سيناء خالية من الإرهاب؛ شفت بعيني!
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
عام ٢٠١٢ كنت في زيارة عمل إلى الشيخ زويد، حيث أجريت لقاءً مع أحد شيوخ القبائل، والذي كان مطاردا حينها، وحيث أن الأحوال تغيرت ومن كان مطاردا أنخرط في العمل الوطني وأصبح مستقيما إلى جانب الدولة ولأن هذا ليس موضوعنا اليوم فلا داع لذكر اسمه – رحمه الله – لكنها كانت زيارتي الأخيرة لشمال سيناء التي ظلت تلاحقني مدة تجاوزت العشر سنوات بسؤال: متى ستكون المرة القادمة؟
مرت الأيام سريعة رغم يأسي من انقضاء سنوات المنع والحظر والتقييد، خلال هذه الأيام الطويلة كنت أمد البصر كلما زرت أهلي في محافظة الإسماعيلية لعلني ألمح الضفة المقابلة عبر القناة، كان المنع النابع من خطورة الإرهاب واحدا من المحفزات التي تضاعف من توقي لإنهاء الحظر عن قطعة من مصر لم تعد قادرة على استقبال المصريين بحرية متى أرادوا.
أخيرا سينتهي المنع ونتجول بحرية في بلدنا كيفما أردنا ذلك.
حيث كان الدنو بمستوي التوقعات هو التكنيك الذي أتبعه منذ مدة، جاء إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل العام الماضي ٢٠٢٢ والذي سمعته بنفسي خلال إفطار الأسرة المصرية، عن قرب إعلان سيناء خالية من الإرهاب فور تفكيك جميع العبوات الناسفة، مفاجأة لم تكن في الحسبان، جعلتني أتمنى أن أحصي العبوات الناسفة بنفسي كل يوم حتى يتناقص الوقت ونبلغ المراد.
وما هي إلا أشهر معدودة حتى أعلن الرئيس السيسي في يناير العام الجاري ٢٠٢٣ خلال كلمته أثناء احتفالية عيد الشرطة، عن نهاية الإرهاب الذي استهلك أرواحا شريفة غالية وأموالا طائلة.
أشوف بنفسي!
منذ عملت بالصحافة التلفزيونية عام ٢٠٠٩ وللمحافظات مكان خاص بالقلب لأسباب منها يتعلق بالناس والطبيعة الخاصة الغنية لكل محافظة ومنها ما يتعلق بنجاحي وتحققي المهني، ورغم مرور سنوات على توقفي عن العمل بالأخبار إلا أن المثل الشعبي “يموت الزمار وصباعه بيلعب” جاء منطبقا جدا على حالتي فحتى وإن لم تكن الأخبار بالتحديد مهنتي اليوم، تظل المعرفة في حد ذاتها كيفا وهوسا حميدا لا ينضب.
اتصلت فورا بصديقي وزميلي أحمد أبو دراع والذي يعد واحدا من أشهر المراسلين عن محافظة شمال سيناء ومن أكثرهم نجاحا، وهو اكتشافي وأقولها اليوم بكل زهو، نجحنا سويا وارتكبنا الحماقات المهنية سويا أيضا مدفوعين بحماسة المنافسة ومحبة مصر وإدمان الصحافة، لم تنقطع اتصالاتنا ولا حتى لقاءاتنا في القاهرة طيلة سنوات الحرب على الإرهاب، فكان لابد أن يكون اللقاء الآن في شمال سيناء وبالتحديد العريش ولم يكن واردا أن أفوت زيارتي للشيخ زويد بعد طول حرمان.
الحلم أصبح حقيقة وترحيب من الجميع بمباركة نقاط التفتيش
عبر نفق تحيا مصر وصلنا إلى العريش منطلقين من القاهرة الجديدة في أربع ساعات فقط تشمل التوقف عند نقطة تفتيش ما قبل النفق، كانت ابنتي قد وصلت إلى حضني في إجازة بعد سفرها للدراسة منذ عام ونصف وأردت أن تكون الرحلة استثنائية للأبناء حيث قصصنا عليهم رحلة الحرب على الإرهاب وتكلفتها وكيف أنكم اليوم ضمن أوائل الزيارات التي حضرت إلى شمال سيناء بعد إعجاز وتضحيات بذلها الجيش المصري مع أهالي سيناء البواسل من المقاومة الشعبية، قلت لهم لم أكن أظن أنني سأدرك الحلم دون تنسيق أو زيارات غير اعتيادية تغلفها المبالغة في الاستعدادات التي تفسد صدق المشهد.
كانت النسمة الباردة المنعشة المذهلة مرافقا لم يغيب حتى في أوقات الظهيرة مع تعامد الشمس على رؤوسنا، ولم يكن البحر بأقل كرما من النسيم فكانت باقته من الضيافة كاملة، أمواجه المتفاوتة في عنفوانها تحمل اليك كل يوم جديد لا تتوقعه فلا تصيبك الرتابة، ورماله الناعمة كثوب حرير بارد رطب تجعل من جلستنا أمام البحر منافسا ممتعا للدخول إليه، فتأخذ متعتك من السباحة لتكون الفواصل أكثر إمتاعا لنعود بهمة وشوق إلى مراقبة القناديل وتفاديها بينما نقفز عبر الأمواج نأخذ من نجاتنا منها كل مرة نشوة الانتصار بينما تأتي اللسعة على غير توقع لصاحب النصيب فنتقاذف الضحكات كما القناديل التي هربنا منها.
أخيرا الشيخ زويد مرة أخرى
أقول إنني عدت إلى الشيخ زويد بعد أحد عشر عاما ولا أقول ذهبت، فالذهاب للمكان لا يشترط انتمائك إليه، بينما تحمل كلمة “العودة” حميمية الانتماء مع بلوغ المنتصر أحلامه.
هذه المرة الزيارة عائلية، عددنا كبير، أنا وزوجي أسامة الشاذلي وأربعة من أولادنا والذي كلما سأله أحدهم عن جدول الرحلة، قبل انطلاقنا أجاب: أسئلوا ماما، لا أدري إن كان ذلك مدفوعا باحتكاري جدول الرحلة الذي كان سرا مع زميلي أبو دراع حيث كان كل شيء خاضعا من جانبي لعدم التأكيد، أم كان أسامة يستبق الأحداث ويبرأ نفسه أمامهم، فلو جاءت الرحلة على غير رضاهم وقع الذنب كله عليّ.
كان هدفي أن أسير من العريش للشيخ زويد دون أن يعترضني أحد، وعبر سيارة ميكروباص مخصوص بدأنا الرحلة أنا وأسامة وأبو دراع وأولادنا وبندقة كلبتنا الصغيرة، وفي الطريق لالتقاط الصور التذكارية عند صخرة ديان التي ثُبتت في أعلى مكان بالشيخ زويد ويعود تاريخها إلى عام ١٩٦٧، صادفنا في المدينة المُحررة من الإرهاب آثار المعارك وطلقات الرصاص التي اخترقت جدران البنايات، جوار الأشجار المثمرة المتبقية ومعدات البناء التي تعمل بمواقع جديدة يمكنك ملاحظتها على الطرق الرئيسية، ،عاد للمدينة الأمان، الناس تتجول بحرية ومحال البقالة تفتح أبوابها في حركة طبيعية، أما عن نقاط التفتيش فكان حرصهم يتوقف على التأكد من الهويات الشخصية للركاب، وما نلبث أن نُظهر البطاقات الشخصية حتى تعلوا الابتسامة وجوه الأفراد في ترحيب كبير : مصريين اهو نورتوا الدنيا كلها اتفضلوا
كانت ملامح بعض أبنائي مع وجود بندقة الكلبة إلى جوارنا يجعل من التأكد من مصريتنا أمرا ذو شأن، لكنني لن أخفي سعادتي الكبيرة وزهوي بكوني أنا المصرية الأحق في سيناء من أيا من كان، ولتكرار السؤال والترحيب الكبير الذي كان يضعنا أولوية، تضاعفت سعادتنا، وما فاق التوقع مرة أخرى ما رأيته عندما وصلنا إلي شاطئ البحر بالشيخ زويد حيث شهدنا عددا كبيرا من أبناء المنطقة نصبوا خيامهم للاستمتاع بالبحر بينما أطفالهم يسبحون تحت أشعة الشمس الذهبية، وهي المرة الأولى أيضا التي يُسمح للأهالي بالخروج إلي الشاطئ بعد زوال الخطر وإعلان انتهاء الحرب.
استمرت رحلتنا الاستكشافية عبر سائقين من سيناء يعرفونا على اغنياتهم الوطنية والفلكلورية خلال مشاويرنا معهم ويتطوعون بجولات إضافية لتعريفنا بكل جديد في منطقتهم، شاركهم الكرم والحفاوة والاعتزاز بأرضهم كل من التقينا من أهل شمال سيناء سواء من أبنائها العاملين في المطاعم والمقاهي التي تحتفل بازدحامها أخيرا بعد طول غياب أو شيوخها ممن استقبلونا في بيوتهم مستبشرين بالقادم من الأيام.
كان تصرفهم بحب وفرح أصدق من أي ادعاء، حملونا عبره رسالة واحدة: سينا رجعت لينا مرة كمان.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة