عن تجربتي مع قراءة الروايات .. هل هي مضيعة للوقت ؟!

كانت أولى خطواتي في قراءة الروايات ، حينما قرأت رواية” زقاق المدق”  لـ نجيب محفوظ ، كنت حينها في الصف الأول الإعدادي ـ أتذكر جيدًا ـ، لكني لم أفهم شيئًا إطلاقًا، توالت قراءاتي بفهم و بدون فهم، أتسلى !.

تركت الرواية و اقتصر الأمر على حفظي لأدواري التي كنت أوديها على مسرح المدرسة و في مسابقات وزارة الثقافة المختلفة و حفظي للشعر، حتى و صلت للمرحلة الثانوية، أصبحت أدرك جيدًا معنى الكلام و معنى الحكايات، أتذكر أن قراءتي لرواية ” ثلاثة غرناطة ” لرضوى عاشور هي من جذبتني مجددًا نحو عالم الرواية رغم أني لم أفهمها بالشكل المطلوب لكن هيئة الغلاف جذبتني بقوة، مشهد الوراقين رائحة المطر المنبعث بين سطور الرواية.. خروج العصافير بين أشجار الزيتون وخشب الزان.. كل هذا جذبني و دفعني للقراءة من جديد .

تخصصت في الأدب العربي، عشقًا في الرواية و المسرح و الشعر، و بات السؤال المتجدد هل يمكن أن نجني من قراءة الرويات أية فائدة..!

القصص و قراءة الروايات نوع من الأدب له محبوه و هو يستهوي عددًا كبيرًا من القراء خاصةً من الفئة العمرية الشابة، و يستهين به نوع من القراء الذين يفضلون الغوص في بحر الكتب التي تقدم العلم بشكل مجرد، و يرون أن الرواية مجرد تسلية لتمضية الوقت، لكن هناك فوائد للرواية لا يستهان بها و هذه الفوائد مدعمة بدراسات و شواهد تؤكد نفعها .

تبسيط المعنى 

من فوائد قراءة الروايات؛ تبسيط المعاني و فهمها بشكل أعمق، فالعقل يعي المعاني التي ترتبط بأحداث قصة أكثر من أن يعيها بشكلها المجرد بل إن القصة و ضرب المثل من أنجح طرق التعليم و تبسيط المفاهيم، فمثلا قصص القرآن الكريم، و الذي يذخر كتابنا العظيم بالكثير منها” لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب” .

انت تعرف الكثير من المعاني و المعلومات ولكنك حينما تعيش هذا المعنى من خلال موقف تختبره بنفسك يكون وعيك بهذا المعنى أكبر و أعمق، و الرواية تمنحنا الفرصة بأن نعيش في مواقف و أحداث نعي معانيها عن قرب.

والسؤال إذا كنت ضد الرويات ، ما نوع الكتب التي تشتريها لأطفالك ..أليست قصصًا هادفة لتبسيط المعايني؟!..أليست القصة أخت الرواية!

رحلة في  بواطن الشخصيات 

الرواية رحلة في بواطن الشخصيات، فأنت في حياتك الواقعية تعيش شخصيتك فقط و تطلع على شخصيات تحيط بك لكن الرواية تسمح لك أن تُجرب العيش في شخصيات متعددة، تشعر بنفسك و كأنك روح متحركه تنتقل من شخصية إلى أخرى تغوص داخلها و تبحر في عوالم عديدة من اختلاف الشخصيات و العقول و الطباع، فتفهم الناس أكثر ،تأخذ خلاصة حياتهم مركزة في صفحات و بذلك تعيش أكثر من حياة .

وبالنسبة لي لو لم يكن للرواية فائدة غير هذه لكفتني الرويات جعلتني أدخل إلى بواطن شخصيات لا يمكن أن أصادفها في حياتي بسهوله لم أكن أفهم شعور أم لطفل مصاب بالسرطان و يتنظر موته المحقق كما فعلت في رواية” شفرة بلال”، لم أكن لأفهم شعور بائعة الهوى التي تم سجنها و تدريبها في بيوت السوء التي لم تجد لنفسها ملاذًا سواها، و لكنها باتت تسعى للخلاص منها لتتوب بفطرتها كما فعلت في رواية”قواعد العشق الأربعون” لم يكن سيهمني أن أطلع على رواية ما يسمون “البدون ” الذي ليس لهم جنسية من العرب المولودين لأمهات أسياويات كما فعلت في رواية “ساق البامبو” و لم أكن أعشق رائحة الورق والأندلس و يتملكني الشغف أن أزورها لولا رواية ” ثلاثية غرناطة”، فتلك الروايات فتحت لي أبوابا مغلقة لعوالم مجهولة تختبئ خلف وجوه عادية بشخصيات تعيش بيننا .

رحلة عبر الأماكن
كثير من الروايات تأخذك إلى أماكن لن يتاح لك أن تزورها و تعرف عنها في حياتك الواقعية، مدنًا و بلدان بكل ما فيها من ثقافات و أحداث و ملامح، فكثيرا ما يحدث أن أبحث عن موقع مكان مذكور في الرواية.. أرى صوره و التعرف عليه و أربط الأحداث بهذه الصورة لأعيش تجربة فريدة، فالسفر يوسع المدارك و يزيد من مساحة الوعي.

 رحلة عبر الزمن
و هذه من أمتع الرحلات التي لا تُفوت أخذتني رواية ثلاثية غرناطة مثلا إلى زمن مرحلة سقوط غرناطه آخر ممالك المسلمين في الأندلس، ما أكنت حياة البدو في زمن المماليك لولا رواية ” حجر الكحل” ،  قراءة المعلومات التاريخية تجعلك ترى الأمر من بعيد و كانك ترى مدينة على خارطِه لكن الرواية تسحبك إلى أرض هذه المدينة لترى تفاصيل تُعاش عن قرب ما كنت لتراها من بعيد .

إثراء اللغة
قراءة الروايات تعطيك بلاغة في  الكلام و حسن سبك المعاني ؛ فن يرقى بلغة الإنسان، فالله سبحانه وتعالى اختار اللغة العربية لتحوي معاني كتابه الكريم فكان كتابه بمعانيه و جمال لغته معجزة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

إقرأ أيضا

“الميزان” يُحاور فتى الأهلي الطائر

المعنى يصبح لذيذا لو سبك بلغة بليغة كطبق مزين لطعام لذيذ، ألا تشتهي الطعام لو قُدم لك بشكل أجمل !
الرواية لا تعطيك متعة الاستمتاع بالمعلومة بلغة جميلة فقط بل تزيد حصيلتك من المفردات و الأساليب اللغوية فأحسن الكلام و التعبير عن لغتك بشكل أفضل .

أحيانا الفكرة تخنقنا لو لم نستطع أن نلفظها بلغة تشرحها جيدًا لذلك نسعد حينما نجد من يعبر عن دواخلنا و كأننا نشكره أنه أخرج ثقلها من صدرونا .

المتعة
ما المانع أن تمنحني الرواية بالإضافة إلى فوائدها وقتًا ممتعا مسليا أو ليس الترفيه مطلبا للنفس؟! ،  أو ليس الترويح عنها يجدد نشاطها و يزيد من إقبالها على العلم؟!

كما أن قراءة الروايات  تنشط الحواس و تحفز الخيال، فبعض الروايات تزيد من ضربات قلبك.. بعض الروايات تجعلك تشعر وكأنك تشم روائح أو تشم أطعمة و بعض الروايات تهدهدك بلطف فتسترخي و تنام .

فن الرواية فن عظيم ؛ الكاتب الذي يستطيع أن ينسج لك قصة مترابطة الأحداث عظيمة الأفكار بليغة اللغة و المفردات يمتعك و ينفعك و يمنحك كل هذا ألا يعتبر أنه قام بفعل عظيم!.