عبد الفتاح القصري .. أول من عاقبه الشغف بالخيانة
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الرطوبة تأكل الجسد قبل الحوائط في تلك الغرفة الصغيرة التي يسكنها تحت “بير السلم” في حي الشرابية، فقدان البصر زاد من إحساسه بالرطوبة، وعندما اشتد المرض كان هناك في القسم الخيري المجاني بمستشفى المبرة فاقداً للذاكرة بجانب النظر.
لم يدرك قط سبب تلك الضحكات التي تتوالى من الممرضين والأطباء بمجرد الاقتراب من فراشه، بالتأكيد كانت تغضبه لأنه لم يدرك سببها الذي لو أدركه لربما شعر بالسعادة، إنه عبد الفتاح القصري نجم الكوميديا العظيم الذي أفلس وفقد بصره بعد إصابته بالزهري وتخلت عنه زوجته الأخيرة بعدما استولت على كل أملاكه لينتهي حزيناً معدماً وما كان يستحق.
البداية
جواهرجي ثري لديه طفل وحيد يحلم بأن يرث ثروته وتجارته، يدخله مدارس “الفرير” من أجل اتقان اللغة الفرنسية التي يتعامل بها مع زبائنها الطبقة العليا من المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين.
عبد الفتاح القصري المولود في ١٥ أبريل ١٩٠٥ يقع مهووساً في حب التمثيل، يلتحق بفرقة عبد الرحمن رشدي ثم فرقة نجيب الريحاني ثم بفرقة إسماعيل ياسين.
كانت النتيجة حرمانه من الميراث، كانت البداية دالة على النهاية، عليه أن يتبع ما يحب حتى لو فقد كل شيء.
عبد الفتاح القصري
لعب باقتدار أدوار المعلم ابن البلد غير المتعلم، ترك القصري علامات في تاريخ السينما مثل دوره في فيلم ابن حميدو مع الفنان إسماعيل ياسين وأحمد رمزي وزينات صدقي وهند رستم، حيث لعب دور “المعلم حنفي شيخ الصيادين” ..
المدهش أن أخر أدواره في الشاشة الفضية كان دور “المعلم شاهين زلط” في فيلم “سكر هانم” مع عبد المنعم إبراهيم وكمال الشناوي وحسن فايق وسامية جمال، وكأن القصري يودع نفسه بدور لا ينسى عام ١٩٦٠ وقبل وفاته بأربعة سنوات كاملة..
النهاية
“أنا مش شايف”
يسقط الجمهور من الضحك، ترتج خشبة المسرح بالتصفيق، يصرخ الرجل مرة أخرى “أنا مش شايف” يواصل الجمهور الضحك دون توقف، وحده إسماعيل ياسين يشعر أن هناك خطباً ما، يصطدم عبد الفتاح القصري بالكالوس ويصرخ فلا يخرج صوته فيقول في وهن “مش شايف”، يسرع إسماعيل يس بإنزال الستار ويسحبه بعيداً عن ضحكات الجمهور وخشبة المسرح.
للمرة الأولى لا يضحك القصري أو يلقي أحد نكاته، يصرخ كطفل صغير بحثاً عن الضوء، لم يطربه ضحك الجمهور كما اعتاد دائماً، كان احتلال اللون الأسود لعينيه كفيلاً بقتل زي بهجة أو شغف في روحه.
ربما كانت رحمة الله الواسعة هي من أفقدته الذاكرة بعد ذلك الموقف بأسابيع وقبل رحيله بأيام عام ١٩٦٤.
ربما وربما وربما .. لكن الأكيد أن عبد الفتاح القصري لم يكن يستحق هذا المصير.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال