عن أول مشجع زملكاوي وسط عائلة تشجع الأهلي
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
هناك مقولة شيفونية ابتدعها أحد الأشخاص الأهلاوية مفادها أن المرء يولد أهلاويًا بالفطرة وكل من تحول إلي تشجيع أي نادي أخر لابد أن يكون شجع النادي الأهلي يومًا ما، فما بالك بطفل ولد في عائلة كلها أهلاوية وقرر أن يعلن تمرده ويبدأ في تشجيع الغريم التقليدي الزمالك في وطن تدور فيه الكرة في فلك ناديين فقط.
لا يوجد أسباب إقدام هذا الطفل على تشجيع الزمالك وسط هذا الكم من الاهلاوية سوى أنها كانت محاولة أولى لإثبات الوجود وبناء شخصية مستقلة بعيدًا قيود وتحكمات وتسلط جيل الأخوة الأكبر ونكاية في شقيقه الذي يكبره بعامين ويتعمد مضايقته دائمًا، بدأ الأمر بالفرح لهزيمة الأهلي أمام أي فريق، ثم انتقى الزمالك طواعية بعد أن شاهده يحرز بطولة أفريقيا للأندية البطل عام 1986 في وقت كان الأهلي مسيطرًا على الدوري المحلي.
كوماسي وبدايات الماّسي.
فوز الزمالك ببطولة أفريقيا جعلته يلعب في النسخة التالية مباشرة بجانب الأهلي بطل الدوري المصري، في دور الثمانية التقى الزمالك في القاهرة مع اشانتي كوتوكو و فاز في الذهاب بهدفين مقابل لاشئ أما الأهلي فعاد يجر أذيال الخيبة من أبيدجان بعد أن خسر بهدفين أمام أفريكا سبور.
تصادف أن تكون مباراتي العودة في نفس اليوم الأهلي سيلعب في القاهرة والزمالك سافر إلى كوماسي، هذا اليوم كان أحد أكثر الأيام توترًا في المنزل، مهمة الزمالك سهلة نسبيًا حيث يحتاج إلى الفوز أو التعادل أو حتى الهزيمة بفارق هدف ليصعد إلى نصف النهائي، أما الأهلي فلا بديل أمامه سوى الفوز.
أقيم لقاء الزمالك عصرًا بتوقيت كوماسي في وقت لم يكن هناك beIN ولا استوديو الكابتن متحت ولا أقمار صناعية تجوب أفريقيا ولا يحزنون وكانت المباريات الخارجية تذاع في اليوم التالي مسجلة بكاميرا واحدة من شخص يمسك كاميرا لأول مرة في حياته، بل لم نكن نعرف نتيجة تلك المباريات غير المذاعة إلا عن طريق برنامج طه الحديري في الشرق الأوسط أو في اخبار الرياضة في نشرة التاسعة من الكابتن علاء صادق قبل ما يروح في الوبا زي هنادي.
قبل مباراة الأهلي بساعة تقريبًا انقطعت الكهرباء عن المنطقة في واقعة كانت تحدث بشكل شبه يومي في الثمانينات، كل المقاهي في المنطقة مظلمة تمامًا، حل السخط والسباب محل الترقب والتوتر، وأنا جالس لا أبالي سوي بفريقي الذي لعب مباراته منذ قليل ولم أعرف نتيجة ما حدث في كوماسي.
في المنزل المجاور لنا محل كهربائي نشاطه الأساسي تأجير اللمبات والفوانيس لإحياء حفلات الزفاف والماّتم ويمتلك مولد كهرباء يعمل بالسولار، هذا الكهربائي كان عصبي منفلت لا يفتح محله عادة في الليل لانشغاله أما في حفل زفاف أو في مأتم أو زيارة منزلية معتادة لصيانة أحد الأجهزة.
عم الظلام شارعنا الضيق وخرج الكل يتسامر في البلكونات أو في الشوارع على أضواء الشموع ولا حديث سوى عن مباراة الأهلي المنتظرة وتخمين نتيجة مباراة الزمالك التي لا يعلم أحد، يكسر هذا الجدال صوتًا يأتي من أمام محل الكهربائي حيث ظهر خيال شخص يحاول فتح المحل ليجري الكل ناحيته “حرامي – حرامي” ينفجر الجميع من الضحك عندما يجدوا الكهربائي نفسه وقد وضع أمام المحل تليفزيونًا ملونًا ماركة NEC تليمصر ويطلب من أحد الشباب مساعدته في فتح المحل ثم على أضواء الشموع قام بتشغيل المولد الكهربائي الذي بعث النور في المحل ليهتف الجميع “هيه هيه هيه” ثم وضع التلفزيون على طاولة أمام المحل وعلى غير عادته دعى الواقفين لمشاهدة المباراة معه.
كنت جالسًا في شرفة المنزل لا اهتم بمباراة الأهلي قدر اهتمامي بمعرفة نتيجة مباراة الزمالك، مع بداية الشوط الثاني من مباراة الأهلي عادت الكهرباء وبدأ الكل ينصرف من أمام محل الكهربائي، أنتهت المباراة بتأهل الأهلي إلى نصف النهائي بعد مباراة عصيبة فاز بها بضربات الجزاء الترجيحية وبدأت الاحتفالات تعم الشارع، ثم جاء الخبر اليقين من أخي الأكبر الذي قال أنه سمع أن الزمالك تلقى هزيمة كبرى بخماسية مقابل هدف!
عمت فرحة هزيمة الزمالك أرجاء المنزل أكثر من الفرحة بفوز الأهلي نفسه، بدت النتيجة لي وكأنها إشاعة سخيفة أطلقها أخي كنوع من المكايدة ثم تأكد الخبر في نشر التاسعة، كان وقع الهزيمة كارثي علي في أول موسم أشجع فيه فريقًا للكرة، بدأت الصحف تتحدث عن استقالة رئيس النادي حسن عامر ثم إقالة المدير الفني الإنجليزي باركر ثم جاء المصري عصام بهيج القادم لتوه من السعودية.
الثلاثية التاريخية.
بعد فترة تخبط مع باركر الذي نال معه الزمالك هزائم لم ينالها في خمس سنوات مجتمعة، واستعاد الزمالك توازنه مع عصام بهيج في الدوري حيث حقق أكبر فوزًا في تاريخه أمام نسيج حلوان بتسعة أهداف مقابل لاشئ وواصل زحفه نحو مقدمة الدوري في ظل منافسة شرسة مع الأهلي والمحلة، حتى وصلنا إلى شهر فبراير حيث أقيمت مباراة الكأس الأفرو أسيوي بين الزمالك بطل أفريقيا وبطل اسيا نادي فوركاوا الياباني.
حقق الزمالك أولى بطولاته بالفوز على الفريق الياباني في بطولة شرفية لكنها كانت ضرورة لاستمرار النهوض من كبوة كوماسي، حتى وصلنا إلى أخر مباراة في الموسم أمام الأهلي والتي ستحدد بطل الدوري.
أذان العصر.
أقيمت المباراة الختامية للدوري بدون اللاعبين الدوليين، الأهلي يحتاج إلي الفوز أو التعادل كي يتوج بطلًا للدوري أما الزمالك فلا بديل عنه إلا الفوز، انتقل التليفزيون إلي استاد القاهرة لنقل المباراة عصرًا ثم انقطع الإرسال فجأة لإقامة أذان العصر الذي كان ينوه عنه في القناة الثانية بقطعة موسيقية من اّلة القانون لنسمع صوتًا قادمًا من الشارع بأن هناك هدف أحرز أثناء الفاصل.
أحرز شمس حامد هدفًا من عرضية وبدأت الأفراح في المنزل وأنا في حالة غضب عارمة، ثم أت الفرج عن طريق الصاعد أحمد الشاذلي الذي عادل النتيجة ثم ضربة رأس من الماتادور نبيل محمود أنهت المباراة بتتويج الزمالك بطلًا للدوري.
أول زملكاوي في العائلة.
انطلقت رحلة تشجيعي إلي الزمالك منذ تلك الفترة، عشت معه أفراح التتويج ببطولتي الدوري مع الاسكتلندي ديفيد مكاي ومساعده فاروق جعفر ثم توالت الأحزان بعد الهزيمة الكبرى بثلاثية أمام الأهلي رحل على اثرها جهاز مكاي، ثم شاهدت الزمالك يتوج أفريقيًا ويعاني من الخيبات محليًا مع فريق الأحلام الذي كان يضم نجومًا كثيرة في مقابل فريق الأهلي الذي كان نجمه الأوحد حسام حسن وتابعه فيلكس.
كانت التسعينات هي السنين العجاف في الدوري للزمالك، كسرتها فوز الزمالك ببطولة أفريقيا للأندية أبطال الكئوس في مباراة كانون ياوندي التي كنا نشاهدها وقت الإفطار في رمضان ثم عاد الزمالك إلى بطولة الدوري ثلاث مرات في أربع سنوات في وقت كان الأهلي يغير جيل التسعينات بالكامل.
كنت قد وصلت إلي نهاية مرحلة الدراسة في الجامعة مع بداية الألفية وظهر جيل جديد في العائلة كان يشاهد انتصارات متتالية للزمالك أمام الغريم الأهلي، لم نبكي يوم أن خسرنا الدوري لصالح أبناء العم الإسماعيلي، هذا الجيل الأصغر كان يسير على نفس دربي في تشجيع الزمالك وكما قال أخي الأكبر في أحدى الليالي “انت عارف أنك أول زملكاوى في العيلة ومش عارف الجيل الجديد اللي انت حرضته على تشجيع الزمالك هيجي يوم ويدعي عليك ولالاء” ولا أعرف أن كانت مقولته تتحقق الأن أم لا.
أغنيات في الذاكرة : ثلاثية حميد الشاعري العظيمة
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال