رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
2٬260   مشاهدة  

عن تراك ويجز الجديد “البخت” .. وأزمة جيل يعشق النشاز

البخت
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



” أنا بحب جدًا لما حد بيعمل تراك غلط، بيعمل تراك في تون واحدة بره أو بيغني غلط وفي نفس الوقت انت مش حاسس بأي نشاز هي دي الفكرة، ان احنا الموضوع كله كيميا” 

لم تخرج تلك الكلمات الصادمة من فم مستمع هاو لا يجيد التفريق بين النغمة النشاز وبين النغمة المنضبطة ولكنها خرجت من شخص يفترض أنه فنان محترف يمتلك جمهورًا ضخمًا تخطى جماهيرية نجوم كبار احترفوا الغناء قبل أن يفكر والديه في إنجابه.

صاحب تلك الكلمات هو أشهر مطرب راب على الساحة حاليًا “ويجز” قالها على غفلة في حلقة من برنامج “ريد بول مزيكا صالونات” تلك الحلقة التي كانت بصحبة الموزع الموسيقي و مطرب البوب التسعيناتي “حسام حسني”.

لم تكن تلك الكلمات سوى حفنة قليلة من بعض ما قاله ويجز في معرض إجابته على سؤال حسام حسني لماذا لا يدرس الموسيقى؟ ليجيبه فيما معناه أن دراسة الموسيقى لن تضيف إليه أي شئ جديد وأنه يشعر بأن الموسيقى تسري داخل عقله وأن المسألة فطرية أكثر منها أكاديمية، ليواصل الثنائي نقاشهم الحاد حول كثرة استخدام فلاتر تصحيح الصوت المعروفة بـ “الأوتوتيون” بالتحديد في موسيقى الراب، ليواصل ويجز شطحاته بأنه لا يشترط أن تكون الموسيقى التي يصنعوها مدروسة أو صحيحة على حد قوله.

كان ويجز على موعد للتبشير بموجة جديدة من الموسيقى المصرية تتعالى على قواعد وأصول صناعة الموسيقى الأكاديمية، وبرغم أن تلك الموجة نالت استهجان ممن أطلق عليهم اعداء النجاح ومدعى الفضيلة وقادة شرطة الأخلاق الفنية إلا أنها اكتسحت المشهد الغنائي وحصدت جمهورًا غفيرًا، هذا الجمهور الذي تفرغ بعد الحلقة لصب هجومًا شديدًا على حسام حسني رفيق ويجز في البرنامج دون أن يعرفوا قيمة ما قدمه من إسهامات فنية ضخمة في فترة التسعينات ملخصين ما عرفوه عنه بأنه شخص عفى عليه الزمن يتعالى على ذوق الجمهور و يعاني من جمود فكري وضيق أفق!

YouTube player

توقفت كثيرًا عند كلمات “ويجز” التي اقتبستها في مقدمة المقال، في محاولة لفهم كيف يفكر هذا الجيل نحو صناعة الموسيقى ورؤيته للفن في العموم، متسائلًا هل خرجت تلك الكلمات بشكل عفوي أم كانت مقصودة تمامًا، وهل النشاز والتراكات المليئة بالأخطاء الفنية ما هي إلا مجرد محاولات متمردة من هذا الجيل لأثبات وجوده وكسر نمطية أغنية البوب المصري التي تعاني من تكلس شديد في أفكار صناعها، أم أنهم من الأساس لا يمتلكوا أي موهبة تذكر تجعلهم قادرين على صناعة أغنية متزنة خالية من النشاز أو الأخطاء الفنية.

اقرأ أيضًا

أغنيات في الذاكرة : في قلب الليل … عندما تصل الأغنية إلي قمة تطورها

لا يمكن لوم جيل ويجز على تلك الأفكار، لأن نصف مطربي مشهد البوب المصري لا يعرفون قواعد الغناء الصحيحة و يصنعوا أغاني مليئة بالأخطاء والمهازل الفنية سواء في كلمات ملفقة غير منطقية في صورها أو موسيقى استهلاكية فارغة بلا أي مضمون، لكن الكارثة هي تفشي تلك الظاهرة تولد عنه جيلًا جديدًا فاقدًا للذوق الموسيقي يتعاطي مع هذا الهراء الموسيقي المحمل بمفردات تغازل احباطاته ومشاكله وهمومه، ويظن أنها تعبر عنه وتضعه في خانة التميز والاختلاف ، ويبدأ في التماهي م الحالة بشكل يجعله لا يستطيع إدراك وتمييز العيوب القاتلة داخل التراكات التي يستمع إليها، لأنه لا يمتلك القدرة على ذلك، بل ويقف كمدافع شرس عن أي انتقادات توجه لهذا التيار ليس حبًا فيه ولكنه دفاعًا عن اختياراته واختلافه الذي يظن أنها تميزه، ضيف على ذلك فئة تسير خلف الرائج والمنتشر فمن غير المعقول أن يكون كل هذا الجمهور مخدوعًا أو مخدرًا، وهذا ما ظهر بشكل جلي في تراك ويجز الأخير “البخت” الذي تصدر تريند موقع اليوتيوب حاصدًا ستة ملايين مشاهدة في زمن قياسي والأدهى هي تفاعل نخبة من الفنانين والفنانات معه كمجاملة رخيصة لصديقهم ويجز الظاهرة التي تفشت ولم يعد بمقدور أي أحد تجاهلها بأي شكل من الأشكال.

تراك البخت من كلمات ويجز وكعادة مطربي الراب في كتابة نصوص أغانيهم وتلحينها بأنفسهم حتى يقال عليه فنان شامل لكننا أمام مجموعة من الكلمات المتلاحقة الغير مترابطة بلا أي وزن أو اتساق في الفكرة وتشعرك بأن من كتبها مراهق قرر أن يدون ماّساته العاطفية على الورق دون أدني موهبة أو معرفة بقواعد كتابة الأغنية، وهي السمة الغالبة على أغلب تراكات مشهد الراب المصري، عشوائية في الصور مع حشر كم مفردات حداثية مقتبسة من لغة الجيل مصحوبة بنبرة نرجسية عالية في التناول وتراشق بالألفاظ وكأن هذا الجيل أمسك بهراوة وقرر أن يهشم أي قواعد فنية أمامه لا يهم أن كانت صحيحة أو خاطئة.

“عيني منها بشكل جدي – تقيلة ومش تقلانة اتبخر سحري – ومش باجي علي بالها ومفكرتش – يانا بالي فيها بابا بالي مش ملكي”

“سحرتني ولا سحرتلي – عيون مش محتاجة تسحرلي – ومش عايزة تجبني بس جابتني – ونستني وفي قصتي حبستني”

إقرأ أيضا
أنفاق غزة

هذه عينة من بعض كلمات التراك بالإضافة إلي صوت ويجز الضعيف جدًا المعالج الكترونيا بشكل فج مع إلقاء ولن أقول لحن يدق على نغمة واحدة مع إيقاع رتيب لا يتغير، ولا أعرف كيف تتمتع تلك الأغاني بكل هذه الجاذبية وتحصد جمهورًا ضخمًا رغم أنها كمية التلوث السمعي الخالي من ابداع يذكر.

حتى الآن لم يتم التعامل مع مشهد الراب والمهرجانات بشكل نقدي يشرح ويفكك لنا العمل بشكل موضوعي ودون انحيازات، وترك الجميع الظاهرة تتفشى على أمل أن تضبط الأمور نفسها بنفسها، لكن الحقيقة أننا أمام جيل يدعى الموهبة ويصدق أن ما يصدره لنا عبارة عن فن خالص مواكب لحركات التمرد الفني في كل أنحاء الكوكب، ولو صدقنا هذا الهراء الذي يأتي في إطار بيع الوهم والنصب على الجمهور فبكل بساطة يمكن الرجوع إلي تلك التجارب التي يتخذونها كأمثلة لنرى الفجوة الضخمة بين الأصل وبين المقلد بشكل ردئ ورخيص.

ولازالت مقتنع بأن مشهد الراب المصري ومعه المهرجانات ماهي إلا زوبعة في فنجان سوف تنتهي قريبًا، لأنها لا تستند على أرضية ثابتة فالراب والتراب لا يستند على مرجعية واضحة وماهو إلا موجة تقليد عن جهل لما يحدث في أوروبا و أمريكا أو حتى بعض تجارب الراب الناضجة في الوطن العربي، والمهرجانات نمط طفيلي يقتات على الألحان الشهيرة ويعيد تركيبها على كلمات منحطة بأصوات بشعة لا تصلح للغناء، وقبل أن يضعنا احد في صف واحد مع رهبان معبد الفن وشرطة الأخلاق الفنية يجب أن نؤكد أننا مع المواهب الحقيقية التي تخوض مواجهة غير متكافئة وغير عادلة مع تلك التيارات يفقدهم الإحساس بقيمة الفن الجيد وما جدوى الموهبة والتدريب والاتقان في ظل ما نراه من هلس وانحطاط ورداءة فنية وجيل من الجمهور يعشق النشاز.

YouTube player

الكاتب

  • البخت محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
15
أحزنني
0
أعجبني
7
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide






حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان