عن أبي هريرة
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
«إنهم لا يرجعون إلى قانون في النقل! أخبار من ماضٍ كيف العلم به؟ حدَث جرى منذ مئات السنين كيف تعرفه؟ أنت تقول حدث كذا وكذا.. طب جبت الكلام ده منين؟ المفترض أن يكون هناك ناقل، هذا الناقل من هو؟ وهل هو صادق أم كاذب؟ معًا سوف نُجفف هذه البئر».
تلك كانت الافتتاحية التي بدأ بها أبو إسحاق الحوينى حديثه عن أبى هريرة.
يقول الحويني: «ما المشكلة في عدم معرفتنا اسم أبى هريرة الحقيقي، يكفينا كنيته (أبو هريرة)».
كان الحوينى يدافع بعنف عن أبى هريرة، ويسرد قصة إسلامه، فأبو هريرة أسلم عام 7 هجريًّا، وتحديدًا وقت معركة خيبر..
فمن أى البلاد جاء أبو هريرة؟ الله أعلم. وما اسمه الحقيقي؟ لا أحد يعرف.
وإن قال البعض «عبد الرحمن بن صخر»، وقالوا في اسمه أقوالاً كثيرة. فـ كيف لمن لا نعرف اسمه وأصله وبلاده أن يحوز على كل تلك الثقة؟!
وكان الحوينى غارقًا في إيمانه بالحكاية «كان أبو هريرة قادمًا من بلدته المجهولة بصحبة غلام، يُقال إنه كان تابعه، وفى الطريق ضجر منه الغلام فهرب وتركه يعانى من ليلة سوداء، كان يقول عنها أبو هريرة (يا ليلتي من طولها وعنائها.. لكنها من دار الكفر نجدتي).
ويبين الحوينى مدى العناء الذى تكبّده أبو هريرة في تلك الليلة، ويحكى كيف تحمّل مشقة السفر وحده حتى دخل المدينة فجرًا.
وكان المسلمون يومها في حرب ضد اليهود، وقد تُركت المدينة تحت قيادة (سُباع بن عرفطة)، وكان سُباع يصلى بالناس الفجر، ولجأ أبو هريرة للمسجد، فـ فيه المأكل والمشرب والنوم الآمن، وسمع سُباع يتلو من سورة المطففين.
و(المطففين) كما تعلم هم الذين يأخذون حقوقهم كاملة ويبخسون حقوق الناس -يا لها من مفارقة!- ثم عرف أن من يُسلم ينال من بيت ما يكفله على اعتبار أنه من المؤلفة قلوبهم، هنا أسلم أبو هريرة لتبدأ رحلة أكبر ناقل للسُّنة النبوية.
أما عن لقبه، فـ في سُنن عبد الله بن رافع، قال: قلت لأبى هريرة: لمَ كُنيت بأبي هريرة؟ فقال له: ألا تفرق منى؟ فقلت: والله إني لا أهابك! فقال: كنت أصطحب معي هرّة، أخبئها في كمي»!
فلماذا يُقدم رجل عاقل على مثل هذا الفعل؟
يقول الحوينى مسترسلاً في حديثه: ومن يومها قرر أبو هريرة الالتفاف حول النبي، وعرض على الرسول أن يتقبله لخدمته فوافق النبي.
يقول أبو هريرة: كنتُ أمشى مع النبي على ملء بطني.
انظر إلى اختياره للهدف، وصياغة الجملة «على ملء بطني» فهو ليس له في الدنيا همّ سوى أن يجد لقيمات يقتاتها.. ومنذ ذاك لازم أبو هريرة النبي كظله.
وفى مرة سأل النبي: مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال النبي: يا أبا هريرة، لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا قبلك، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه».
وهذا الحديث يستحق وقفة، فحرص أبى هريرة على الشفاعة واضح جدا، وذكاء النبي وفطنته أكثر وضوحًا، فإذا كنت تبحث عن سبيل لدخول الجنة يجب أن يكون إيمانك صادقًا لا مصلحة فيه أو منة! ويُقال إن النبي حين ضاق به أرسله إلى البحرين.
وأبو هريرة كان رجلاً شديد الفقر، وتلك طبيعة من لا عمل له، وكان يقول: «واللهِ الذى لا إله إلا هو، قد رأيتني أصرع عند المنبر فيجئ الجائى فيظن أن بي جنونًا وما بي جنون، إنما الجوع».
لماذا لم يعمل أبو هريرة؟ إذا كان الأنبياء أنفسهم عكفوا على العمل، فآدم كان مزارعًا ونوح نجارًا وإدريس خياطًا وإبراهيم تاجرًا وإسحاق راعيًا للغنم وإلياس نسّاجًا ومحمد راعيًا ثم تاجرًا ثم قائدًا عسكريًّا.
أما الصحابة فقد كانت لهم مهَنهم أيضًا.
ولكن لأبى هريرة طرقًا أخرى يقتات منها، فقد كان يلجأ للحيلة بدلاً من العمل.
وأبو هريرة الذى أسلم 7 هجريًّا، أي قبل وفاة النبي بأربع سنوات، منها سنة ونصف السنة، كما جاء في بعض الروايات بالبحرين.
روى عن النبي ما يعادل تقريبًا ستة آلاف من الأحاديث النبوية، وهو رقم لو تعلمون عظيم، فأبو بكر، وهو صديق الرسول ورفيق الرحلة، والذى ذُكر في القرآن بصفة الصاحب، لم يروَ عنه غير 140 حديثًا، ويقال إنه أحرقها في عهده خشية الفتنة، أما عمر بن الخطاب فله ما لا يزيد على 500 حديث وقد أحرقها أيضًا.
فانظر، وتدبر، وتأمَّل الفارق المهول بين عدد أحاديث أبى هريرة والتي شملت -كما يدّعى الحوينى- الدين الإسلامي كله، وبين ما قدمه غيره من الصحابة الذين أسلموا في بداية ظهور الإسلام وعاشوا كل المراحل مع النبي من قبل الرسالة وحتى وفاته، لم ينشغلوا بما انشغل به أبو هريرة.
لماذا؟
لأنهم كانوا رجالاً تحمّلوا على أكتافهم مهمة تأسيس أكبر دولة في الشرق، كانوا يعملون ويجاهدون ويؤسسون لدولتهم في الوقت الذى كان فيه أبو هريرة يتحدث عن الضراط والذباب وحكم نكاح البهيمة..
إذا كان أبو هريرة قد أخرج لنا 6000 حديث، فلماذا لم يحكِ لنا عن أصله؟ ولا من أي البلاد جاء؟ ولا عن اسمه الحقيقي؟
وإذا كان علم الحديث يعتمد في سنده على المرسَل والمنقطع والمعضل والمدلس والخفي والمعلق والكشف عن معادن الرجال، فيسأل عن أصلهم وخباياهم ومقاصدهم، فلماذا لم تُتَّبَع تلك الطريقة مع أبى هريرة وهو الأصل والجذر والجذع الذى تفرع منه هذا العلم؟ وهنا لنا أن نقرر ما قاله الحوينى نفسه وبالنص في تبرئته أبا هريرة: «المفترض أن يكون هناك ناقل، هذا الناقل من هو؟ وهل هو صادق أم كاذب؟ معًا سوف نجفف هذه البئر». كان الحوينى يردد تلك الكلمات، وكنت أرددها أيضًا!
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد