عن سعد الذي لم يعد صغيّر
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تسأل نفسك سؤالًا منطقيًا عند متابعتك لردود الأفعال العامة عندما تأتي سيرة المطربين الشعبيين، الذي اختلطوا حاليًا بمؤديين المهرجانات، وأصبح سوق الشعبي كله بلا خصوصية لألوانه، فتجد دويتوهات مكثفة بين المطرب الحقيقي لصوته المتميز وبين مؤدي ما للمهرجانات لاكتساب عدد أكبر من المشاهدات، وذلك ظهر جليًا في كليب “ضيعنا” عندما اشترك الحكمدار، ومطرب الأغنية الشعبية الكبير عبد الباسط حمودة مع مؤدي المهرجانات عمر كمال، وتلك التوليفة يفوز فيها المطرب في النهاية أكثر من المؤدي، ذلك لأن المؤدي مهما غنّى لن يكتسب صوتًا حقيقيًا، أما المطرب الحقيقي من الوارد أن يتم تسويقه جيدًا في أي وقت من الأوقات .
ولا يحتاج الأمر لمتخصص لرصد حالة التذمر والحنق الذي سادت معظم الجمهور تجاه المؤديين الجدد، بيكا وشاكوش وعمر كمال وحنجرة وكزبرة وما شابههم من لصوص الألحان المختبئين خلف ذريعة حرية الغناء، ذلك لأن عليك قبل أن تغني ألا تكون لصًا .. لكن حالة مختلفة من المؤديين يتعامل معها الجمهور بتقدير كبير له، وهو سعد الصغير .. عرف الجمهور المصري سعد الصغير من سنوات كثيرة مضت، استحتسنوه أحيانًا واستهجنوه أحيانًا أخرى .. لكن يظل السؤال، لماذا هذه الموجة المُلاحظة من دعم سعد الصغير في المقابل استهجان كل صوت جديد تقريبًا .. إذًا من أين تأتي تلك المُفارقة؟
يعرف الجيل القديم من المؤديين، أوكا وأورتيجا وسعد الصغير ومجموعة من فرق الأندرجراوند، يعرفون جيدًا تلك المساحة الضيقة التي حجزها الجمهور لهم فقط لأنهم (شباب لذيذ) يساعد على كسر النمطية في الطرب، لكنهم يحاولون العبث في القاعدة الأساسية، والقاعدة تقول أنه لابد أن يكون لديك صوت حلو أولًا لتغني، ستقول لي : ومن لديه القدرة المطلقة على تقييم الصوت الحلو؟ .. سأقول لك يجتمع الناس على الصوت السئ، والمؤديين الجدد من أسوء الأصوات التي يمكن أن تسمعها في حياتك .. لذلك يحافظ الجيل القديم من المؤديين على تلك المساحة والإبداع قدر الإمكان فيها دون محاولة لخلط الأوراق والمرور خلسة بواسطة سرقة الألحان والكلمات إلى حالة “الطرب الحقيقي”، وهذا لن يحدث طبعًا نظرًا لأنك تستطيع خداع الناس مؤقتًا وليس طول الوقت ، بالضبط كما حدث مع فرقة مسرح مصر، حيث ظن الناس مؤقتًا أن هذا هو الفن نظرًا لخواء الجو الفني من ظهور أوجه جديدة، وعندما شاهدوا الفن الحقيقي انكمشت حجم نجومية أعضاء الفرقة إلى حجمها الطبيعي.
ناهيك طبعًا عن محاولة المؤديين الجدد ارتداء ثوب الكفاح الأونطة بخلق قصص موجودة بكل شارع تقريبًا وعند كثيرين من الناس، ومحاولة تحويل كل موقف في الحياة لتريند يصلح لحكمة أدبية، وكأننا أمام مجموعة من الحكماء الذين يشربون الحكمة صباحًا بدلًا من كوب اللبن .. ناهيك أيضًا عن العدائية الواضحة في خطاب المؤديين الجدد، ومحاولة العيش في وهم أن الجميع يكرهونهم نظرًا للأموال التي أتتهم من حيث لا يدرون، والحقيقة أن الحنق الجماهيري أتاهم لأن ذائقة الجمهور لا تزال سليمة، حيث أن الجمهور يناقشك في أنك بلا موهبة، فلماذا تتقاضى أجر على اللا موهبة؟ .. ولم نجد مثلًا الكتلة الأكبر من الجمهور تتسائل لماذا يتقاضى عادل إمام أو محمود عبد العزيز أو أنغام هذا الرقم الهائل؟
يمشي سعد الصغير والمؤديين القدامى على خط احترام رغبة الجمهور على الدوام، يحاول أن يعوّض موهبته بإنسانيته العالية التي ظهرت في فيديو رقصه مع عامل النظافة السوداني، فضلًا عن إنه لا يحاول استفزاز أصحاب الشهادات بالحديث عن كونها ليست ذات جدوى، ولا يحاول الحديث باسم الناس وكأنه بطل شعبي، ولا يحاول لعب دور ليس دوره ولا تسمح إمكانياته على مستوى الموهبة والاحترافية بذلك ، ونصيحة أخيرة لسعد، حاول أن تحافظ على فطرتك بعيدًا عن التريند الحالي عنك، فلا تفتعل ولا تنتقص، أنت هكذا كما يقول الناس في الشارع : رجل تمام !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال