همتك نعدل الكفة
219   مشاهدة  

شلارافيا.. أخوية الصداقة واللعب والفنون

شلارافيا


أثناء عملي البحثي على روايتي عائلة جادو، تعثرت في واحدة من أغرب المحافل الأخوية، شلارافيا Schlaraffia وهي جمعية عالمية ناطقة بالألمانية مضى على تأسيسها ما يفوق المئة وستين عاما على يد فرانز تومي مع مجموعة من الفنانين وأصدقاء الفن والموسيقى والأدب. اللافت أن روحها تكاد تتضاد مع الروح الألمانية المعروفة بالجدية والصرامة.

تأسست Schlaraffia في عام 1859 في براغ (جمهورية التشيك) والتي كانت في ذلك الوقت جزءًا من النظام الملكي النمساوي المجري. كان العامل الدافع وراء إنشائها هو انتشار التعصب بشكل واسع في القرن التاسع عشر. لكن الحدث المؤسس هو منع أحد الأندية الفنية في المدينة والذي يضم أعضاءه نبلاء من الديوان الملكي في هايسبورج، أحد المؤدين المشهورين لعروض السيرك بمسرح براغ الألماني من الانضمام إلى عضوية النادي، مما اعتبره زملاؤه الفنانون الألمان عملا متعجرفا ومتغطرسا من الطبقة العليا، من ذلك الاعتراض ولدت شلارافيا.

شلارافيا

وشلارافيا كلمة بلا معنى، تشير إلى أرض خيالية، كملعب أبدي للرجال الذين يهتمون بالصداقة وينخرطون في روح الدعابة اللطيفة في الفنون بالمعنى الواسع، يؤدي أعضاؤه ما يشبه المسرحية الساخرة من تكبر وسلوكيات البلاط الملكي، لكن الأهم أنهم يسخرون من أنفسهم أيضا، بينما كان أعضاء شلارافيا في البداية من الفنانين تضم اليوم إلى جانب المطربين والممثلين والرسامين، المهندسين والمخترعين وعمال المصانع والمعلمين أيضا، كلهم يتظاهرون بأنهم آخر الفرسان في القرون الوسطى، ولا يأخذون أي شيء على محمل الجد حتى أنفسهم، ومستعدون دائما لتعزيز صداقة بعضهم البعض من خلال بهجة الفن والدعابة اللطيفة.

في عام 1914، قبل بدء الحرب العالمية الأولى صار لشلارافيا 197 فرعا معظمها في ألمانيا والنمسا، وما لا يقل عن 15 فرعا في أمريكا الشمالية ودول أوروبية أخرى مهتمة بمجتمع الفنانين الناطق باللغة الألمانية، لتتطور إلى مجتمع دولي معترف به على نطاق واسع، لكن الحرب غيرت هذه الصورة المشرقة، أغلقت العديد من الفروع في أوروبا بعد الحرب، وخارجها لأسباب سياسية.

شلارافيا

ومع ذلك، فإن المثل العليا لشلارافيا تحدت السياسة، وعاد المجتمع للنمو من جديد في الفترة بين عامي 1919 و1937 إلى أكثر من 100 فرع، خاصة في ألمانيا ودول أوروبا الشرقية، وبالطبع واجهت مشاكل مع هتلر الذي دمر كتبهم وقاعاتهم، وحل جميع فروعهم في ألمانيا والنمسا، بعد أن تحايلوا على طلبه بطرد أعضائها اليهود، فأرسلوا لهم رسالة: لم تعودوا أعضاء رسميين في شلارافيا، لكن سننتظركم كالعادة، ليلة الاثنين”، لكن ظلت الفروع في سويسرا وأمريكا الشمالية والجنوبية موجودة وواصلت اجتماعاتها بانتظام، بينما عادت فروع ألمانيا للعمل في منتصف السبعينات، وقد حافظت على تعاليم مؤسسيها لا أهمية للديانة أو التوجه السياسي.

في حوار أدلى به أحد الأعضاء إلى نيويورك تايمز، واصفا الأخوية القائمة على اللعب وتقبل الناس كما هم:

“عندما قدمت إلى هنا، لم أكن أجيد العزف أو قول الشعر أو الخطب الحماسية ولم أكن بارعا في أي فن، لكن فجأة سواء في الموسيقى أو مختلف الفنون تكتشف هنا أنك قادر على أداء أشياء لم تكن تظن أنك ستفعلها يوما ما”

شلارافيا

الجميل في شلارافيا أنها ليست جمعية سرية، وباستثناء أنها ما زالت قاصرة على الرجال فلا شيء يمنع الانضمام إليها، الشروط هي التحلي بروح الدعابة.

يجتمع أعضاء شلارافيا مرة واحدة كل أسبوع من أكتوبر حتى إبريل، في مكان يسمونه القلعة، يرتدون عباءات ملونة مغطاة ببقع ملونة، ويلفون وشاحا مغطى بدبابيس معدنية صغيرة على أكتافهم، وقلنسوة مهرج على رؤوسهم، ويشاركون في مسرحية مليئة بالحركة المرحة والحوار الفكاهي، تتبع المسرحية 4 مكونات رئيسية تشكل قيم شلارافيا:

المكون الأول: تبادل العطاء.

لكل عضو الفرصة في إظهار هواياته ومواهبة، سواء رسم لوحة أو العزف على آلة موسيقية أو تلاوة قصيدة أو التحدث عن موضوع علمي مثير للاهتمام، لغرض إسعاد الأعضاء الآخرين وتوسع معارفهم وعقولهم، من خلال تبادل ذلك العطاء والذي يحدث بأعلى درجة ممكنة من التسامح والتفاهم المتبادل والتشجيع، وشكر الجمهور عبر التعليقات المرحة والتصفيق لما يقدم سواء كان لمحترف أو غير محترف.

إقرأ أيضا
التأمينات في التسعينات

المكون الثاني: لعبة الفروسية.

تتضمن المسرحية محاكاة ساخرة للعصور الوسطى ومن طقوس البلاط في القرن التاسع عشر والسخرية من السلطات والنبلاء، حيث يلتقي أعضاء شلارافيا وهم يرتدون أزياء فرسان القرون الوسطى وقد طوروا لغة زائفة خاصة بتلك الفترة، ويطلقون على أنفسهم أسماء مضحكة وغامضة تصف السمات الشخصية أو الصفات أو المواهب، يحملون خناجر وسيوفاً خشبية ويتبارزون.

المكوّن الثالث: الفنون والفكاهة.

فضلا عن المشاركة بالمواهب الفنية من الأعضاء دون أحكام على ما يقدمونه، فالفكاهة أيضا تعتمد على روح الدعابة أكثر من إلقاء النكات دون إساءة، وتعتمد أكثر على الذكاء والبديهة الحاضرة.

المكون الرابع: الصداقة.

العنصر الأكثر أهمية هو الصداقة، في بداية شلارافيا كانت العروض الفنية تقدم من خلال فنانين محترفين، ثم انضم الهواة بعد ذلك، لذا ظل المستوى الفني متأرجحا ما بين عروض ممتازة وسيئة ورغم أن الأمر نفسه ينطبق على عروض المحترفين، ولكن بفضل رابطة الصداقة فدائما هناك تصفيق للمحاولة بغض النظر عن مستوى العرض، مما يشجع الجميع على تقديم ما لديهم حتى مع المخاطرة بخداع الذات.

كذلك يعرف أي عضو في شلارافيا أن بإمكانه زيارة أي فرع للأخوية في العالم، وأنه سيتم الترحيب به وتكريمه كصديق عزيز قديم، حتى لو لم يقابل أي منهم من قبل.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان