“عبدالله القلقيلي” سيرة صاحب التحذير غير المسموع عن أوضاع غزة من 90 سنة

تقوم فلسفة الاستيطان الإسرائيلي على نظام الفصل العنصري بشكل عام لكن لم يحدث ذلك عندما قامت إسرائيل عام 1948م، إذ أن اليهود قبل ظهور إسرائيل كانت تتم لأجلهم مصالح على حساب العرب في كل فلسطين ومنهم غزة.

صيحة عبدالله القلقيلي عن غزة قبل 90 سنة

البحث في أرشيف الصحافة الفلسطينية في ظل حكم الانتداب البريطاني يكشف عن بدء نشوء نظام الفصل العنصري في غزة برعاية إنجليزية، وقد كان الصحفي والمفتي الشيخ عبد الله القلقيلي صاحب جريدة الصراط المستقيم هو أول من تكلم عن ذلك في سنة 1931م وحذر منه.

كانت بلدية غزة في منتصف عام 1931م قد قدمت إلى الحكومة البريطانية التي تحتل فلسطين بطلب وهو تقديم 3 آلاف جنيه لغزة من أجل إنشاء مشروع توزيع المياه.

لكن بريطانيا رفضت طلب بلدية غزة في نفس الوقت الذي منحت فيها الصهاينة بمنطقة تل أبيب مبلغ 75 ألف جنيه، من الضرائب التي تفرضها على الفلسطينيين، ثم منحتهم 7500 جنيه من أجل مشروعاتهم الاستيطانية بها، بالإضافة إلى مبلغ 15 ألف جنيه لإنشاء مسلخ.

لم يفوت الشيخ عبدالله القلقيلي تلك المسألة فكتبت جريدته الصراط المستقيم مقالاً قال فيه « إن النفوذ الصهيوني قد تغلغل في الأوساط الحكومية في لندن وفلسطين لإضباع مطامعهم ونوال أمانيهم في تأسيس الوطن القومي اليهودي، أيتها الصحافة .. هل أتاكِ حديث بلدية غزة ورفض الحكومة إعطاءها 3 آلاف جنيه وهي تكيل الأموال جزافًا لبلدية تل أبيب، هل عَنَّ لكِ أن تناضلي عن حقوق البلديات العربية وتفهمي العالم عسف السلطة المنتدبة وتحيزها الشائن؟».[1]

تفاقم شكل الفصل العنصري في غزة اقتصاديًا سنة 1946م ومنها سعي الحكومة الإنجليزي إلى إصدار قانون من حاكم لواء غزة يمنع مجلس البلدية في التصرف بأكثر من 200 جنيه بعد موافقة حاكم اللواء، وبعد مفاوضات سمح حاكم غزة الإنجليزي بصرف 3 آلاف جنيه لتمهيد الطرق على الرغم أن قيمة تمهيد الطرق في غزة تصل إلى 7 آلاف جنيه، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل اشترط الحاكم الإنجليزي أن يدفع الملاك في غزة 50% من قيمة المبلغ بينما تقوم البلدية بدفع المبلغ الآخر.[2]

من هو عبدالله القلقيلي ؟

الشيخ عبدالله القلقيلي، من مواليد بلدة قلقيلية في فلسطين عام 1899م، وقد ولد يتيمًا حيث مات أبوه قبل ولادته بـ 5 أشهر، وتزوجت والدته من بعده، فكفلته جدته والتي أحسنت تربيته، ثم التحق في سن السادسة بمدرسة قلقيلية الابتدائية، وتتلمذ على يد علماء كُثُر.[3]

أنهى القلقيلي دراسته الابتدائية في المدرسة الأميرية الحكومية التي كانت عبارة عن غرفة تقع في الجزء الشمالي الغربي من المسجد القديم، وكان مدير هذه المدرسة ومعلمها الشخ محمد العورتاني.

وفي عام 1912م، وهو في الثالثة عشر من عمره سافر إلى مصر والتحق بالأزهر الشريف وظل فيه 6 سنوات، وبعدها التحق بجامعة القاهرة في كلية الآداب ماكثًا فيها سنتين وأحب من خلالها الصحافة.

عاد القلقيلي إلى فلسطين عام 1919م والتقى في القدس بالمفتى الحاج أمين الحسيني، كما التقى بالعالم كامل الحسيني، الذي شجع الشيخ عبد الله على البقاء في فلسطين، وعرض عليه رجل التربية أحمد سامح الخالدي بالعمل في حقل التدريس كمعلم للغة العربية والدين، فوافق على المكوث وعمل في المدرسة العامرية الثانية بالقدس.

إقرأ أيضا

ركوب الدراجات من شغف إلى هدف لأداء فريضة الحج

مع العام 1925م أصدر القلقيلي جريدة الصراط المستقيم في يافا، وظلت موجودة حتى نكبة 1948م، حيث حيث نزح الشيخ مع جموع الفلسطينيين الذين هاجروا قسرًا إلى دمشق، وعمل مدرسا في ثانوية درعا، ومن ثم في مدارس ثانوية دمشق.

وفي دمشق نشر الشيخ القلقيلي العديد من المقالات في جريدة (ألف باء) لصاحبها الصحفي يوسف العيسى، وفي مجلة التمدن الإسلامي، وكذلك في مجلة الهدي الإسلامي، ثم ترك سوريا وذهب للأردن وتم إسناد منصب مفتي المملكة حتى سنة 1967م ليتفرغ للكتابة في عدد من المجلات أبرزها مجلة الهدي الإسلامي، ليغادر الحياة مطلع سبعينيات القرن الماضي.

[1]  مراسل، طوبى لبلدية تل أبيب .. وبلدية غزة متروكة من وجه الحكومة، جريدة الصراط المستقيم (تصدر من يافا)، عدد 561، يوم 19 أكتوبر 1931م، ص1.
[2]  محرر، بدعة جديدة لبلدية غزة .. تحديد مصروفات بلدية غزة، جريدة الشعب، عدد 20 ، يوم 4 يناير 1946م، ص2.
[3]  حسني كنعان، الشيخ عبدالله القلقيلى صرح علمى افتقدناه، مجلة هدي الإسلام، مج18، ع1,2،  فبراير 1974م / صفر 1394م، ص95.