“شَحّت سيدك”.. عن صورة الشخصية التركية في الرواية المصرية
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يعكس الأدب ما في ضمائر الشعوب من صور وعواطف واتجاهات، وتعد رواية ( حديث عيسى بن هشام ) و رواية ( الانقلاب العثماني) ، ورواية ( عودة الروح) من أكثر الروايات العربية تجسيمًا لصورة الإنساني التركي في مظاهره المتعددة لاسيما وقت إجهاد الخلافة العثمانية.
الوجه التركي بين القديم والحديث
صورة التركي قديمًا كما يقول الجاحظ : والأتراك قوم لا يعرفون الملق و لا الخلابة ولا النفاق ولا التصنع ولا النميمة ولا الرياء ولا البذخ على الأولياء ولا البغي على الخلطاء ولا يعرفون البدع ولا تفسدهم الأهواء ولا يستحلون الأموال على التأول، يحبون وطنهم وشدة الإلف للعادة ” .
ظلت هذه الصورة التي رسمها الجاحظ قائمة في أذهان العرب بل زادت رسوخًا بعد إقامة الإمبراطورية العثمانية، حتى عد انتصارات الجيش العثماني في أوروبا انتصارًا لهم فافتخروا بها في أشعارهم كما افتخر الترك.
وفي العصر الحديث أصبحت الصورة مغايرة تمامًا في أذهان العربي عما كانت عليه قديمًا ، فالوجه التركي اليوم في أذهان العامة، وجه مشوه ظهر هذا في الأمثال الشعبية التي يتندر بها المصريون على سبيل المثال ومن بعض هذه الأمثال :
ـ يقال أن تركي أفلس ولم يعد له من يأمره فاشترى مجموعة من القلل وملأها ماء ليسقي الناس مجانًا في الشارع، لكن كلما جاء أحد المارة يشرب، أمره أن يشرب من هذه القلل، فإذا قربها من فمه صاح فيه التركي دع هذه القلة واشرب من تلك ..وهكذا أخذ التركي يرضي نزعته في الأمر والنهي .
ـ يحكى أن تركي أفلس ولم يجد وسيلة يقتات سوى أن يندس بين شحاذي سيدنا الحسين ، لكنه كلما فوجئ بفلاح داخل إلى المقام صاح فيه بكبرياء” شحت سيدك” .. وغيرها من الأمثلة .
الرواية العربية والوجه التركي
منذ سقوط الخلافة العثمانية وما بعد سقوطها بقليل، كانت هناك أعمال روائية تناولت الشخصية التركية على اعتبار أن هذه الشخصية كانت حينها جزءً من تركيبة المجتمع العربي والمصري، و منهم من كان في مناصب سياسية، أو من أصحاب النفوذ والثورة أو شخصًا عاديًا بين طبقات المجتمع العربي، وقد كانت هناك عدد من الروايات التي رسمت هذه الشخصية ومنها رواية ” فتاة الأناضول” لجورجي زيدان ” تحت راية مصطفى كمال ” وفرعان العرب عند الترك” و وجمعية إخوان العهد” و ورواية ” حديث الروح” وغيرهم الكثير.
هذه الروايات كانت هي النواة التي انبثقت منها صورة الشخصية التركية في الأدب العربي، ذلك أنها كانت شخصية واضحة المعامل يُعرف أنسابها، لم تنصهر انصهارًا كاملًا في المجتمع، هذه الصورة امتدت للرواية في وقتنا الحالي، وكانت الشخصية التركية ما هي إلا صورة تاريخية مُستمدة من هذه الروايات .
لتوضيح تلك الصورة نسلط الضوء على شخصيات ثلاثة هما شخصية :
أحمد باشا المنيكلي” بطل رواية حديث عيسى بن هشام و شخصية السلطان عبد الحميد الثاني بطل رواية الانقلاب العثماني” و الشخصية الثالثة هي شخصية “أم محسن” في رواية عودة الروح .
أولًا شخصية أحمد المنيكلي:
حديث عيسى بن هشام للكاتب المصري محمد المويلحي، وهي رواية كُتبت في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وهي رواية أقرب للمقامة أو القصة الخيالية منها إلى الرواية الفنية. تقوم الرواية اختصارًا على أن عيسى بن هشام كان نائمًا في المقابر يتلمس موطن الاعتبار ، وأن قبرًا قد انشق وخرج منه رجل غريب تبين فيمَا بعد أنه أحمد باشا المنيكلي ناظر الجهادية في عهد محمد علي.
استمد ” المويلحي ” قصته التي قامت على إحياء الموتى بهدف إصلاحي وعظي يدعوا فيه إلى الأخذ من أخلاقيات المدينة الغربية ولكن باعتدال مع الحفاظ على القيم الشرقية، وقد اتخذ النموذج التركي الأصيل في رجل ميت عاد من مقبرته في الأحلام فقط اعترافًا بأن هذه الأخلاقيات التي يمثلها أحمد باشا المنيكلي أي الأخلاق التركية قد ماتت في المجتمع المصري، وأن الدعوة إليها دعوة إلى إحياء الموتى.
أساليب رسم الشخصية التركية المحافظة في المجتمع المصري كما صورها ” المويلحي ” في شخصية أحمد باشا المنيكلي في التالي :
ـ البنية الجسدية للتركي في مصر ومنها طول القامة وسيم نبيل يُرى عليه أثر النعمة عليه .
ـ اختلاط الألفاظ التركية بالألفاظ والتراكيب العربية عند الحديث.
ـ الاغترار بالنفس التمسك بالمظاهر والرغبة فباستخدام الخدم والأعوان فلا يجوز أن يحدثه الناس إلا من موقع الرهبة والخوف.
ـ يستخدم اللغة بديلًا عن الأفعال فإذا أراد أن ينجز عملًا فلا يتحرك لفعله بل يصدر أوامره لمن يُنجزه بدلًا منه.
ـ سرعة الغضب وضيق الصدر فيعاقب لأقل لسبب.
ـ الشغف بالحروب وبأخبارها وركوب الخيل وحمل السلاح.
ـ من السهل خداعه وإغضابه وإرضاؤه فهو يغضب بكلمة ويرضى بكلمة وسرعة التصديق .
ـ جمع الأموال بكل وسيلة واستخدام كل الإمكانات في ذلك واستخدام كرسي الحكم للوصول إلى الغرض المنشود، و جباية الأموال بحيل شرعية وغير شرعية .
النموذج الثاني : السلطان عبد الحميد الثاني
النموذج السلطان عبد الحميد الثاني في رواية ” الانقلاب العثماني” لجورجي زيدان ، وقد كُتبت هذه الرواية في عام 1911م، أي في نفس الفترة التي كتبت فيه رواية حديث عيسى بن هشام ، وتدور أحداث الرواية في تركيا في الفترة التي دبر فيها الاتحاديون للإطاحة بالسلطان عبد الحميد، ثم إتمام عزله عن السلطة، وجاءت شخصية السلطان عبد الحميد كما صورها جورجي زيدان فيمَا يلي :
ـ عصر السلطان عبد الحميد عصر استبداد يكبت الحريات يضيق عليهم في معيشتهم
ـ يعتمد عصره على الظلم والنهب والسلب والمؤامرات ويستخدم أسوأ الناس لتبوء المناصب المرموقة
ـ السلطان كان طاغيًا سفاحًا يبطش بمعارضيه حتى الموت.
ـ ينفق الأموال الطائلة لحماية نفسه في حين يهمل مرافق الدولة.
ـ لا يذوق حلاوة النوم من الأرق والهواجس المزعجة ويقضي ليله في قراءة التقارير السرية.
ـ نحيف الجسد عصبي مزعج وفي شيخوخته سوداوي المزاج
ـ يضع قانون يحيط بكل العائلة حتى مع أبنائه وزوجاته ومن يخالف فيعاقب عقاب عسير.
ـ لا يقتنع بأي نظرية سياسية في الحكم سوى نظرية ” ميكافيلي” التي تبيح القتل في سبيل الاحتفاظ بالسلطة.
تحامل ” جورجي زيدان” على الشخصية التركية من خلال عرضه لشخصية ” السلطان عبد الحميد”، فشوه صورته بالكلية ولم يرسم صورة فنية تعبر عن الشخصية التركية أو عن السلطان عبد الحميد على اعتبار اختياره المنهج التاريخي في السرد، وقد تغيرت صورة التركي بعض الشيء لكن ما زالت تحافظ على النرجسية التي تتمتع بها في رواية حديث الروح لتوفيق الحكيم.
بعد انصهار الشخصية التركية في المجتمع المصري، عبر عنها ” توفيق الحكيم ” في روايته ” حديث الروح” عن طريق شخصية ” أم محسن” فهي امرأة مصرية من أصول تركية، ولعل رواية توفيق الحكيم من لناحية الفنية هي الأكثر نضجًا عن الروايتين السابقتين واعتمدت على الموقف الفكري الذي آمن به واعتمد عليه توفيق الحكيم ، ويجدر الإشارة هنا إلا أنه شخصية محسن هي شخصية ” توفيق الحكيم نفسه” وجاءت صورة الشخصية في التالي:
ـ الصورة الثانية فيصورها الحكيم خلال العلاقة التي نشأت بين هذه الوالدة التركية و شخلع العالمة المشهورة.
ـ الصورة الثالثة تصور أم محسن الزوجة التركية المتزوجة من فلاح هذه الصورة هي الصورة المنصهر فيها الشخصية التركية بالمصري الفلاح.
ـ الصورة الأولى وهي طفلة صغيرة ويجعل هذه الصورة مرسومة على لسان “أم ثنية” فهي شخصية سلطوية يخاف منها الأطفال تلبس ملابس عكس أصدقائها.
يُلاحظ من خلال العرض السابق للثلاث نماذج إن الشخصية التركية سواء في الأذهان أو في الرواية احتفظت بسمات وخصائص مشينة كالعند والصلف والكبر، مما جعل الصورة لا تبدو واقعية،ويعود ذلك لسببين :
الأول : إن فن الرواية في الوطن العربي في بداية عهده كان يعتمد على التضخيم والتهويل في الصفات التي تتحلى بها النماذج القصصية مثل ما جاء في شخصية السلطان عبد الحميد ، و أحمد باشا المنيكلي.
الثاني: الأدب العربي بل الثقافة العربية أُصيبت بمفهومين براقين، المفهوم الأول هو “الإصلاح” و المفهوم الثاني هو ” التنوير” مثل ما جاء في الصور الثلاثة لشخصية ” أم محسن” .
اقرأ أيضًا : رواية السلطان .. حينما يمتزج التاريخ بين الواقع والخيال
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال