علي مصطفى مشرفة .. العبقري المصري الذي رثاه أينشتاين وأخاف الموساد
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
طفل لم يحظ بنصيبه من اللعب كباقي أبناء سنه؛ منعته أمه من هذا الفعل الأقرب إلى قلب الأطفال؛ لأنه سيضيع وقته من وجهة نظرها، كانت تريد أن يكون الأول دائمًا في دراسته وكان بالفعل الأول، حتى عندما توفى والده ظل ورغم تأثره بذلك الأول على القطر المصري.
الأمر اختلف قليلا بعد وفاة صديقته المقربة “أمه” فحزن حزنًا شديدًا وأصبح الثاني على القطر المصري لا الأول.. هو علي مصطفى مشرفة العالم المصري.
لا شيء سوى العلم
وُلد علي مصطفى مشرفة عام 1898 في محافظة دمياط، لأب ثري عرف الاجتهاد في الدين والتقدم نحو الإصلاح؛ إذ أنه كان صديقًا لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وفي عام 1907 فقدت الأسرة الكثيرة من أموالها بسبب أزمة القطن، فتبدلت الأحوال، وانتقل وأخواته إلى حي عابدين ليكونوا بالقرب من والدة أمهم.
كان تفوق مشرفة الدراسي وحصوله الدائم على المركز الأول؛ سببًا قويًا لأن يحصل على بعثة دراسية في انجلترا، فحصل على درجة البكالوريوس في الرياضة من كلية نوتنجهام جامعة لندن 1920، وخلال تواجد مشرفة في لندن قام ثورة 1919 وأراد أن يعود إلى بلده، فكيف يكون في انجلترا والمصريون يثورون ضدهم في هذا الوقت؟! إلا أن شقيقه (مصطفى) منعه من العودة وأصر على استكماله دراسته، ثم انقطعت عنه خطابات أخوه وعرف أنه تم اعتقاله، فألف كتابًا يفخر فيه بمصريته وبكفاح شقيقه.
أراد مشرفة أيضًا أن يدرس فلسفة في العلوم بلندن، لكن دولة الاحتلال تدخلت واستخدمت نفوذها في وزارة المعارف المصرية ومنعته من استكمال ما يريد، حتى تدخل طلعت حرب باشا الذي كان يدرك قيمة مشرفة، ومكنه تواجده داخل وزارة المعارف من الوصول إلى هدفه رغم أصدقاء المحتل داخل الوزارة، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم في 3سنوات فقط؛ أقصر مدة يمكن لطالب أن يحصل عليها، كان مشرفة يلتهم العلم كطفل لم يعرف سوى التعلم والعلم لعبة.
جب العلم والتفوق الدراسي والعملي لم يكن سمة مشرفة فقط، بل كان سمة الأسرة كلها، فأشقاء علي مشرفة هم؛ الدكتور مصطفى مصطفى مشرفة أستاذ اللغة الإنجليزي بكلية الأداب، دكتور عطية مدير مكتبة جامعة القاهرة، واللواء حسن مشرفة الذي كان مديرًا للمرور.
أصبح الشاب المحب للعلم عضوًا في الجامعة الملكية البريطانية، وخلال تواجده في لندن لم يكن يعرف النوم لدرجة الإعياء؛ إذ كان يعمل بشكل مستمر على مجموعة من الأبحاث وقت دراسته وإجازته أيضًا، وكان يشرف على أبحاثه أكبر عالم طبيعة في العالم حينها السير ريتشارد سون.
العودة إلى مصر بأحلام تفوق الخيال
1923 عاد مشرفة إلى مصر حاملًا وحالمًا بتحقيق أحلامه التي تفوق الخيال في مجال العلم بالطبع، عمل مدرسًا بمدرسة المعلمين العليا، وعمره لم يتجاوز الـ 26 عامًا وكانت مكانة كبيرة جدًا لعالمٍ شاب في هذا السن، إلا أنه لم يكن قد أشبع رغبته في التعلم والعلم فخلال الإجازة الصيفية عاد مرة أخرى إلى لندن للدراسة مرة أخرى لمدة عام واحد فقط، وعندما أنشئت الجامعة المصرية تقدم بأوراقه ليعمل مدرسًا بكلية العلوم، لكنهم رفضوه وجعلوه أستاذ مساعد فقط.
الأمر الذي قد يثير الغضب أن مشرفة كان حاصل على شهادات تؤهله لأن يكون عميد الكليةلا مجرد أستاذ، إلا ان عميد الكلية الإنجليزي بينجام قال له “كيف أكون عميدك وأنت تحمل من الشهادات ما لم أحمله” ليرد العالم المصري بحزن “حكومتي تريد ذلك”، ختى تدخل رئيس البرلمان المصري سعد زغلول واستنكر “كيف تكرمه لندن وتعلم قيمته ولن نفعلها نحن؟!”، وبالفعل عين أستاذًا للرياضة، بل وأصبح وكيلًا للكلية منذ عام 1930 وحتى 1936.
في عام 1936 أصبح مشرفة عميدًا لكلية العلوم بقرار من وزارة المعارف؛ لأنه أحق شخص بهذا المنصب، وإن كان في الأمر محاباة شخصية ونزعة سياسية وتعصب ضد الدكتور أحمد زكي الذي تفوق على مشرفة في انتخابات العمادة بـ 4 أصوات، إلا أن الوزارة عينت علي بقرارٍ، لا شك أن مشرفة رائد من رواد العلوم في مصر، لكن يظل هذا الموقف عليه علامة استفهام كبيرة!
كان مشرفة يأمل بأن تكون الجامعة المصرية من أقوى الجامعات وتنافس بقوى الجامعات الأخرى، كان يرى أن الاهتمام بالمعيدين هو بذرة هذا التطور والتقدم، واشترط الحصول على درجة الدكتوراة في العلوم للحصول على لقب أستاذ مساعد، وأعاد سياسة الابتعاث إلى الخارج، فهو الذي قال للدكتور محمود حافظ “أنت ستكون عالم الحشرات الأول في مصر”، وكان بالفعل، وأنشأ قسم للترجمة العلمية إلى العربية بالكلية.
ذاع صيت ونبوغ وتفوق مشرفة العلمي على مستوى العالم كله، ومن المواقف التي تبرهن ذلك ما فعله أستاذ الرياضيات الهندي ساها الحاصل على جائزة نوبل عندما كان في مصر؛ إذ أخذ يبحث عن علي مشرفة لينال شرف مقابلته والنقاش معه، وكان مشرفة يفتح بيته يومًا شهريًا لأعضاء هيئة التدريس والعلماء والطلاب ليتناقشون في كل أمور الحياة لا العلم فقط.
ورفض كل ما له بالمحسوبية خلال رحلة عمله، فهو الذي رفض طلب وزارة المعارف بتقديم منحة لطالب بالدراسة من دون دفع أي مصروفات، من دون أي سبب، وهو الذي اعترض بصوتٍ عالٍ على نقل عميد الأدب العربي من الجامعة إلى وزارة المعارف، وأصر على وقفه حتى عاد طه حسين واحتفل بعودته.
بعض مما قدمه الحالم بنوبل للعلم
قدم مشرفة للعلم أبحاث كثيرة فهو الذي أثبت أن الإشعاع والمادة لهما صورة كونية واحدة، وهو صاحب بحث “على السلم الموسيقي”، كان له الفضل في الوصول إلى طريقة تعريب النوتة الموسيقية، وبمشاركة دكتور محمود مختار صمم بيانو عربيًا يضم المفاتيح الأجنبية وأضاف إليه 12 زرًا تصدر الأصوات العربية ومن خلال إدخال تعديل ميكانيكي على الآلة.
كان له بحوث في التحويلات المخروطية، نقص المادة، وبحثه الخير الذي نُشر قبل وفاته ببضعة أشهر “النقص في كتلة نواة الذرة”، وكان يحث الحكومة المصرية على البحث على اليورانيوم المشع في الصحراء الشرقية، ودعا إلى إنشاء المركز القومي للبحوث، وإلى حسن استغلال مواردنا العظيمة في النيل والصحراء، وإنشاء معهد علمي تجريبي لإجراء دراسات طبيعية على النيل، ومن أهم كتبه الذرة والقنابل الذرية، الهندسة الوصفية، الهندسة وحساب المثلثات، نحن والعلم، النظرية النسبية الخاصة.
كان لا يشغله إلا العلم والبحث، فوصفوه بـ “رجل مغالٍ لا يعيش في عصره” بينما قال آخرون “يفكر بعقلية لا تناسب العيش في هذا البلد!”، هم كانوا مصابين بمرض الجهل والتخاذل، وهو كان يرى ما لا يرونه.
” العلوم حقائق علمية لا سبيل إلى معرفتها سوى عن طريق التجربة والخبرة المباشرة لا خبرة الغير فقط…”.. علي مشرفة
قيل إن الرجل العالم علي مصطفى مشرفة الذي كان يسابق الزمن ليتعلم كل شيء وكان يحلم بالحصول على نوبل في الرياضيات، توفي عام 1950 بسبب أزمة قلبية، وقيل إنه قُتل مسمومًا بسبب بحثه الأخير ودعوته لاستخدام اليوارنيوم وتفوقه في أبحاث الذرة، ولأن تفوقه العلمي أخاف كثيرين ممن لا يريدون لأحد أن يسبقهم “الصهيونية” فاغتالوه كما اغتالوا سميرة موسى، وفي رواية ثالثة قيل إنه كان واحدًا من الرافضين لنظام الحكم الملكي ويساعد في التخطيط للانقلاب عليه، مساهمًا في إنشاء جماعة “شباب مصر” فاغتال رجال القصر الملكي الرجل الذي يغير منه الملك فاروق، وبكى أينتشاين غير مصدقٍ رحيله.
بينما نفى آخرون قصة اغتياله، مؤكدين أنهم مات بشكل طبيعي في فراشه ولا شبهة جنائية في وفاته، وأن آينشتاين لم يرثيه أو يبكي رحيله كما شيع، لكن الرثاء الذي انتشر على لسان آينشتاين كان لشخصٍ آخر ونُسب له بشكل غير صحيح وتدوالته المواقع والصفحات الإخبارية، لكن دون دليل أو وثيقة تكذب صحة الرواية السابقة.
ما بين مشرفة والملك فاروق
لم يكن الملك فاروق على وفاق مع علي مصطفى مشرفة، إذ أن الأخير لم يقدم ما تمليه المراسم الملكية عندما حصول على البشاوية، فثائرة ثائرة الملك فاروق وتمثل غضبه كما ذكرت نجلة مشرفة أنه منع تعيينه مديرًا لجامعة القاهرة، وأرغم السلطات المصرية على منع مشرفة من السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعدما تقرر انتدابه كأستاذ زائر لجامعة برينستون.
مصادر: كتاب مشرفة سيرة حياة للكاتب محمد الجوادي، (2)، (3)، (4)
الكاتب
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
تقصد سميرة موسى ولبس نبوية موسى