سينما الكومباوند.. أين اختفى المهمشون وطبقتهم في السينما؟
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
في نهاية السبعينات، ظهرت بعض الأفلام المغايرة والمختلفة لاتجاه السوق والذوق الجماهيري في وقتها، مجموعة من الأفلام الجادة، وهذا لا يعني أنه لم يكن في السينما المصرية أفلام جادة، بالعكس، السينما المصرية سينما متوازنة في أغلب أعوامها بل يغلب فيها الكيف والمستوى الجيد على الكم والإنتاج الكثير ضعيف الأثر، ولكن تلك الموجة كانت مميزة، لأنها كانت سينما واقعية في شخصياتها وقصصها وقضاياها، ولأنها كانت تستهدف هموم ومشكلات وطبقات أصبحت جديدة في المجتمع، لذلك أطلق عليها مصطلح سينما الواقعية الجديدة.
2011 التخبط سيد الموقف
تيار الواقعية الجديدة ضرب العديد من المخرجين، فخرجت العديد من الأسماء تقدم أفلام تنتمي لتلك الموجة، ولكن تلك الموجة كان لها روادها وأصحابها أمثال محمد خان وخيري بشارة وعاطف الطيب وداوود عبدالسيد، تلك الموجة التي كانت في قمتها في الثمانينات وفي النصف الأول من التسعينات وسرعان ما خفتت ثم انسحقت مع تيار السينما الشبابية الذي انطلق من أواخر التسعينات وظل مسيطر على السينما حتى 2011.
من بعد 2011 بدأت السينما المصرية في التخبط، تيارات مختلفة، بل حتى لا ترقى لأن يتم تسميتها كتيار، بل هي أقرب للصيحات، مثل صيحة السينما المستقلة، تلك التي كانت في قمتها في الأعوام الخمسة الأولى وحتى 2015، وبدأت في التراجع المستمر، صيحة سينما الأزمة الذي بدأ من قبلها سنوات معدودة واستمر في أفلام مثل “ساعة ونص، الفرح، كباريه” وهي أقرب الصيحات للسينما الواقعية، صيحة أفلام ما بعد 25 يناير، مثل بعد الموقعة، نوارة، مع استمرار تيار السينما الكوميدية، ولكن في النصف الأخير من العشرية الثانية واقترابنا من عام 2020 كانت الأرض ممهدة لكل شيء.
تقول القاعدة السينمائية، أن كل جيل يأتي بسينماه الخاصة وقضاياه وأفكاره، ظهور نجوم جدد، خاصة في مجالات الكتابة والإخراج، وتحولهم ليكونوا هم القوة المسيطرة على المسار السينمائي، بأعمالهم المتواصلة والناجحة، كان فرصة عظيمة لظهور تيار أو حتى بوادر تيار سينمائي جديد.
خاصة وأن هناك طبقات ومشكلات جديدة قد ظهرت في المجتمع، وبما تلك الطبقات الجديدة هي أحد أسباب المشكلة، فالسينما في مصر اتجهت للاتجاه الأخر، أصبحت تصب جل تركيزها على ما يمكن تسميته ” سينما الكومباوند” تلك التي تناقش كافة المشكلات من وجهة نظر الطبقة الميسورة.
انحصار السينما داخل الكومباوند
منذ عام 2011 لعام 2020 الأفلام التي تعرضت لمشكلات وقضايا خارج عالم الكومباوند في تناقص مستمر، في عام 2011 كانوا 8 أفلام فقط، بما في ذلك أفلام مثل شارع الهرم وفاصل ونعود والخروج من القاهرة “الذي لم يعرض في السينما تقريبًا”، وفي 2012 7 أفلام ، من بينهم عبده موته ومهمة في فيلم قديم، وفي 2013 10 أفلام من بينها 4 أفلام يتم تصنيفها في مصر على كونها أفلام مهرجانات، ومن بينهم أيضا تتح وقلب الأسد ومتعب وشادية، وفي 2014 صدر 10 أفلام أيضًا من بينهم الحرب العالمية التالتة وسالم أبو أخته وواحد صعيدي ووردة وحلاوة روح والمهرجان، و2015 8 أفلام من بينهم ولاد رزق وشد أجزاء وريجاتا وحياتي مبهدلة وكابتن مصر، وفي 2016 8 أفلام من بينهم اللي اختشوا ماتوا والبر الثاني وأوشن 14 وتحت الترابيزة وحسن وبقلظ.
بينما يمكن القول إن عام 2017 هو عام الحظ للسينما خارج الكومباوند ففي العام 2017 صدرت أفلام مثل شيخ جاكسون وعلى معزة وإبراهيم وفوتو كوبي وليل داخلي وممنوع الاقتراب أو التصوير ويوم من الأيام وياباني أصلي، مع جواب اعتقال والقرموطي في أرض النار وخير بركة، يبلغ مجموعها 10 أفلام هي الأخرى، وفي 2018 6 أفلام، وفي 2019 فيلمان فقط، وفي 2020 4 أفلام.
تلك هي الأفلام الخارجة عن صيحة سينما الكومباوند، وعن صيحات الكوميديا غير الواقعية او الأفلام الرومانسية، بنظرة سريعة على الأرقام ومتأنية على الأفلام ونوعيتها، ستجد أن السينما المصرية في العشرية الأخيرة بدأت في بدايتها تتجه إلى السينما الشعبية أو ما أطلق عليه في وقت سابق خلطة السبكي، أو تتجه لسينما الكومباوند، ويبدو أنه مع كل النقد والهجوم التي تعرضت له السينما الشعبية أو الخلطة السبكية، وتراجعها في شباك التذاكر، انتصرت سينما الكومباوند في النهاية.
فرص مهدرة
ولكن السؤال الهام، أين تلك الأفلام من أي قضايا اجتماعية تخص تلك الطبقة؟ تلك الأفلام نفسها يمكن عدها على أصابع اليدين، 10 أفلام من إنتاج السينما المصرية، أكثر من 90% من أفلامه كوميدية قضاياها ومواضيعها شخصية بحتة، وكأن السينما المصرية تدفع ثمن سينما الموجة الواقعية الجديدة بأثر رجعي، في الوقت الذي تعطيها التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فرصة ذهبية لعمل سينما واقعية في جميع أشكال السينما، ولكل الطبقات، ولكن لسبب غير معلوم حقًا اتجه الجميع إلى سينما منفصلة بشكل كبير عن واقعها.
الغريب في الأمر أنه مع بداية العشرية الثانية من الألفية، كانت هناك محاولات جادة وجذابة، لأسماء يسهل ربطها بسينما الطبقات المتوسطة، لعل على رأسهم سامح عبدالعزيز، الذي ظل منتصرا للطبقة المتوسطة في أغلب أعماله، كذلك مخرجين مثل إبراهيم البطوط وأيتن أمين وهالة خليل ونادين خان، حتى عائلة دياب خالد ومحمد ورفيقهم عمرو سلامة، جميعهم كانت لديهم فرصة حقيقة لإرساء دعائم تيار سينمائي جديد ومختلف، تيار لديه قضاياه الحقيقية التي يناقشها من مختلف الطبقات والزوايا، والشرائح المجتمعية.
لكن هذا الجيل رفض تلك الفرصة، وبسبب هذا الرفض مجهول الأسباب، دخلت السينما المصرية الكومباوند، وظلت بداخله يفصلها عن الشارع ومشاكله وقضياه سور وأشجار وحراس أمن، بعيدة عنه، بينما هو منبهر بما فيها من صورة متقنة الصنع وقصص خيالية وحياة مخملية، وانتصار الأبطال دائمًا، بينما قضاياه ومشاكله وأزماته تتضاءل في الكادر شيئًا فشيء كأنما يحدث لها إظلام تدريجي.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال