طارق مدكور وحميد الشاعري ولعبة الكراسي الموسيقية .. الجزء الأخير
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
بعد النجاح المدوي لأغنية “نور العين” التي وزعها حميد الشاعري دخلت الأغنية المصرية في النصف الثاني من التسعينات منعطف جديد تمامًا، لم تعد المسألة مقتصرة على النجاح المحلي فقط، فأصبح الكل عينه على تسويق موسيقاه واغانيه خارج حدودنا العربية وبدأ الهوس بالعالمية يطرق باب الكثيرين.
لم يؤثر النجاح في شكل الأغنية السائد وقتها وحسب، بل شكل مجد حميد الثاني بعد مجده السابق في لولاكي وأن أختلف النجاح هنا، ونجح في إثبات انه قادر على التلاعب بالسوق الغنائي وجعله يسير في ركاب أفكاره الموسيقية كما فعل من قبل، وركز حميد خطته الجديدة على صنع مزيج مابين الشرق والغرب و تقلصت إدوار المقسوم كثيرًا الذي بدا وكأنه في خريف عصره الذهبي.
“عيني ومقسوم حميد الجديد”
بعد نور العين حاول عمرو دياب أن يعلي من أجره فاتفق على الانفصال بالتراضي عن “عالم الفن” متعللًا بأنه سينتج ألبوماته بنفسه، وتفاجئ “محسن جابر” بعودته إلي “صوت الدلتا” التي ماطلته في أجره الجديد وتلكأت في إنتاج ألبومه فتوقف عامًا كاملًا، ووقع جابر مع حميد الشاعري المطرب ليصدر ألبوم “عيني” وهي الديو الذي جمعه بأحد الرفاق القدامى “هشام عباس” و واصل اكتساح السوق ولكن بصوته هذه المرة.
عاد حميد للمقسوم الإيقاع المفضل له؛ ولكن هذه المرة بشكل جديد مطعم بمؤثرات ركبها بنفسه حتى صار الإيقاع الجديد يدمج داخل المكتبة الصوتية والاورغات الحديثة بأسمه، بدأ حميد يلاعب السوق الغنائي بحق فتارة يصنع قنبلة غربية في “نور العين” ثم يجرب مقسومًا جديدًا في “يا ليلة ” لهشام عباس و”عيني” ويجرب داخل ألبومه أنماط وأشكال جديد، بدا حميد انضج واجرأ، ولم يلتفت لمن اتهموا “عنتر هلال” بسرقة لحن “عيني” من “الويل الويل” لعبد الحليم مفضلًا عدم الدخول في معارك تاركًا “عنتر هلال” يحل معضلة الإتهام بنفسه.
من ناحية أخرى ظهر مدكور بشكل خافت قليلًا وأن ترك إنطباعًا جيدًا في ألبوم مصطفى قمر “طال الليل” والذي حاول فيه هو الأخر أن يطور من أفكاره الموسيقية، نجح مدكور في أن يحاول أن يبتعد قليلًا عن المقسوم وان يتحول إلي الأغاني الدرامية التي تتطلب توزيعات ثقيلة بعض الشئ فظهرت “ع البحر” كدرة أعماله هذه السنة
عودوني والعالمية تطرق الأبواب.
تم تسوية الخلاف بين دياب وجابر و صوت الدلتا بأن تتولى الأخيرة توزيع الألبوم الجديد تجاريًا داخل مصر وخارجيًا “عالم الفن” وظهر للنور ألبوم “عودوني” والذي تزامن مع تسلم عمرو جائزة الميوزيك أوورد كأكثر المطربين مبيعًا في الشرق الأوسط.
جرب حميد في “عودوني” عدة أشكال موسيقية وكأنه واثق من النجاح وبدأ حميد يتجه نحو الموسيقى اللاتينية أكثر ، ونجحت أغنيات كثيرة داخل الألبوم مثل “ليالي العمر” و“ناري ناري” وقدم لأول مرة الملحن الشاب “محمد رحيم” في الأغنية الرائعة “وغلاوتك”.
في نفس السنة توسعت نشاطات حميد فعاد للتعاون مع بعض أصدقائه القدامى فوزع “سهران” ايهاب توفيق “السود عيونه” مصطفى قمر ثم فاجئ الجميع بتوزيع ألبوم فارس في ألبوم”تاني” وهي الدويتو الذي أوحت كلامها بتصفية حميد خلافاته مع رفقاء الدرب، وبدأ في الإعتماد على أكثر مدرسة موسيقية أغلبها لاتيني ويضيف عليها أفكاره بل وكان يكرر نفس الشكل في عدة أغنيات متفرقة مثلما فعل في التوزيع الثاني لأغنية “يا هاجري” لذكرى والتي خرجت بنفس استايل “تاني” .
لم يكن عودوني هو الحدث الأبرز في تلك السنة، فمعه ظهر أوبريت الحلم العربي والذي أعلن فيه تصفية الخلاف بين حميد وحلمي بكر الذي تولى تلحين الأوبريت مع الملحن صلاح الشرنوبي وتولي حميد توزيعه صحبة يحي الموجي، وخرج حميد منتصرًا كعادته بعد إنتشار الأوبريت بشكل مسبوق في الوطن العربي.
على الطرف الأخر دخل مدكور في وعكة صحية أبعدته شهور عن العمل وأن كان الحدث الأبرز له هو الظهور سينمائيًا لأول مرة بتوزيعه لأغنيات فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” لهنيدي و“بنلف” مصطفى قمر في فيلم “البطل” ، و ألبوم محي “شارع الهوي” بثلاث أغنيات والتي حاول فيها تجريب فيه مقسوم جديد هو الأخر
الحياة على الطرف الآخر من النهر.
من الإتهامات التي لازمت حميد قبل إيقافه هي أن الأصوات التي اكتشفها كلها أصوات ضعيفة تؤدي ولا تطرب، رغم تعامله مع أصوات اكتشفها ملحن بقيمة “عمار الشريعي” بل وكان سببًا في نجاحهم الكبير، لكن وبرغم ذلك ظل الإتهام يلاحقة كثيرًا حتي تفاجئ الجميع بتعامل حميد مع “محمد الحلو” في اغنية “ناويلي” و مدحت صالح في أغنيات “قلبي داب” “تعالى” ” قولولها” وهما الصوتين المحسوبين على تيار الغناء الطربي والذان كان يقدمان شكلًا مختلفًا عما يقدمه حميد عبر موسيقي الجيل، وشكلت عودته انفتاحه على كافة التجارب التي كانت تقع على الطرف الآخر من نهر الموسيقى.
مدكور ودياب وحميد وصراع الجولة الأخيرة
منذ ألبوم ميال الصادر في عام 88 لم يظهر اسم مدكور وحميد كموزعين في ألبوم لعمرو دياب حتي جاء ألبوم “قمرين” ليعلن وجودهما معًا مرة أخرى، جاءت أغنية “قمرين” لتعلن بداية مرحلة جديدة في حياة مدكور الذي استحوذ على أغلب أغنيات الألبوم وظهر حميد باهتًا بمقسومه القديم في حين كان مدكور متطورًا أكثر يتابع بتكنولوجيا احدث باستعماله مؤثر صوتي جديد “أوتو تيون” في أغنية “أنا” ثم حسم الصراع تمامًا بأغنية “خليك فاكرني” .وهي الأغنية السلو في الألبوم والذي سيكرر نمطها عمرو في ألبوماته لاحقًا.
مثلما شكلت نور العيون وعودوني نقلة في حياة حميد جاءت قمرين لتنقل مدكور إلي مرحلة صعود جديد له لكي يصبح نجمًا يتداول اسمه الجمهور، توالت النجاحات بعدها في “تملي معاك” ثم “أكتر واحد بيحبك” وبدأ المرحلة أن الهدف لم يعد الجمهور المحلي بل الخروج بموسيقانا لتسويقها في اوروبا وامريكا، ونجح عمرو في الحصول على الميوزيك أوورد للمرة الثانية بأغنية “حبيبي ولا على باله” والتي بدأ معها مدكور في تطوير شكل جديد يجمع بين التكنو والترانس ودمجها مع الشرقي.
بعد قمرين وخلافه مع عمرو دياب قرر حميد نقل نشاطه إلي الدول العربية فتعامل مع العديد من الأصوات فيها وظهرت توزيعاته على ألبومات مايا نصري ومحمد المازم وألين خلف و وزع “سيدي منصور” صابر الرباعي “روحي”و”ياحبيبي” سميرة سعيد.
من يضحك أخيرًا.
في بداية الألفينات دانت السيطرة لمدكور الذي بدأ يقود الموجة الجديدة والتي ستغير ملامح الأغنية المصرية، منها التجربة المهمة جدًا مع سميرة سعيد في ألبوم “يوم ورا يوم” وتجاور اسمه مع حميد في عدة ألبومات مثل “حبيبى ده” لهشام عباس، “اللي اتمنيته” نوال الزغبي “منايا” مصطفى قمر ونجحت تجاربه أكثر خصوصًا أنه كان قادرًا على مواكبة تطور الموسيقى في العالم.
ثم قدم اكتشافه المهم “محمد حماقي” والذي نجح في أن ينتزع لنفسه مكانا وسط كوكبة من المطربين بألبومه الأول “خلينا نعيش” وقدم له مدكور ثلاثة ألحان دفعة واحدة لأول مرة منها الأغنية الأشهر في الألبوم “بتضحك” وعاد للتعاون مع عمرو دياب في ألبوم كمل كلامك وواصل النجاحات تلو الأخرى خصوصًا بعد أن قام بتلحين “آه ونص” و“يا طبطب وادلع” أشهر أغاني نانسي في ذلك الوقت “
عاد حميد للمقسوم مرة أخرى ونجح في أن يلفت الأنظار بأغنية “الله عليك ياسيدي” لإيهاب توفيق، ثم قد أولى تجارب المطرب الشاب “هيثم شاكر ” في ألبوم “خليك جنبي” وهو الألبوم الذي فجر جدل هل عاد حميد لتكرار نفسه بشكل موسيقاه القديم وهل استسهل في الإخراج الموسيقي للألبوم الذي ظهر وكأنه موضة قديمة عكس ماكانت تسبح فيه الأغنية، لكن سرعان ما توازن قليًلا بعد أن أصدر ألبومه الأخير “روح السمارة الذي كتب فيه لأول مرة على أغلفة الألبوم نوع الموسيقي المستخدم أمام كل أغنية.
حسم الصراع مع منتصف الألفية بتألق مدكور الذي واصل النجاح تلو الأخر ، بل أن البعض كان يفضل أسلوبه اكثر من حميد الذي رفضت له عدة أغنيات ظهرت لاحقًا بتوزيع مدكور منها لسه حبايب لمصطفى قمر .
وجهان لعملة واحدة.
في التسعينات كانت ناجحات حميد لا ينكرها أحد ونجح في وضع الأغنية المصرية المعاصرة في مسار جديد تمامًا، طالته بعض الإنتقادات ودخل في بعض المعارك الفنية وخرج من أغلبها منتصرًا لكنه يبدو أنه ومع منتصف العقد الثاني من بداية الألفينات فقد الشغف تمامًا ولم يعد حميد الذي كان يوجه ذائقة الجمهور لموسيقاه، وتوقف عن مواكبة ما يحدث ولم يعد كما كان في السابق الكابو الذي يلتف حوله الجميع، اما مدكور فبنى مسيرة فنية مهمة وعلى مهل نجح في إنتزاع الصدارة مرات قليلة في التسعينات ودانت له السيطرة الكاملة في الألفينات، شكلت بداية الألفينات مرحلة غربلة واضحة لكثير من الأسماء التي لم تستطع ان تواكب التطور السريع في المشهد الموسيقي العربي،
لم تكن مقارنة بين أثنان من أهم موسيقيين مصر ولكنها كانت سرد مسيرة وجهي العملة الواحدة اللذان قادا الأغنية المصرية في مرحلة لم يتم نقدها بشكل موضوعي حتى الأن، والجميل في الإثنان أن الصراع بينهما لم يصل إلى خلاف كبير تتغذى عليه صحف النميمة والإثارة بل كان صراع بين موهبتين قررا ان يردا من خلال فنهم وحسب.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال