أشياء أخرى.
– شكرا على قبولك القدوم إلى هنا
= شكرا لك على دعوتك
– الآن، نحن نريدك معنا
في دقيقتين كان قد وصل إلى ما يريد، كمدرب يعرف كيف يهاجم المنافسين بأسلوب متفرد:
– نحن أقوياء لا يمكن أن نطلب أكثر من ذلك، لكنك ستكون مثل حبة الكرز على الكعكة، نحن نبحث عن لاعب وسط يمكنه تعويض بوسكتس أ تشافي أو إنييستا.. هذا اللاعب هو أنت. لديك كل الخصائص اللازمة لكي تلعب مع برشلونة. وهناك أمر هام: أنت بطل.
طوال نصف الساعة ظللت صامتا، أستمع لما يقوله، أستمتع إلى أقصى حد، فوجئت بتلك الدعوة في البداية، كنت مذهولا، لذلك ردة فعلي جاءت بطئية بعض الشيء.
– تعرف أندريا: لقد دعوتك إلى هنا لأن الأمور لدينا تسير على ما يرام، وليس لدينا وقت لنضيعه، نريد أن نشتري عقدك فورا، تحدثنا مع ميلان ورفضوا، لكننا لن نتراجع، نحن برشلونة واعتدنا هذا النوع من الردود، في النهاية الأمور تتغير، سنحاول مرة أخرى، وأنت أيضا من جانبك حاول معهم.
لم أكن أعرف ماذا أفعل، كنا في وسط الميركاتو، كرة القدم والترف، تتدفق الأموال من كل حدب وصوب.
واصل بيب حديثه: ” إذا انتقلت إلى برشلونة، ستكون في مكان فريد، جوهرتنا هي لاماسيا، قطاع الشباب، فخر لا يملكه أي ناد آخر، ساعات سويسرية، أو قل إنها أوركسترا فيلهارمونية.. لا نشتري النجوم بل نصنعهم، ما عدا أنت.. كل شيء جميل هنا أندريا”.
يا إلهي!.. ماذا يحدث؟.. بعد أن كنت ألعب بهم في البلاي ستيشن يأتي بيب ليقول إنه معجب بي ويريدني معه!.. نيستا سيموت من الحسد إن أخبرته.. كأنني استعدت نسبة الـ 50% التي كان يملكها من بيب!.. حتى إذا رفض ميلان سأحاول وأحاول.. لن أستسلم.
أردت بشدة الذهاب إلى ريال مدريد، لكني كنت مستعدا للحبو على أربع للذهاب إلى برشلونة، إنه الفريق الأفضل في العالم، هل هناك حاجة لقول المزيد؟ كانوا يقدمون كرة قدم لم ترى من قبل، يستحوذون بجنون “الكرة لنا وسنحتفظ بها”، مثل ساعات رولكس ببطاريات سواتش؛ أنيقة وتدوم طويلا.
خرجت من مكتب جوارديولا ولازلت مذهولا، كنت آخر من ركب حافلة الميلان، لكن لم يلاحظ أحد، الكل كان يركز على إبراهيموفيتش، الذي بدا في هذه اللحظة أننا نسير في اتجاه معاكس. كنت سأحب أن أعيش تجربة جديدة مختلفة مع ناد عظيم.
استمرت محادثاتنا لفترة ما، لكن ميلان رفض التخلي عني، في ذلك الوقت كانوا يعتبرونني لازلت قادرا على الركض والتضحية لهذا احتفظوا بي.
كنت سأكون محظوظا لو دربني جوارديولا، هو رجل يجعل كل شيء كبيرا، يجعل منك عظيما، يقودك إلى مستويات أعلى، ليس فقط في كرة القدم، بل في الحياة كذلك. إبرا كان يلقبه بالفيلسوف، اعتقادا منه أنه يهينه، لكن إذا فكرت في هذه الكلمة ستجدها إشادة جميلة؛ أن تكون فيلسوفا يعني أنك تفكر، تبحث عن الحكمة، لديك أفكار أساسية تحركك وتقودك، لديك منطق، تؤمن أن الخير ينتصر على الشر حتى مع المعاناة. جوارديولا كان ذلك الرجل الذي أخذ كل هذه المفاهيم وطبقها في كرة القدم؛ عالم مثالي تظهر فيه قوة العمل والتفكير، ما فعله جوارديولا مع برشلونة ليس معجزة، لكنه تخطيط سليم، كريمة كتالونية سهلة الهضم، سباحة بين الواقع والخيال، جنبا إلى جنب مع أيستريت عمليه السري.
اقرأ أيضا:
سيرة بيرلو (1).. لا تستخدم هذا القلم في التوقيع ليوفنتوس!
سيرة بيرلو (2).. حين طردت من حديقتي!
سيرة بيرلو (4).. الرجل الأسود!
سيرة بيرلو (5).. من قتل جون لينون؟!