همتك نعدل الكفة
717   مشاهدة  

شاهد مسلسل مدرسة الروابي للبنات مع أبناءك وتعلم ألا تكون نعامة

مدرسة الروابي للبنات
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



منذ أسابيع قليلة وفي جلسة دردشة مسائية مع بناتي اللاتي التحقت إحداهن بالجامعة بينما تنتظر الصغرى نهاية الصيف لتبدأ مرحلة تعليمها الجامعي هي الأخرى، دار الحديث عن سنوات الدراسة المبكرة في مرحلة الروضة وكيف أثر التنمر الذي يحدث بين الأطفال على مسلكهن كلٌ بشكل مختلف، قالت ابنتي الكبرى: الأطفال أشرار، توقفت كثيرًا عند هذه العبارة التي استدركتها ابنتي بأنهم في بعض الأحيان تقصد الأطفال عديمي الإنسانية وعديمي الأخلق ولا حدود للأذى الذي يمكن أن يسببوه للآخرين.

 

تذكرت كيف كنت أحرص على أن تصطحب ابنتي دميتها إلى المدرسة في هذه المرحلة المبكرة حيث كانت تشكو لي أن لا أحد يرغب في صداقتها، لم يكن لدي جواب وقتها يمكنها استيعابه فكيف أخبرها في هذا العمر الصغير أن من لا يرغب في صداقتك عليك بالاستغناء عنه وكنت قد اقترحت عليها أن تصطحب دميتها إلى المدرسة عوضًا عن الأطفال الأشرار لكنني كنت أشعر بألمها كطفلة تعاني الرفض من محيطها ولم تبلغ الخامسة من عمرها بعد، ولقد حمدت الله كثيرًا أنها لم تأخذ العوض من الدمية كما أردت لها بل واجهت الحقيقة بشجاعة غلبت خيالي وظلت تشكو الوضع واسمع لها واعترفت بشرورهم وقبلته.

 

لا أظن أن ما صادفته ابنتي في طفولتها مضى دون أثر لكنني تذكرت أن سيطرتنا نحن الأمهات على مواقف كهذه وأكثر وقدرتنا على حماية أبناءنا هي قدرة وسيطرة محدودة جدًا لذلك صدقت ابنتي عندما قالت “الأطفال أشرار” حيث لا يمكنك مواجهتهم ولا معاقبتهم ولا ردعهم، لكن يمكنك دائمً أن تثق في أبنائك وتمنحهم الحب.

 

شاهدت المسلسل الأردني مدرسة الروابي للبنات عبر منصة نيتفلكس، المسلسل يعرض ضمن ست حلقات مشوقة من سيناريو محكم يتتابع مسرعًا في أحداث مشدودة وغير متوقعة دائماً وضمن حوار شديد الواقعية وشديد الألم؛ ما يجعلك مجبرًا على الضغط على الحلقة التالية ثم التي تليها حتى تجد نفسه في المحطة الأخيرة والتي توقعتها وفق ما قرأته عن المجتمع الأردني لكن المسلسل صاغ النهاية بما يضعنا في مواجهة أنفسنا للحقيقة التي تؤكد أن الجميع ضحايا حتى الظالمين منّا.

 

 

وجه مسلسل مدرسة الروابي للبنات انتقادات متوقعة بالنسبة لي في المجتمع الأردني، الذي رفض المحتوى واعتبره منافيًا للأخلاق بسبب ورود عبارات وأفكار وألفاظ لا تليق بالمجتمع – رغم وجودها في الحياة الحقيقية – قرأت تعليقًا منسوبًا إلى نقيب الفنانين الأردنيين عن رفضه لمحتوى المسلسل بسبب «اعتبارات أخلاقية ومهنية جمة» واعتبره عملًا دراميًا لا يليق بمجتمعه.

 

ضمن متابعتي واهتمامي بوضع المرأة العربية أعلم أن ارتكاب جرائم لشرف في الأردن يأتي في ترتيب متقدم مقارنة بمثيلاتها في الدول العربية حيث يعطي القانون الأردني الحق للأب أو الأخ أو ابن العم وغيرهم في قتل نفس بما حرم الله واستباحة دم المرأة التي يعتبرها ضمن ممتلكاته إن ساوره شك في سلوكها الذي يحصره في علاقتها بأي رجل خارج إطار الزواج.

 

وتظل المرأة “شرف” الرجل الذي يحق له الدفاع عنه بتفاوت من مكان لآخر في واقعنا العربي الحزين وبين القتل وكل سبل التعنيف من الضرب، الحبس، الإجبار على الزواج، إلى الوصم والتضييق والحرمان من اختيار مجال التعليم والتخصص والعمل تظل المرأة العربية تجاهد حتى تكون إنسانًا يحمل أوزاره كما أراد لها الله.

 

لقد نزع مسلسل مدرسة الروابي للبنات عن المرأة تشيئها وصدم النعام بحقيقتها عندما تناول العلاقة بين مراهقات في المرحلة الثانوية لا يبدين قابلات للسيطرة ولا يحلمن بعريس الصالونات الذي حتمًا سينادونه “ابن عمي” كما علمتنا دراما البيئة الشامية.

إن المجتمعات المتخلفة المحكومة بالكذب والإنكار ستوجعها تعرية الحقيقة وحتمًا لن يكون لائقًا لها أن تواجه نفسها بضرورة استحقاق الشرف ونيله بجهدها لا بقمع المرأة وإذلالها، وحرمانها من التجربة ومن الحياة.

 

يقدم المسلسل درسًا تربويًا ثقيلًا ومركزًا غير مباشر لمن يعتبر، فالتضييق يقابله التمرد والخوف يقابله الكذب والقمع الشديد يقابله العنف، والإنكار لا يفيد.

فكثير من تصرفات أبناءنا وبناتنا وتفاعلهم مع العالم الخارجي ورؤيتهم للحياة وتمثلهم بالقيم يأتي انعكاسًا للبيت الذي يحتضنهم والعائلة التي توليهم الثقة وتحبهم وتدعمهم دون شرط.

مدرسة الروابي للبنات

مسلسل مدرسة الروابي للبنات من تأليف وإخراج المخرجة الأردنية تيما الشوملي وبالتعاون مع الكاتبة شيرين كمال وربما حظي المسلسل بمشاهدة وتأثير كبير ليس فقط لكونه عمل درامي متقن وجيد لكن لأنه عمل نسائي بالدرجة الأولى حيث يقدم واقع المرأة باعتباره أولوية التناول فالقصة هي صاحبتها والوجع والشطط لها، البطلات من النساء أمام الكاميرات وخلفها، وهو ما يعتبر مزعجًا وربما مفزعًا في حياة واقعها ذكوري كما هي نصوصها ومسلسلاتها.

 

تناول المسلسل في حلقاته أهم المشكلات التي تعانيها المرأة بتصاعد وصل ذروته بالمشهد الأخير، وأعجبني عمق التناول والتعقيد فلا يوجد مراهق عنيف وعدواني دون سبب يوجعه ويخفيه كما تناول العمل المرأة باعتبارها إنسان كامل على حقيقتها فهي ليست شرًا مطلق ولا خيرًا دائم حيث اتسم بناء شخصيات المسلسل بتأثرهم بالمجتمع والبيئة المحيطة والأسرة بحيث بدت كل شخصية متعددة الجوانب والأبعاد تحمل التناقضات الواقعية بعيدًا عن حدية الأبيض والأسود والطيب والشرير الساذجة التي طالما ضللتنا ببناء صور خيالية عن الحياة والبشر.

 

إقرأ أيضا
منصة تكوين

ظهرت سطوة المجتمع بوضوح وقوة في مشاهد فاصلة يفتح الوحد منها أبوابًا لنيل حقوق تأخرت، تناولها مسلسل مدرسة الروابي للبنات بتركيز جعلني استشعر مع بطلاته الألم الشديد كمن يضغط على إصبع “مدوحس”

فالمجتمع يقهر الفتاة القوية حال تعرضها للتحرش كونها المذنبة والمسئولة عن اعتداء الآخر وعن جرمه وسوء أخلاقه فيجعل المتمردة تبدو كفرخ ضعيف يرتجف ويخفي قصته وهو الضحية، بما يناقض الصورة التي يظهرها في مواقف آمنة.

الأم تنهار من فضيحة لحقت بها وبالأسرة كلها بفعل مؤامرة دُبرت لابنتها فتقف الأم ضد الضحية لأن الكل شاهد رغم أنه متواطئ، لنواجه حقيقة أن حكم الكل يربح أمام البراءة الحقيقية التي لا يعرفها أو لا يريد أن يعترف بها المجتمع، فأمام حكم الناس تصغر قيمة الحقيقة، والسمعة الحسنة هي ما يقولوه الناس عنك وليست ما تكون عليه حقيقتك.

اقرأ أيضا

النمس والإنس .. متى يتوقف شريف عرفة عن التأليف؟

يكمل المسلسل بمشرط الكاتبة الذي يعرف طريقه الصعب بالعروج على تنمر الأهل واعتبار جمال الفتاة الخارجي هو رأس مال الخلاص منها بالزواج ووصم المرض النفسي وبالتبعية اعتبار العلاج فضيحة تستوجب الكتمان، الخوف من التعبير عن النفس والعار المرتبط بالبوح الذي يعزز معه الكبت تمهيدًا لشحن المراهقات بكل مسببات الانفجار وغيرها من المشكلات حتى ظننت أن الكاتبة لم يفوتها موضع ألم إلا ودعسته بقلمها.

مدرسة الروابي للبنات

تحية للبطلات صانعات العمل اللاتي قدموا لنا الدراما كما يجب أن تكون بتفاصيل فنية بديعة وموسيقى دقيقة التلاحم مع العمل كأنما كتبت مع النص يوم ولادته لحظة بلحظة.

ولهؤلاء الذين تزعجهم الحقيقة أقول ابقوا رؤوسكم في الرمال وامضوا كالنعام، أما نحن فماضون إلى النهار بقوة الحقيقة.

 

الكاتب

  • مدرسة الروابي للبنات رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
1
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان