همتك نعدل الكفة
700   مشاهدة  

عن ثومة وعبقرية اختياراتها..قصة كوكب الشرق “أم كلثوم” (30)

قصة كوكب الشرق


 

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثلاثين من قصة كوكب الشرق ودرة القرن العشرين الآنسة أم كلثوم إبراهيم، وفيها نكمل الحديث عن موهبتها الفذة وعبقرية اختيارتها وذكائها الفني رابطين بين تلك المقومات وبين الموهبة الفطرية التي منحها الله إياها.

 

أم كلثوم ومعادلة الموهبة الفطرية والذكاء الفني والتوجيه

جاءت أم كلثوم إلى القاهرة لا تمتلك سوى موهبتها الفطرية التي منحها الله إياها فأبهرت رجال الموسيقى والطرب وباتت حديث الصغير والكبير من محبي الفن المسموع، إلا أن نظرة أم كلثوم كانت ترمي لما هو أبعد من ذلك، صحيح امتلكت موهبة فطرية جبارة إلا أن تلك الموهبة ما كانت لتصل بأم كلثوم إلى ما وصلت له فيما بعد من تربع على عرش الطرب إلا بعد أن أثقلها الذكاء الفني لأم كلثوم والذي اكتسبته في مراحل حياتها المتتالية، وتوجيه أساتذة الموسيقى الذين تعهدوها بالنصح والإرشاد، كالشيخ أبو العلا محمد والمرحوم محمد القصبجي، وحسن اختيارها لما يلائمها ويليق بموهبتها، وأعتقد أن حديثنا فيما سبق عن سمو أم كلثوم بذوق الجماهير كفيل بإبراز وتوضيح تلك الفكرة.

 

قصة كوكب الشرق

أما عن منح الإله لأم كلثوم، فقد منحها الله صوتاً أثبت الذكاء الاصطناعي عظمته وقوته، فقد قام المعهد القومي للقياس والمعايرة سنة 1971م بتجربة فريدة ومثيرة، استعان فيها بألفين اسطوانة للعديد من المطربين والمطربات من أجل وضع سلم الموسيقى العربية على أساس علمي، وفي النتائج جاء أن صوت كوكب الشرق أم كلثوم هو أكثر الأصوات ضبطا، ذلك أن معادلته الرياضية كادت أن تتطابق مع المعادلة الرياضية للسلم الموسيقي الطبيعي، وقد أثبتت الأجهزة الإلكترونية التي استخدمت في تلك التجربة أن ترددات صوت أم كلثوم تبلغ 3996.5 ذبذبة في الثانية الواحدة، وكان الصوت الثاني بعد صوت أم كلثوم هو صوت المرحوم الشيخ محمد رفعت، وبعده صوت المطرب الكبير المرحوم صالح عبد الحي، وقتها اعتبر البحث أن صوت أم كلثوم من أنقى الأصوات العربية وأعلاها من حيث تطابق معدنها الصوتي مع المعادلات الرياضية للسلم الموسيقي.

 

تقول الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها عن أم كلثوم

صوت أم كلثوم له مساحة من الدرجات الموسيقية يمكن قياسها بأوكتافين أي ست عشر نغمة موسيقية، ويمتاز صوتها بالقوة والجمال، وبحكم حفظها وتجويدها للقرآن الكريم اكتسبت خبرة جعلتها قادرة على إعطاء كل كلمة وكل حرف ما ينبغي للنطق الصحيح، وهي دقيقة الحس عظيمة الذكاء، كثيرة الإطلاع، تحس بكل المعاني التي تتضمنها كلمات الأغنية، كانت تدقق كثيرا في اختيارها للكلمات، وتشترط أن تكون على مستوى صوتها وأدائها، كانت ملمة بقواعد التجويد وقواعد النحو والصرق والإعراب، وقد ساعدها على إجادة الغناء الأداء المبكر لعدد كبير من الموشحات الدينية والمواويل والقصائد ولعل أدائها للموال الريفي هو الذي أكسبها القدرة على الارتجال وأداء الحركات اللحنية.

 

قصة كوكب الشرق
قصة كوكب الشرق

تطور صوت وأداء أم كلثوم طوال رحلتها الفنية

من ملامح الذكاء الفني لأم كلثوم تطور صوتها وأدائها خلال مراحل حياتها المتتالية، فالمتتبع لفن الآنسة أم كلثوم منذ العشرينات وحتى نهاية مشوارها يدرك جيدا كيف تغير أدائها في الطقاطيق القديمة وتطور عما غنته في مرحلة الثلاثينات ثم فيما جاء بعد ذلك في وصلات حفلاتها وحتى نهاية مشوارها الفني، ففي البداية كان صوت أم كلثوم مليئا بالذبذبات الصوتية التي كانت تنطلق من حنجرتها وتحول دون تحديد النغمة الثابتة، وخير مثال على ذلك الطقاطيق والمونولوجات التي لحنها لها المرحوم الطبيب أحمد صبري النجريدي كطقطوقة يا كروان والنبي سلم وطقطوقة يا ستي ليه المكايدة ومونولوج الحب كان من سنين، كذلك في الطقاطيق الأولى التي لحنها لها المرحوم محمد القصبجي كطقطوقة قال إيه حلف ما يكلمنيش، ثم تطور أدائها بعد ذلك في مرحلة تالية هي مرحلة الثلاثينيات فقللت أم كلثوم من تلك الذبذبات إلا أنها ظلت موجودة بعض الشيء ويستطيع القاريء أن يستمع لدور حسن طبع اللي فتني علم القلب الغرام من ألحان المرحوم داوود حسني 1931م ليستمع إلى مزيج من الصوت الناضج المتفتح والصوت الحاد المحتوي على الذبذبات التي ميزت صوت أم كلثوم قبل ذلك الوقت لاسيما حين تقول ” والله ما دوقت النوم ده ليالي”، واستطاعت أم كلثوم بموهبتها وذكائها الفني أن تطور من أسلوب أدائها وتتخلص تماما من تلك الذبذبات، وإن كنت احد المغرمين بأداء أم كلثوم في بداياتها وأحب أن أستمع لهذا الأداء المليء بالذبذبات لاسيما في مونولوج طلع الفجر ولاح، من ألحان المرحوم أحمد صبري النجريدي، والذي تبدأه أم كلثوم بليال تخطف القلب والعقل وهي مليئة بالذبذبات التي نتحدث عنها، صحيح استطاعت أم كلثوم مع مرور الوقت أن تتخلص من هذه الذبذبات، إلا أنه كان خلوصا منها إلى الأداء الناضج المشيخي الذي وصفة الموسيقيون والنقاد بالأداء الكلثومي، وهو الأداء الذي سمعناه حين غنت أم كلثوم أهل الهوى وغلبت أصالح ورق الحبيب والآهات وشمس الأصيل وهلت ليالي القمر وغيرها، حتى بعد أن تقدم العمر بام كلثوم ووصلت لسن الستين استطاعت بفكرها وذكائها الذي مزج مع فكر المرحوم رياض السنباطي أن توظف امكانياتها بمراعاة أحكام السن لتخرج في النهاية بنتاج فني يليق بالقيمة الفنية الكبيرة لها، ولعل أغنياتها مع رياض السنباطي والموسيقار محمد عبد الوهاب والمرحوم الشيخ سيد مكاوي في مراحل عمرها المتقدمة خير مثال على ذلك.

 

إقرأ أيضًا…

شعبين منصهرين فأين تذهب هذا المساء؟..عن مواهب سودانية أثرت سينما مصر

 

قصة كوكب الشرق أم كلثوم (30)

 

على أن الموهبة والقدرة التي امتلكتها أم كلثوم قد أثقلها الذكاء الفني وحسن الاختيار، من ذلك مثلا ما جاء في مجلة الكواكب في ديسمبر 1932م، ومضمونة أن أم كلثوم كانت تختار الأغاني التي ستغنيها تبعا للمجلس والأجواء التي تكون فيها، فمثلا حين غنت في مؤتمر الموسيقى العربية بحضرة الملك اختارت قصيدة أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا، وحين كانت تغني للشباب كانت تختار قصيدة إن حالي في هواها عجب، وإذا صادف أن جلست تغني للفتيات كانت تختار اللي حبك يا هناه، وقد جاء في المقال الذي نشرته مجلة الكواكب أن أم كلثوم شوهدت وهي تغني للفيف من الأدباء العرب وقد اختارت أن تغني لهم:
عارضا بي ركب الحجاز أسائله، متى عهده بسكان جمع
واستعيدا حديث من سكن الخيف، ولا تكتباه إلا بدمعي
فإنني إن أرى الديار بعيني، فلعلي أرى الديار بسمعي.

 

فأم كلثوم كالطير الذي يحسن الهبوط على مختلف الغصون، ومن أهم مظاهرها تمسكها الشديد بما يلقى عليها من نغم ومحافظتها على الثوابت والأصول، فإذا أخذت عن أبي العلا محمد طريقة لإلقاء القصيدة فإنها خير من يخرج بها على الجمهور وكأنك تسمعه هو يغني القصيدة، فنحن أمام عوامل ومقومات كثيرة غير الموهبة الفذة وصلت بأم كلثوم لذرى النجاح والتربع على عرش الطرب في مصر بل وفي الوطن العربي كله، لذلك لا يمكن النظر إلى أحد أطراف المعادلة بمعزل عن باقي الأطراف، فالمعادلة الثلاثية التي جمعت بين الموهبة الفطرية والذكاء الفني والتوجيه بأطرافها الثلاث كانت سببا لما وصلت إليه أم كلثوم من تفرد واختلاف وجعلتها حالة نادرة تبنى عليها النظريات والأبحاث الموسيقية.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نكمل الحديث عن كوكب الشرق في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان