همتك نعدل الكفة
433   مشاهدة  

عن سلسلة الشائعات التي أصابت الموسيقار محمد القصبجي

المرحوم محمد القصبجي


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة السابعة والعشرين من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد القصبجي وكنا قد بدأنا منذ الحلقة السابقة في الحديث عن سلسلة الشائعات أو ما وصف لدى البعض بمحاولات التزوير التي أصابت سيرة ذلك الموسيقار الفذ، واليوم نكمل ما بدأناه.

أشرنا بشكل سريع إلى أن الأخبار المغلوطة والاستنتاجات الخاطئة لم تصب فقط الكتابات الحديثة عن المرحوم محمد القصبجي، وإنما تسربت تلك الأفكار لكتابات المقربين منه لاسيما صديقه محمود كامل صاحب كتاب محمد القصبجي حياته وأعماله، ليس فقط على مستوى الاستنتاجات المبنية على فهم خاطيء بل على مستوى الإغفال لبعض المعلومات، إلا أن ما تم إغفاله من معلومات عند المرحوم محمود كامل، كان جديرا بالتوقف عنده، خصوصا وأن من حاول البحث عنه فيما بعد لم يكن على ذات الدرجة من القرابة بالمرحوم محمد القصبجي.

تدارك ما تم إغفاله في سيرة المرحوم محمد القصجبي:

لقد تم إغفال جانب هام جدا كان جديرا بالتحليل من قبل محمود كامل، ألا وهو الدور الثقافي الكبير للمرحوم محمد القصبجي والذي تحدثنا عنه من قبل في حلقات سابقة، والحقيقة أن الجيل الأول ممن عاصروا محمود كامل هم من جنوا سلبيات ذلك الإغفال الذي لم يبق على حاله خصوصا بعد العديد من المحاولات اللاحقة للكثير من الباحثين الذين اضطلعوا بهذا الدور، ومنهم المايسترو سليم سحاب الذي قدم بمناسبة مرور تسعين عاما على ميلاد المرحوم محمد القصبجي مقالة مجزأة نشرها في مجلة المصباح في أول مايو عام 1981م، وفي الثامن من مايو من العام نفسه، وجاءت بعنوان محمد القصبجي المجدد الخطير في الموسيقى العربية.

تحدث المايسترو سليم سحاب في مقالته المقسمة لجزئين عن الأسلوب التلحيني للمرحوم محمد القصبجي ممثلا بنماذج محللة موسيقيا، مستخدما في ذلك مصطلحا رائداً باعتبار محمد القصبجي مؤسس السرد الموسيقي من خلال تلحينه قالب المناجاة أو ما يشبه المونولوج، والمناجاة هي الأغنية ذات المقاطع غير المتكررة والتي يراعى فيها الجانب التصويري في الموسيقى، والجانب الدرامي في اللحن المغنى، وربما يتكرر مقطع للربط وليس للفصل والاستقلال، وهي ذروة الخطاب الغنائي الفردي.

أما الكاتب والناقد اللبناني إلياس سحاب فقد كتب مقالات كثيرة خلال فترة السبعينيات وما بعدها، وأذكر منها على وجه الخصوص مقالته الهامة التي قدمها لمجلة كل الأسرة في الذكرى الثلاثين لوفاة المرحوم محمد القصبجي والتي جاءت تحت عنوان: محمد القصبجي أستاذ محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان، والتي أشار فيها تلميحا لا تصريحا إلى فكرة التخلف الموسيقي أو التكبر الموسيقي عند أم كلثوم والتي تمثلت في عدم قبولها المغامرة الموسيقية والشوفينية المصرية وذلك بكره الأجانب سواء كانوا من العرب أو من غير العرب، فقد تناقل الكثير من الباحثين والمؤرخين أن أم كلثوم كانت تستخدم صفة تحقير للمطربات غير المصريات، حيث كانت تقول “البنت الشامية”، كذلك أشار إلياس سحاب إلى أن سبب توقف أم كلثوم عن الغناء من ألحان المرحوم محمد القصبجي هو عقليته الحداثية ونجاحه المدوي مع أسمهان وليلى مراد ونور الهدى، وهو ما يدحض بكل تاكيد فكرة نضوب الفكر الموسيقي للموسيقار محمد القصبجي والتي تحدث عنها الدكتور فيكتور سحاب، وقد أكدنا من قبل على هدم تلك الفكرة باستمرارية الموسيقار محمد القصبجي في التلحين إلى ما قبل وفاته عام 1966م.

أما الكاتب والناقد السوري صميم الشريف ففي كتابيه الأغنية العربية 1981م، والسنباطي وجيل العمالقة 1988م، كان قد قدم مقالتين في الكتاب الأول تضمنت الأولى التي بعنوان: القصبجي والمونولوج والغناء العربي الكلاسيكي، تحليلاً عن الابتكار الغنائي المهم في اجتراح فن المناجاة في تراث الموسيقى العربية وأثره على تطور أساليب الأداء الغنائية، والمقالة الثانية التي وضعها بعنوان: القصبجي وأسمهان والأصوات الجميلة، وتحدث فيها عن الدور الكبير الذي لعبه في حياة أسمهان والعكس كذلك من خلال مجمل أعمال ولو كانت قليلة نسبياً إلا أن قيمتها الثقافية عالية في مستواها ودورها.

من ذلك مثلا لحن “ليت للبراق عينا” الذي غنته أسمهان من ألحان المرحوم محمد القصبجي سنة 1938م، أي حين بلغت السادسة والعشرين من العمر، والحقيقة أن أسمهان لم تغن شعرا فصيحا في حياتها أجمل من تلك القصيدة إلا في أوبريت مجنون ليلى التي شاركت فيه في الغناء الموسيقار محمد عبد الوهاب، وقد اختار المرحوم محمد القصبجي لتلحين قصيدة ليت للبراق عينا مقام الراست الذي يسميه أساتذة الموسيقى رأس المقامات في الغناء العربي، وتصرف فيه تصرفا رائعا حتى جاء ذلك اللحن السينمائي القصير من أبدع ألحان القصبجي للقصائد الكلاسيكية، والحق أن هذه القصيدة كانت بالفعل قد فتحت باب محمد القصبجي أمام أسمهان وقد كان بابا مهيبا وقتئذ، لا تدخله أي مطربة إلا بحساب، لان محمد القصبجي كان الملحن الأول لأم كلثوم في ذلك الوقت.

 

إقرأ أيضًا…عن الحب في حياة ماركيز.. رحلت مرثيدس “المصرية” والتقى الأحباب

 

أما في كتابه الثاني فقد قدم المرحوم صميم الشريف فصلا عن حالة الغناء في فترة الأربعينيات مشيرا فيها إلى دور هام لعبه المرحوم محمد القصبجي وذكر فيه دور أساتذته الموسيقيين غير والده، كميل شمبير وجميل عويس السوريين اللذين كانا وراء تذليل مصاعب إدماج العلوم والتقنيات الموسيقية التي سعى محمد القصبجي لوضعها في موسيقاه لأثرها اللاحق على الموسيقى العربية.

والحقيقة أن ما يؤخذ على كثير من تلك الكتابات، باستثناء كتابات سليم سحاب وصميم الشريف هو مسألة الخوض في سبب توقف القصبجي عن التلحين منذ مطلع الأربعينيات، والتي تحدثنا عنها مرارا، وإرجاع السبب إلى رفض أم كلثوم ألحانه، وتفسير سبب بقائه عواداً في فرقتها بأنه سبب عاطفي لحبه إياها، إلا أن تجنب الوقوع في مثل هذه المشكلة والتي بكل تأكيد يسهل تفنيدها هو ورود معطيات كثيرة يغفل عنها بسبب الوقوع تحت ضغط الفكرة الجاهزة والمسبقة التي تشل التفكير العلمي والتحليلي.

إقرأ أيضا
التأمينات

 

ما نقلته الدكتورة رتيبة الحفني:

ذكرنا في اللقاء السابق أن أحد المحاور الهامة التي قام على أساسها نقد كتاب الدكتورة رتيبة الحفني “محمد القصبجي الموسيقي العاشق” هو فكرة نقل الأفكار السابقة من الكتابات دون محاولة التقصي أو التحقق أو حتى التحليل، والآن نقف مع أول ملامح هذا المحور، ففي الفصل السادس من الكتاب والذي جاء بعنوان محمد القصبجي وصوت أسمهان تورد الدكتورة رتيبة الحفني نصا كاملا من المقالة التاريخية التي اعترف فيها المرحوم كمال النجمي بأن حنجرة أسمهان متفوقة على أم كلثوم بل على علي محمود نفسه، وهي مقالة: “أسمهان والصوت الثاني” والتي نشرها في كتابه “الغناء المصري مطربون ومستمعون” حيث يصف فيها أسمهان باعتبارها حاجزا صوتيا لم تستطع مطربات عصرنا اجتيازه حتى الآن، وفي الصفحتين التاليتين لحديثها هذا، تورد إعادة كتابة لما كتبه الناقد صميم الشريف في مقالة “عاشق الأصوات الجميلة”، من كتابه الأغنية العربية بخصوص الكلام عن مكتشف أسمهان ومعلمها، إلى غير ذلك من المقالات التي نقلت نصا دون تقص أو تحليل، فمثلا فكرة التطوير والتجديد الموسيقي التي تحدث عنها الدكتور فيكتور سحاب والتي حققها المرحوم محمد القصبجي في ميدان قالب المونولوج نقلت نصا كما هي، فضلا عن التحليلات التي استعان بها الدكتور فيكتور سحاب من غيره وردت كما هي، وتلك كانت ملامح المحور الأول، على أن نتحدث في الحلقة القادمة عن المحور الثاني الذي يقوم على أساس الفكرة الجاهزة.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان