عزيزي الطيب اسكت.. فالمشهد أكبر من عينيك
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
حقيقة فلكية
الشهور القمرية غير مستقرة والشهور الشمسية مستقرة، فطبيعي جدا أن الأولى تكون متحركة والتانية ثابتة، بمعنى أن كل 6 أكتوبر بالقطع هييجي في الخريف وكل راس سنة هتكون في الشتا، مادمنا في النُص الشمالي من الكوكب، أما مولد النبي فوارد يصادف مرة الكريسماس وبعدها بكام سنة يصادف عيد العمال.. إلخ.
فقشطة جدًا لما يوافق مولد النبي عيد الميلاد المجيد، وتبقى فرصة لطيفة أن رجال الدين “ع الونجين” يكلموا جمهورهم عن التآخي والمواطنة والكلام الجميل ده.
لكن مش قشطة خالص أن شيخ الأزهر يستغل صدفة تزامن مولد النبي مع ذكرى نصر أكتوبر، في إنه يجعل من كلمته بمناسبة المولد باب لفتح باب الفتن وإثارة مشاعر سلبية داخل ملايين المواطنين تجاه النصر العظيم.
بداية ولا أسوء
فضيلة الإمام الأكبر يؤكد دائما أن علاقته بفكرة المواطنة تشبه علاقته باللغة السنسكريتية، حيث نجح خلال أول 40 ثانية من كلمته، أن يبرهن على عدم فهمه للزمن الذي يعيشه وعدم إدراكه لمكونات الشعب المصري، ويحسم بما لا يدع مجال للشك إنه يرى العالم عبر منظار منتهي الصلاحية.
قد يكون الرجل عايش بجسده كمواطن مصري سنة 2022، لكن وجدانه قابع في القرن السابع الميلادي.. فيحدثنا دائما وأبدا بوصفه المندوب السامي القرشي، فكلما فتح فمه نسمع منه كلام لا يصدر إلا من ممثل الغزاة الوافدين من شبه جزيرة العرب.
باختصار
ده كلام مش بس يدل أن صاحبه عايش بره الواقع، فلا يعرف دولة ولا مواطنين وحقوق وواجبات، إنما كمان مايصدرش إلا عن شخص ماعندهوش فكرة عن تاريخ الحرب اللي بيتكلم عنها، أو يعلم ويتعمد التدليس.
المشهد أكبر من عينيك
كلمة ورا كلمة وتصريح ورا تصريح، كلها تؤكد أن الشيخ الطيب يرى من منظار ضيق جدًا، مفهوم أن المهنة في البطاقة رجل دين.. وهي دي الشغلانة اللي بياكل منها عيش. بس عيب أوي لما يبقى شخص في المكانة دي ومش قادر يستوعب أن مصر أكبر من ديانة أو قومية.
اللغة
فالشعب المصري متنوع ثقافيا ودينيا وأثنيًا، فعلى مستوى اللغة هناك عدة لغات يستخدمها المصريين في حياتهم اليومية، مش من ضمنها اللغة العربية، (المصرية، النوبية، الأمازيغية، القبطية) ولا تستخدم اللغة العربية الفصحى إلا في المحافل والمكاتبات الرسمية.. والأماكن المتحفية.
الدين
الإسلام مش الدين الوحيد في البلد، فيه مسيحيين بمختلف طوايفهم وفيه يهود وبهائيين ولا دينيين وملحدين.. إلخ، ينفع حضرتك وغيرك من المسؤولين يعملوا من بنها ومايشفوش غير ديانتين فقط… بس إنكاركم للواقع لا يعني عدم وجوده، إنما يعني أنكم مغيبين.
الأثنية
العرب كأثنية عرقية، وهو كلام سخيف ماحبش عادة أتكلم فيه.. فكل الشعوب متزاوجة من آخرين، أقلية ضمن حزمة أقليات أثنية تكون الشعب المصري، فزي ما فيه قبائل عربية جت واستوطنت مع الغزو العربي وطوال فترة حكمه.. فيه كمان نوبيين وأمازيغ وأقباط مستقرين في البلد دي من قبل البعثة المحمدية بقرون.
ده غير الأجناس التانية اللي توافدت واستقرت، زيها زي العرب، على مر العصور وفي ظروف سياسية واجتماعية مختلفة ومتنوعة، فهنلاقي أرمن وأجريج وكُرد وأتراك.. إلخ، بشر ياما حبت البلد دي وانصهرت فيها من غير ما تهيمن عليها ولا تصبغها بلونها.
الطيب وكلامه الشرير
كلام الشيخ الطيب ماكنش طيب خالص، لإنه بكل بساطة واستسهال شطب علاقة غير المسلمين وغير العرب بالانتصار المُعجز في أكتوبر المجيد، انتصار أجبر المحتل المتعجرف على اللجوء للتفاوض. وهي الحالة الوحيدة في تاريخ إسرائيل.
التحديات العسكرية
عبور قواتنا المسلحة من إلى شرق القناة بشكل واسع كان مهمة شبه مستحيلة، أه خلال حرب الاستنزاف حصلت عمليات عبور كتيرة جدا.. لكنها كانت بتحصل في إطار ضيق جدا، وممكن ناخد فكرة عن مدى محدودية العمليات دي وخطورتها من لقاء مع الرقيب/ خليفة متري ميخائيل، اللي ماظنش أبدا كان بيخاطر بحياته من اجل رفعة الإسلام ومجد المسلمين.
عبور قواتنا بشكل موسع وشامل كانت بتواجه أربع تحديات رئيسية:
- قوة طيران العدو.
- مواسير ضخ النابالم الحارق أسفل القناة.
- الساتر الترابي وخط بارليف.
- قدرة العدو على ألتقاط كافة الإشارات اللاسلكية في المنطقة.
بالتالي عشان أساسا نفكر في العبور كان علينا تجاوز الأربع تحديات دول.. ثم نبقى نتفاهم.
أزمة سلاح الإشارة
عشان نعرف نكلم بعض على نطاق واسع وباستخدام أحدث التقنيات كنا محتاجين حل من أتنين، يا أما نوصل لتقنية حديثة للإرسال والأستقبال مايعرفهاش العدو أو نتكلم بلغة أو شفرة يستحيل عليه إنه يفهمها أو يفكها.
ولأن الحل التقني مش مطروح فكان الحل التاني هو الأقرب للواقع.
النوبة هي الحل
الصول أحمد إدريس، ابن قرية توماس وعافية النوبية، قدم فكرة بسيطة شَلِت سلاح الإشارة بتاع العدو.. وهي بكل بساطة أن عساكر الإشارة بتوعنا يكونوا نوبيين من مواليد ما قبل 1964، فيكلموا بعض عبر الترددات المكشوفة باللغة النوبية، اللي عمر الصهاينة ما سمعوها.. وماكنش وقتها ليها معاجم أو قواميس.
فعادي جدًا قدر جندي العدو المدجج بأحدث التقنيات العسكرية إنه يلقط رسالة من قيادة جيشنا لجميع الوحدات بتقول أوشريا ساع أوي.. بس لا هو ولا اللي مشغلينه ولا حتى اللي بيدعموهم فهموا أن الكلام ده معناه (اضرب الساعة أتنين).
70 مجند نوبي سخروا لغتهم لخدمة وطنهم، فكانوا بيستلموا أوامر قيادتهم ويرسلوها لبلدياتهم، اللي يستقبلوها في مواقعهم المختلفة ويترجموها لقيادتهم الميدانية، 70 نوبي (غير المشاركين في القتال) ماظنش أن واحد فيهم كان مهتم برفع راية العروبة أو تحقيق نصر يحسب للعرب.
الطيران
في الحروب الحديثة الطيران هو الجوكر، أو اللي عنده طيران ماينضربش على قفاه. سنة 67 هجوم العدو بدء بالطيران ضد الطيران، طيارتهم هاجمت مطارتنا الحربية وضربت كل ممرات الإقلاع.
بالتالي حتى الطيارات اللي نجت من الهجوم ماعرفتش تطير.. ثم بعد كده أتحركت قواتهم البرية تستولى على أرضنا وهي مدعومة بطيران مطمأن أن ماحدش قادر يطوله.
وجدير بالذكر أن وقت الهزيمة الشنيعة دي كان أحد أهم رموز الإسلام في مصر فرحان بهزيمة جيش بلدنا، لا لشئ إلا إنه كان شايف الحياة من نفس الزاوية الطائفية الضيقة اللي بيبص منها شيخ الأزهر النهارده.
تأمين الجو والبحر
بعد اللغة النوبية ما حلت لنا مشكلة الإشارة، بقت القيادة العامة تقدر تدي أمر لسلاح الطيران بالكامل إنه ينطلق ويضرب نقط محددة.. وهمه واثقين أن العدو اللي سامعهم كويس مش فاهم أي حاجة.
وفعلًا انطلق الطيران المصري ودك الأهداف المحددة له بمنتهى الدقة ووفر الغطا الجوي لقواتنا البرية إنها تعبر القناة.
طبعًا بعد ما ضفادعنا البشرية نجحت في سد مضخات النابالم الموجودة تحت المية، باستخدام أسمنت خاص تم أبتكاره في مصنع أسمنت طره على أيد فريق من الكميائين بقيادة فخري الدالى ونبيل غبريال.
واللي مش منطقي أنهم، خصوصًا المهندس نبيل غبريال، أشتغلوا بهمة ونشاط من اجل الإسلام والمسلمين.
أهمية الطيران
أتعودنا خلال 30 سنة أننا ننسب نصر أكتوبر بالكامل لسلاح الطيران، وبالتحديد لأول طلعة جوية ووصفها إنها “فتحت باب الحرية”. وده ماكنش له علاقة بوعينا لأهمية الأسلحة العسكرية وإنما كان تحت ضغط سياسي بائد حاول يكسب لنفسه شرعية باستخدام دعاية شخصية وقومية، أثبتت فشلها بجدارة.
ضربات جوية بنكهة نوبية
بكل تأكيد لم تقتصر الضربات الجوية على قائد القوات، وإنما نفذها مئات الطيارين المصريين.. وكان من ضمنهم (على سبيل المثال لا الحصر) مقدم طيار طاهر محمد طاهر.
طاهر محمد طاهر ابن قرية توشكى “النوبية” والحاصل على نوط االجمهورية العسكري من الطبقة التانية سنة 1969 ونوط الواجب العسكرى من الطبقة الأولى سنة 1974.
اللي شارك في معارك حرب الاستنزاف وبعدها حرب التحرير، لغاية ما مات في اليوم التالت من حرب أكتوبر “التحرير”، وماظنش خالص إنه خاطر بحياته لغاية ما فقدها.. دفاعًا عن مجد الأمة العربية.
ما بعد تأمين العبور
بعد ما تم تمهيد الطريق لقواتنا البرية لعبور القناة، بتأمين المراسلات وسد فتحات النابلم وتوفير غطاء جوي.. مافضلش غير أزمة الساتر الترابي. تل ترابي بارتفاع سَبْع تدوار وسُمك أربع تدوار وعرض 3 مدن (بور سعيد، الإسماعيلية، السويس).
رش المية… ذكاوة
الساتر الترابي جزء من خط بارليف اللي كان نقطة قوة وفشخرة العدو، واللي خلص عليه فكرة أنتجها عقل عبقري مصري مفادها كسح الساتر الترابي عن طريق الادة المصرية العتيقة.. رشه بالمية.
فكرة بنت عقل مواطن مصري مسيحي “خرج على المعاش برتبة لواء” اسمه باقي زكي يوسف، ماظنش للحظة إنه ركز وفكر ووجد الحل العبقري ده.. من اجل رفعة الإسلام والمسلمين.
خالتي بتسلم عليكم
طبعًا كل ده عشان يحصل كان محتاج كم مرعب من المعلومات الدقيقة جدًا، قام بجمعها فريق من كوادر المخابرات المصرية (العامة والعسكرية) يستحيل حصرهم وتحديد انتمائاتهم الشخصية الضيقة، في عصر كان فيه الموبايل جزء من روايات الخيال العلمي.
بس بالتأكيد هذا الكم من الكوادر العظيمة كان فيهم ناس لا يهمها الإسلام ولا العروبة.. وإنما كان همهم الأول والأخير هو بلدهم وشعبهم اللي همه جزء منه.
النهاية السعيدة والعقلية البليدة
بتكاتف كل الخبرات والكفاءات دي، بمختلف انتماءاتها الدينية والثقافية والقومية، جوه وعاء وطني واحد، قدر شبابنا يعبروا القناة على طول خط المواجهة.. ويفتححوا عشرات الثغرات في الساتر الترابي.. ويتجاوزوا خط بارليف الحصين، ويحققوا التفوق العسكري الوحيد على العسكرية الصهيونية ويجبروا ساستها على اللجوء للتفاوض.
كل ده حصل من غير ما ييجي في دماغ حد منهم أن بعد أقل من خمسين سنة هيطلع مسؤول مصري، زيه زيهم، يتكلم بلسان شديد العنصرية الدينية فاقد للوطنية، ويحاول ينسب كل مجهودهم وتضحياتهم لصالح دين وقومية كتير منهم لا فكروا فيها ولا أصلا ينتموا ليهم.
نصيحة
عزيزي الشيخ الطيب، ومن خلفه كل رجال الدين، حين يكون الحديث عن الوطن.. اسكت، فالمشهد أكبر من عينيك.
ملحوظة:
“المشهد أكبر من عينيك” اسم قصيدة للشاعر عصام عبد العزيز
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
لا تستحق الرد او التعليق ولو بكلمه
هاجم و هاجم حتى تعرف و تشتهر
هذا جل ما تريده ايها النكره