همتك نعدل الكفة
867   مشاهدة  

سيرة موسيقار الأجيال (16) محمد عبدالوهاب والمسرح الغنائي .. حب من طرف واحد

محمد عبدالوهاب


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة السادسة عشر من قصة موسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبدالوهاب وفيها سنلقي الضوء في صورة نظرة عامة على فن محمد عبد الوهاب في مراحل حياته المختلفة، محاولين الربط بين تلك المحطات وبين آخر محطة تحدثنا عنها وهي محطة السينما الغنائية، كذلك سنتحدث عن أثر وصول مصر إلى مرحلة السينما الغنائية على اختفاء بعض القوالب الغنائية كقالب الدور مثلا، لنصل في نهاية الحلقة إلى آخر محطة وهي سبب إحجام محمد عبد الوهاب عن المسرح الغنائي، وبمعنى أدق ما هي الظروف والملابسات التي طوت صفحة الغناء المسرحي في حياة الأستاذ محمد عبد الوهاب.

اقرأ أيضًا 
حلقات سلسلة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب

بدخول مصر إلى عالم السينما الغنائية التي تحدثنا عنها وعن دورها في حياة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وبالتطورات التي أدخلها محمد عبد الوهاب على شكل الأغنية السينمائية، بما أكسبها تلك الشهرة التي حققتها، اختفى تدريجيا فن الدور من الغناء المصري، ولعل ذلك الأثر هو أول آثار اشتهار ذلك الشكل الجديد السريع من الأغنية، فمع مرور الوقت استغنى المغنون والمغنيات والمستمعون عن ذلك القالب ” الذي يصفه البعض بالتقليدي القديم” ذلك أن الملحنين في ذلك الوقت كانوا قد وصلوا به إلى طريق مسدود على حد تعبير المرحوم كمال النجمي.

YouTube player

فبعد دور أحب أشوفك كل يوم الذي لحنه محمد عبد الوهاب وغناه بصوته المعدني القديم، وبعد دور الزنجران الذي لحنه الشيخ زكريا أحمد للآنسة أم كلثوم “هو ده يخلص من الله القوي يذل الضعيف” جاء ذلك العصر الجديد، عصر السينما الغنائية الذي استغرق جهد المطربين والمطربات بل والملحنين كذلك، وبطبيعة هذا اللون الجديد من الفن، وبطبيعة تكنيكه لم يعد يسمح بما يتطلبه الشكل الجديد بظهور مطرب أو مطربة في قالب يتألف من أدوار ومذهب ولوازم ومقدمة وهنك ورانك وآهات إلى آخرة، ولعل ذلك كان أحد الأسباب التي أخلت الطريق أمام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ليطور أكثر وأكثر في شكل الأغنية السينمائية المعتمدة على التعبير المرتبط بالسياق الدرامي، نظرا لاختفاء قالب السلطنة والتطريب كما يسميه الموسيقيين ” قالب الدور”.

نظرة تخصصية لـ فن محمد عبدالوهاب

عبدالوهاب
عبدالوهاب

قبل أن نتكلم عن فكرة إحجام محمد عبد الوهاب عن المسرح الغنائي سنتطرق لنظرة تخصصية على مشواره الفني:

في بداية حياة محمد عبد الوهاب الفنية كان يقوم بالمحاكاة والتقليد للأسلوب الذي شاع بين أساتذته في تلك الفترة كأسلوب الشيخ سلامة حجازي وعبد الحي أفندي حلمي، وهو الاسلوب الذي سمعناه وتحدثنا عنه من قبل بخصوص اسطوانتي أتيت فألفيته ساهرة وويلاه ما حيلتي ويلاه ما عملي، وقد مثلت تلك الفترة في حياة عبد الوهاب فترة تعرف على المقامات الموسيقية والأساليب المختلفة للغناء بل وللتلحين أيضا، لأن محمد عبد الوهاب كان قد بدأ يلحن بالفعل في تلك المرحلة، وإن كان لم يصلنا مما لحنه في هذه المرحلة شيء، إلا أنه ذكر في أحد لقاءاته أنه بدأ بالفعل في ابتكار الألحان حين أكتشف في نفسه ملكة المحاكاة والتقليد، وتلك نقطة يكاد لا يختلف عليها اثنين بالنسبة لكل المشايخ والمطربين الذين خرجوا من هذا الجيل، فكلهم بدأوا في محاولة ابتكار الألحان وحتى على أقل تقدير التعبير عن معنى اللحن بفكرة الارتجال التي ارتبطت بقالب الموال مثلا، فضلا عن ارتباطها بالتواشيح الدينية وقراءة القرآن الكريم، ومحمد عبد الوهاب كان شغوفا بهذه الألوان من الفنون، لأنه كما قلنا كان يميل إلى التعبير لأنه يجد فيه نفسه.

طور محمد أفندي عبد الوهاب في أسلوب أداء القصائد والأغاني الطويلة التي سنخصص حلقة كاملة للحديث عنها، لأن القاريء قد يتوهم أن إحجام محمد عبد الوهاب عن الغناء على المسارح قد يرتبط بشكل أو بآخر بفكرة الأغنية المطولة كالتي كانت تقدمها كوكب الشرق أم كلثوم، كذلك طور عبد الوهب في التعبير عن الكلمة والمضمون، فجاء غنائه في خدمة الشعر دون إغفال لقيمة الموسيقى سواء في شكل المقدمة أو اللوازم الموسيقية، ثم بدوره طور شكل الأغنية السينمائية لدرجة جعلت موسيقيّ عصره الكبار كالشيخ زكريا والمرحوم محمد القصبجي والمرحوم رياض السنباطي يسيرون على دربه في ميدانها حين لحنوا لأم كلثوم أفلامها.

كذلك أبدع محمد عبد الوهاب في قالب الموال فأضاف مجموعة كبيرة من المواويل العاطفية محمكة الصياغة والبناء، وكذا اهتم بقالب المونولوج وأدخل عليه تعديلات كثيرة تكلمنا عنها في الحلقات السابقة، ولكنه أحجم عن الغناء على المسارح فلم يفعلها بعد عام 1933م إلا قليلا وتحت ظروف خاصة، دون أن يتوقف مطلقا عن العطاء بتسجيلاته للإذاعة وعلى اسطوانات الشركات المختلفة، فتلك طبيعة صوت الأستاذ محمد عبد الوهاب، فقد قال لي أحد أساتذة الموسيقى الكبار حين سألته عن تصنيفه ووصفة لطبيعة صوت النابغة عبد الوهاب ولماذا لم يكن مساره في الغناء كمسار كوكب الشرق أم كلثوم بحفلاتها المعهودة، حيث قال: إن صوت المرحوم الاستاذ محمد عبد الوهاب هو صوت مخملي رقيق، صوت توثيقي لطيف لا يتماشى مع زحمة المسارح والتجمعات، صوت تستمع إليه في حالة هدوء بلا ضجيج أو تصفيق لذلك كان من الطبيعي أن ينسجم مع فكرة التسجيل على الاسطوانات والأغاني السينمائية أما غناء المسارح فلا أراه مناسبا لمحمد عبد الوهاب، ولعل محمد عبد الوهاب نفسه قد أدرك ذلك ونأى بنفسه عن تلك المنطقة وقصر غنائه على التسجيلات الإذاعية والاسطوانات.

لماذا ابتعد محمد عبد الوهاب عن المسرح الغنائي ؟

محمد عبد الوهاب
محمد عبد الوهاب

تسائل الكثيرون عن سبب ذلك الابتعاد، ولعل الإجابة تكمن في كلام محمد عبد الوهاب نفسه، يقول عبدالوهاب أن نجيب الريحاني أقعده عن المسرح الغنائي بل وحذره من تجربته خاصة بعد فشل الشيخ سيد درويش التجاري ” على حد تعبيره ” من قبله، ويستطرد عبد الوهاب: إن الأغنية المسرحية مرتبطة بسياق، ولهذا أعرض عنها إلى الأغنية المستقلة.
ولكن هنا نقف ونتسائل أيضا، إذا كان محمد عبد الوهاب يرى أن إحجامه عن الأغنية المسرحية انما كان بسبب ارتباطها بسياق وهو لا يحب ذلك فاعرض عنها إلى الأغنية المستقلة، فماذا عن الأغنية السينمائية فهي الأخرى مرتبطة بسياق؟.

غلاف السبعة الكبار في الموسيقى العربية
غلاف السبعة الكبار في الموسيقى العربية

يقول الدكتور فيكتور سحاب في هذا الصدد:
إن أول الأسباب التي تخطر في البال في تفسير ركود المسرح الغنائي وظهور الأغنية السينمائية هو تشابه النوعين وحلول الأغنية السينمائية محل الأغنية المسرحية، ولم يكن عبد الوهاب ممن يحجمون عن دخول الميادين الجديدة واستخدام التقدم العلمي او الصناعي، لكن توقفه عن العمل في المسرح الغنائي كان قد سبق بدء عمله السينمائي بست سنوات، حين وقع الخلاف بينه وبين منيرة المهدية فتوقف عن العمل معها ولم يكن أمامه وقتها إلا أن يفكر في التعاقد مع أم كلثوم.

جاء في روز اليوسف في عدد الخميس 4 أغسطس 1927م:
والآن يفكر محمد عبد الوهاب جديا في الاتفاق مع أم كلثوم على ملء الاسطوانات بألحان الرواية بعد تحفيظ أم كلثوم ألحان كليوباترا، ويرى عبد الوهاب ويرى كثيرون معه أن هذه الاسطوانات تكون مزاحما خطرا على الاسطوانات التي ملأتها السيدة منيرة المهدية، ويبدو أن أم كلثوم ومستشاريها لم يقبلوا المشروع فطويت صفحته ولو نجحت تلك المحاولة لكان من شأنها أن تزيد من احتمال قيام مسرح غنائي نجماه عبد الوهاب وأم كلثوم.

إلا أن محمد عبدالوهاب ظل ميالا إلى العمل المسرحي الغنائي حتى بعد ظهور السينما وقد سألته روز اليوسف فيما كان يستعد لإنهاء فيلمه الثالث يحيا الحب عن سبب وقفه الغناء في المسارح فقال:
لم تساعدني صحتي منذ عام على موالاة العمل والظهور أمام الجمهور، فهذا الظهور يكلفني الكثير من الجهد والتعب لأنني أحس من نفسي أنني أمام واجب لا أحيد عنه وهو التجديد والتقدم بكل مستحدث على الدوام، أريد على الدوام أن أحترم هذا الجمهور فنيا، وأن اقدم له ما يتناسب مع هذا الاحترام والتقدير، أما الحفلات العمومية فإنني أفكر في شأنها أيضا وربما أحييت بعض الحفلات في الموسم القادم، ولكنها على أية حال ستكون وفق دستور جديد غير الحفلات الماضية.

ولعل ذلك القرار الذي اتخذه محمد عبد الوهاب انما كان مرتبطا بفكرته في التجديد، فهو كان يرى أن الظهور على التخت بالشكل الذي كان مألوفا قديما إن كان سائغا في الأفراح والليالي الخاصة فهو لم يعد سائغا ولا مناسبا للحفلات العامة.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة السادسة عشر على أن نكمل المسيرة في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان