همتك نعدل الكفة
2٬602   مشاهدة  

صديقي نادر ..نحن جميعا أموات!

نادر


صديقي نادر ..

ازيك؟ مبسوط؟، أتمنى أن تكون كذلك، أكتب إليك وأنت لا تعرفني وأنا أيضا لم أكن أعرفك، حتى أمس، بالمناسبة أكتب إليك وأنا استمع لموسيقى إبراهيم معلوف التي تحبها، وبالصدفة أنا أيضا أحبه، أعتقد أننا كنا سنصير أصدقاء لو كانت الصدفة جمعتنا يوما ما، وأننا كنا سنحضر لمعلوف حفلة لن تنساها.

أعتقد أن علامات الدهشة الآن تملأ وجهك وأنت تسأل من أين عرفت أنك تحب معلوف، والإجابة أنني تصفحت بروفيلك على الفيسوك ورأيت أنه الفنان الذي دوامت على سماع موسيقاه، أنا مثلك يا صديقي احب الموسيقى أكثر من الاغاني، ربما لأن الموسيقى تستطيع أن تعبرعن ماداخلنا وقتما يعجز الكلام ..أعرف ذلك الشعور جيدا.

على بروفيلك ايضا رأيت الكثير من الكوميكس المضحكة، لم أتوقع أن يكون بروفيلك مليئ بالحزن والبؤس ومناجات الأصدقاء للوقوف بجانبك مثلما توقع الكثيرون، أعلم تماما أن هناك أحزانا أكبر وأعمق من أننا نصرح أنها أصابت قلبنا، هناك أحزان إذا وصفناها ابتذلناها وابتذلنا تأثيرها، تلك الأحزان التي تعتصر روحنا في صمت، فتسيطر علينا ولا نستطيع أن نسيطر عليها، لا يملك الإنسان وقتها سوى التقوقع، لأن لا أحد سيفهمه أو يشعر به، تأبى كرامة المهزوم من الدنيا أن يعترف بالهزيمة، يخبر من حوله بأنه بخير.. كل من انتحروا قالو لمن حولهم قبلها بخمس دقائق أنهم بخير!

آسف يا نادر أنني أراك لأول مرة فى حياتى في ذلك المشهد المتداول، رأيتك في نسختك الأخيرة، لا أعرف ما كل الذي مررت به حتى يكون ذلك المشهد الذي تختاره لتنهي به رحلتك، ولكن المؤكد أنك لم تريد الموت بقدر ما أردت أن ينتهي كل ذلك الألم وأتمنى أن يكون أنتهى وأن تكون قد ارتحت.

 

عزيزي نادر، كتب ماركيز قصة قصيرة اسمها المأساة، حكى فيها قصة يائس ألقى بنفسه من الطابق العاشر إلى الشارع، وبينما كان يهوي رأى من النوافذ حياة جيرانه الحميمة، مآسيهم المنزلية الصغيرة، الغراميات، لحظات السعادة القصيرة، وكل تلك الأمور التي لم تكن تصل إليه، وعندما ارتطم جسده بالأرض اكتشف أن تلك الحياة التي غادرها للأبد كانت تستحق أن تعاش.

ثمة اختلاف بين قصته وقصتك يا نادر، الرجل اكتشف أن هناك حياة بعد فوات الآوان، بينما أنت اعطتك الحياة فرصة ووعلقت ملابسك بالسور الحديدي لكي تمسك فيك ولكنك اصررت على الرحيل، مد لك أحدهم يده لينقذك ولكنك استغنيت، يا ترى ما هو حجم الألم الذي تحمله بقلبك يا صديقي لدرجة أنه لم يخيفك القفز من أعلى كل تلك المسافة وخفت من العودة للعيش معنا؟

لا أعرف هل فكرت في الانتحار من قبل أم لا، هل خططت للقفز أصلا أم لا، ولكن  متأكد أنك رأيت العالم بشكل مختلف من فوق البرج، رأيت كل شيئا كان كبيرا مجرد شيء تافه وصغير وحقير، رأيت الحياة على حقيقتها دون فلاتر، رأيت بكل شجاعة أن تلك الحياة السخيفة التى نتصارع فيها لا تلزمك بعد الآن.

هل تتخيل يا نادر أنه حتى بعد رحيلك لم يرحمك الناس؟، هل تتخيل أن هناك ناس يحاكمونك الآن ويخمنون مصيرك هل سيكون بالجنة أم النار على أساس أنهم يملكون تذاكر الجنة، هل تتخيل يا نادر أن صورك الأن تملأ مواقع التواصل الاجتماعي وأنك اصبحت حديث ناس رغم أنهم لم يبتسموا يوما في وجهك، في وقت كانت تلك الابتسامة قد تعيد لك الأمل في الحياة، أنا عن نفسي غير مندهش، لأننا نفضل – نحن البشر – أن نرمي الورود على القبورعلى أن نضعها في يد من نحب.

لا ألومك ولا ألومهم، نحن جميعا أموات، الفارق بيننا وبينك أنك في عالم آخر رحيم، أما نحن فيجب علينا مواصلة الصراع والشقاء والموت في مجمتع صعب بكل ظروفه وبشره، مجمتع يحاول أن يفيق من غيبوبته الآن بعد رحيلك بهاشتاج ” لو مكتئب أدخل كلمني” وأراهنك أنه بعد يومين فقط سنعود لنفس قسوتنا وتنمرنا واحتقارنا لأي شخص يعانى من مشكلة لمجرد أننا لا نعاني منها.

إقرأ أيضا
سميح ساويرس

صديقي نادر، أنا أيضا وحيد مثلك ، تزورني الميول الانتحارية كل فترة، أقاومها حتى الآن، ولكنها قد تنتصر، وقتها أتمنى أن يكتب احدهم لي خطاباً مثل هذا يخبرني فيه أنه كان يتمنى أن نصير أصدقاء.

سلاما واجبا لروحك، ولروح كل إنسان مات من الوحدة والغربة ..وسيموت.

إلى أن نلتقي ..

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
10
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (3)
  • أنا مش لاقية تعليق اقوله بصراحة يليق بالموقف دا ومش قادرة اتخيل ان اللي بينتحروا دول ناس عارفين كويس انهم بيخالفوا أمر ربنا وممكن فعلا يكون مصيرهم في النار لأنهم لو مدركين دا مش هياخدوا الخطوة دي أبدا ….. الاكتئاب والأمراض النفسية فعلا قاتلة وأكيد هي اللي بتسيطر عليهم وعلي تفكيرهم وبيكونوا مغيبين وقت ما بيعملوا دا وربنا أكيد هو العالم بيهم وبحالهم وأرحم بيهم من نفسهم …. الفكرة بس إن الواحد يكون عنده ثقة في ربنا ولا ييأس من رحمته لأن اليأس من رحمة ربنا دا هو الحرام بعينه … نتمنى من الله أنه وقت ما فارق الدنيا الكئيبة دي يكون شاف رحمة ربنا اللي كان عاوز يهرب عليها ربنا يرحمه ويغفر له ويتجاوز عنه وعن ناس كتير زيه مروا باللي هو شافه … وأتمنى من الله ان الميول الانتحارية تبطل تزورك كمان … مصر محتاجالك يا مصطفى … اوعاك ييجي عليك يوم وتيأس فيه من رحمة ربنا فهو جل جلاله أقرب إليك من حبل الوريد ……. دمت بخير

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان