همتك نعدل الكفة
230   مشاهدة  

“على مشارف عيد زواجي الثامن” هل الزواج لعنة كما يقال أحيانا؟!

عيد زواجي
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



تزوجت متأخرا بعد أن جاوزت منتصف الأربعينيات من العمر.. آثرت أن أتزوج عندما أشعر بأنني أريد أن أفعل، وعندما أجد امرأة أشعر برغبة حميمة في لقاء أبيها، لا عندما يقال لي: تزوج!، وكم يقال للمرء مثل ذلك منذ وصوله إلى العشرينيات من العمر، وقبلها في كثير من القرى والمدن التي كالقرى!

كنت أصلا أخاف أن أرتبط بأنثى فأفقد عزوبيتي وأندم، ولما زال عني ذلك الخوف أدركت أنني أريد الزواج، وانتظرت أنثاي، كنت أؤمن بأن لكل رجل أنثاه، لم أكن خاليا من صحبة النساء قط ولا الصديقات الجميلات، لكن كأنني كنت أبحث عمن تتغلغل في الروح، المسألة ليست شبها فنيا ولا ثقافيا بالمرة، المسألة إنسانية محضة، أبعد من الفن ومن الثقافة بكثير، ولما جمعتنا صدفة سعيدة وتطور الموضوع إلى شيء لطيف للغاية، فاتحتها في رغبتي الأكيدة في لقاء والدها، وقد كان، وكان الزواج بعد ذلك.. الزواج الذي لا يزال مستمرا منذ ثماني سنوات، وسط عراقيل مروعة، جرى في العاشر من أغسطس من عام 2015، وكأني الآن أحتفل بذكراه هنا، وأرجو استمراره إلى ما بعد القيامة!

أحببت أنها قاهرية تنتمي إلى الدلتا وأنا صعيدي جنوبي، وأحببت أنها درست العبرية في جامعتها وأنا العربية في جامعتي (أثارني قلب الحروف بين العبرية والعربية تحديدا)، وأحببت الهدوء الذي يجللها، الهدوء الذي تحته براكين غضب من الظلم والإهمال، كرقتها التي تخفي قوة تغالب الخوارق، الرقة التي لا يراها منها إلا من دنا فتدلى فمس شغاف القلب العامر باللطف الأدق من خفة الفراشات.

أنا شاعر وكاتب، هذه وظيفتي في هويتي الشخصية، ولا زلت أزاول عملي راسخا متحققا، ولي رتبتي المعنوية العالية في وسطي ولدى مجتمعي، وزوجتي ممثلة متوقفة عن التمثيل بغير إرادتها، أعني لم تعد مهنتها تناديها، لكنها تواقة إلى استئناف عملها بالمجال، والحصول على فرصتها كاملة وعلى أوراقها النقابية المستحقة، ويقيني أن توقها الصادق نفسه سيردها إلى عملها، وسيصفع الذين تجاهلوها، ضمن من تجاهلوا، لأنها ممثلة رائعة حقا، وما قامت به من قبل، أمام نجوم كبار، جميل ومؤثر، يشير إلى صدق موهبتها بأصابع اليدين، أنا فخور أنها تعدني أستاذ معارفها، وثتائية التلميذة والأستاذ بعض مشتركاتنا الحميمة، وهي صلة وطيدة عبقرية ضمن صلاتنا، وليست كالسراب الذي يربط المعلم بطلابه  في الفصل المدرسي!

أنجبنا طفلتين، لا يزال يهلكنا الحرص على صحتهما وتعليمهما وخلق سلوكهما المقبول، لم نحن إلى ميلاد ذكر قط؛ فلدينا ولد هو أنا، ولو كنا أنجبنا ذكرين، لما كنا حننا إلى ميلاد أنثى قط؛ فلدينا بنت هي السيدة الأم نفسها..

اتفقنا، ابتداء، على أن تحية صباح الخير في البيت مهمة وتحية مساء الخير في البيت كذلك، البيت الذي لنا وليس لأهالينا كما كان الوضع قبل التوحد الرسمي، وأن خفوتهما يعني مشكلة ما، وأن زوالهما يعني خطرا حقيقيا، واتفقنا، وكان ذلك مهما، على أن نكون أصدقاء خلصاء، تحكمنا مسؤولية الصداقة الصريحة، لا مسؤولية الزواج، مع كامل الفهم لمسؤولية الزواج بالطبع، واتفقنا على أن نسخر من الأزمات مهما تكن، ولا زلنا نواجهها بالسخرية، وإن كانت لا تطاق، وعلى أن المرأة ليست خادمة مكان ولا وعاء ماء رجل، وعلى أن صلاحها، بالمفهوم الديني وحده، ليس أبلغ مزاياها كالشائع، بل  ذكاء إدارتها الدنيوية هو الأبلغ، وهو عمق الدين، وأن الرجل ليس جيبا منتفخا بالمال، يلبي الرغبات النزقة والعصية والصادمة، وليس ساحرا يستطيع التصرف في الملمات طوال الوقت، ولا جبلا قادرا على احتمال ما لا يحتمل، كالظن التقليدي بالرجال، وأن التفات المرأة إلى زينتها وعطورها شأن كبير لا صغير، والواجب أن يكون دالا صادقا على نظافة شاملة، أعني تضم البعد الروحي إلى الجسدي، كمثل التفات الرجل إلى هيئته، من اللازم أن يعكس مراقبة عامة لأحواله ورغبة في تحسينها، وليته يكون منسق الهيئة بالجملة، وليت هيئته الخاصة تلائم الأذواق الطبيعية المريحة، وبالرغم من كوننا وضعنا نظاما للثواب والعقاب بداخل المؤسسة الزوجية، إلا أن الثواب وافر والعقاب يكاد يكون معدوما!

لم تكن اتفاقاتنا ورقية، مثل ذلك عبث مهما يكن جادا، كنا نتكلم وتتولد الأفكار، ونطمئن إلى بعضها فتدخل حيز التنفيذ ببساطة الحديث فيها وحولها، كنا ولا زلنا رجلا وامرأة يفتشان عن السعادة فيصيبان بعض حروفها كاملا وبعض حروفها ناقصا، بحكم ظروف قهرية تضغطهما أحيانا من الخارج لا الداخل، كالظروف الاقتصادية والاجتماعية السائرة العسيرة، كمثال، والمهم أننا تعودنا على أن نحتفل بما يدعم اتحادنا فننتصر وألا نستسلم لما يشتتنا فنلامس الهزيمة.. وحتى الساعة اكتفينا بما قلت ولم نستسلم لما ذكرت إلى هذه الدرجة المزعجة!

الزواج تجديدي مقدار ما هو تحديدي، والمعنى أنه يمكنه تجديد الإنسان كما يمكنه تحديده بالضبط، والتحديد لا يعني التضييق، وإنما يعني أنها خلاصتك من النساء وأنك خلاصتها من الرجال، بوسعكما أن تصنعا ما تشاءان، لكن لا يجب أن يكون فهم الخلاصة هو أن امرأتك تضم امتيازات النساء كلهن وأنك تملك امتيازات الرجال كلهم، هذا فهم تعس جدا، لكنها رائحة النساء المختارة لحياتك وأنت رائحة الرجال المختارة لحياتها.. وفي الرائحتين المختارتين ما يشبع روحيكما إشباعا يغنيكما عن فضول تحسس بقية القوالب البشرية اللانهائية، ذلك الفضول النافذ إلى الدنس!

إقرأ أيضا
امبراطورية ميم

لقد أكسب الناس الزواج سمعة سيئة، واعتبروه سجن إراداتهم، ربما لأنهم رتبوا عليه من الآمال المستحيلة ما رتبوا، ولم يحققوا أكثرها بالطبع؛ فكرهوه تقريبا أو عدوه نظاما فاشلا لعينا، والحقيقة أنه ضياء ينأى بالإنسانية عن الظلام، وأنه أخف من كل الحسابات المعقدة التي نحسبها بشأنه، وأظننا تكلمنا في ذلك مبكرا أيضا وطويلا، أنا وهي، ووصلنا إلى شواطئ دعمت سرمديتنا المتمناة إلى اللحظة الراهنة، نحن جذر والمحيط البشري المتوج الذي حولنا فرع، أعني من حيث علاقة هذا المحيط بعلاقتنا لا بشخصينا منفردين، وإن كان شخصانا لا ينفصمان عن علاقتهما ببعضهما، هكذا من غير غمط لحقوق أحد أو تقليل معيب من أقدار الآخرين، وبدون أن نهمل مرايا الأقرباء والأصدقاء والمعارف التي نرى فيها أنفسنا أيضا كما نراها في مرايانا، مع مراعاة الفارق بين المعرفة المقيمة والأخرى العابرة؛ فكل منا راسخ في الثاني وملك يديه، وأما المحيط فبعيد مهما اقترب!!

الكاتب

  • عيد زواجي عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان