عن علاقة ثومة و محمد الوهاب .. قصة حياة “كوكب الشرق أم كلثوم” (18)
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
قبل الحديث عن محمد الوهاب ها قد انتهينا في الحلقات السابقة أعزائي القراء من الحديث عن قصة حياة أم كلثوم عن ملحني فترتها الخصبة من مطلع العشرينات وحتى مطلع الستينات، وإن كنا لم نقفز بالأحداث واكتفينا بذكر مجمل التعاون بينها وبين كل واحد منهم، بدأنا بالشيخ أبو العلا محمد ثم النجريدي وداوود حسني والسنباطي والقصبجي وزكريا أحمد، ولا يمكن بأي حال أن نكون في صدد الحديث عن أم كلثوم ونغفل الحديث عن علاقتها بالموسيقار الكبير الأستاذ محمد عبد الوهاب، لذلك سنخصص هذه الحلقة للحديث عن علاقة أم كلثوم بالنابغة محمد أفندي عبد الوهاب.
أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بين محاولات التعاون والمنافسة الفنية
حين توقف الموسيقار محمد عبد الوهاب عن العمل مع منيرة المهدية ولم يفلح مشروع تعاونه مع فتحية أحمد لم يبق أمامه سوى فكرة واحدة وهي فكرة التعاون مع أم كلثوم، وبالفعل حاول محمد عبد الوهاب العمل معها في مشروع تسجيل أوبرا كليوباترا على اسطوانات بيضافون، ونشرت روز اليوسف في هذا الشأن.
الراقصة “بمبة كشر”.. ابنة قارئ القرآن وحفيدة سلطان مصر التي فرشت الموسكي بالسجاد
وفي تقرير نشرته روز اليوسف جاء فيه :”يعرف القراء أن السيدة منيرة المهدية قد ملأت اسطوانات كليوباترا ومارك أنطونيو وقامت بالدورين، والظاهر أن محمد عبد الوهاب يعتقد أن السيدة لم تحترم حقوقة ولا واجب اللياقة، وأن الذوق كان يقضي عليها بأن تدعوه إلى القيام بدوره في الغناء، وأن يشترك معها في ملء الأسطوانات، والآن يفكر محمد عبد الوهاب جديا في الاتفاق مع أم كلثوم على ملء الأسطوانات بألحان الرواية بعد تحفيظ أم كلثوم ألحان كليوباترا، ويبدو أن أم كلثوم ومستشاريها لم يقبلوا العرض فطويت صفحة ذلك المشروع”.
وبما أن هذه المحاولة لم تكن الوحيدة من نوعها في سبيل التعاون بين كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فقد روى الكاتب الصحافي مصطفى أمين :”تم لقاء في بيتي بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، للاتفاق على تمثيل فيلم عن ألمظ وعبده الحامولي، على أن يمثل عبد الوهاب دور عبده الحامولي وأم كلثوم دور ألمظ، وكان رأي أم كلثوم الذي أصرت عليه أن يلحن أغاني الفيلم السنباطي وزكريا أحمد والقصبجي، فيما طلب محمد عبد الوهاب أن يلحن هو كل أغاني الفيلم، إلا أن أم كلثوم لم توافق إلا على أغنية واحدة يلحنها لها محمد عبد الوهاب، ولم يقدر لمشروع الفيلم بعد هذا أن يخرج إلى حيز الوجود بسبب إصرار عبد الوهاب على موقفه.
وهناك محاولة أخرى قام بها طلعت باشا حرب للجمع بين قطبي الغناء في مصر أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب في عمل فني واحد، فقد دعا طلعت باشا حرب أم كلثوم وعبد الوهاب ومعهما أحمد رامي إلى لقائه، وناشدهما بحب الوطن والفن أن يقبلا الاشتراك معا في فيلم سينمائي غنائي ينتجه ستوديو مصر، وطلب منهما تحديد الأجر الذي يرونه مناسبا لهما، وقد أجاب الطرفان أن الأجر لا يلعب دورا هاما في هذا المشروع، فقط طلبا أن يتساويا في الأجر بالنسبة للتمثيل، أما ألحان الأغاني فلعبد الوهاب أجر خاص له، ومجددا أصر محمد عبد الوهاب على أن يحلن جميع الأغاني.
إلا أن أم كلثوم عارضت هذا الرأي، وطلبت أن يلحن أغانيها محلنوها القصبجي وزكريا والسنباطي مع احترامها لألحان محمد عبد الوهاب، واخيرا وافق محمد عبد الوهاب، وتنبه الشاعر أحمد رامي لوجود أغاني مشتركة بين البطل والبطله ستتخذ شكل قالب الديالوج ” الدويتو” وسأل من الذي سيقوم بتلحينه، وبروح ودودة، قالت أم كلثوم بالطبع محمد عبد الوهاب إذا كان ديالوجا واحدا، أما إن زاد فيكون الديالوج الثاني لأحد ملحنيها، وعاد محمد عبد الوهاب يعترض فقد رأى في ذلك مساسا بفنه، وقتها تازمت الأمور أكثر وأكثر مما دفع طلعت باشا حرب لإلغاء فكرة التعاون بينهما.
صحيح لم يتم التعاون الفني بين أم كلثوم ومحمد الوهاب بشكل رسمي في عمل واحد “كمطربين”، إلا أن روايات الحياة المجتمعية تحكي غنائهما سويا في الجلسات الخاصة، فكثيرا ما كان يطلب منهما في تلك الليالي أن يغنيا سويا، أو حتى دون أن يطلب منهما، فقد كانت روح السمر والدعابة تفرض نفسها لتخلق مناخا مناسبا لانتاج مثل هذا الاشتراك، من ذلك ما روي أنه في عام 1945م وفي الاحتفال بعيد ميلاد الأستاذ حسن الأعور، كان بين المدعوين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وتوفيق الحكيم، وفكري أباظة وكامل الشناوي وصديقته كاميليا الممثلة المشهورة التي توفيت في حادث تحطم طائرة، وبلطافة وخفة دم مازحت أم كلثوم كامل الشناوي واتهمته بالتحيز لكاميليا، واعترف الشناوي بهذا التحيز فطالبته أم كلثوم بإلقاء شعر يصف فيه جمال كاميليا، وبالفعل نظم كامل الشناوي أباياتا كانت وليدة اللحظه يقول فيها:
“لست أقوى على هواك ومالي”
“آمل فيك، فارفقي بخيالي”
“إن بعض الجمال يذهل عقلي”
“عن ضلوعي، فكيف كل الجمال”
فيما أمسك الموسيقار محمد عبد الوهاب بعوده وبدأ في تلحين تلك الأبيات، وعنه أخذت أم كلثوم اللحن وحفظته في وقتها وبدأت تغنيه معه، واستعادهما الحاضرون مرات ومرات حتى مطلع الفجر والفجر وجاء كذلك في روايات أخبار اللقاءات الخاصة بين أم كلثوم وعبد الوهاب أنهما التقيا في منزل والد الفنان الدكتور أبو بكر خيرت الذي اشتهر بإقامة أمسيات يجمع فيها الفنانين والأدباء، وفي إحدى الأمسيات غنى الثنائي أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب رائعة سيد درويش على قد الليل ما يطول.
على أن محاولات الجمع بين القطبين في عمل فني واحد لم تؤثر على فكرة المنافسة الفنية بينهما، فقد جاء في رواية حسن لاشين أن التنافس كان قائما بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب منذ العشرينات، وعندما لحن الشيخ زكريا أحمد لأم كلثوم طقطوقة اللي حبك يا هناه سنة 1931م، وشاع في الوسط الفني أن هذه الأغنية ستكون قنبلة الموسم، وأن زكريا أحمد قد بذل المستحيل في سبيل تطوير الطقطوقة.
وخلق أغنية حديثة بهذه الطقطوقة، حاول محمد الوهاب أن يتعرف على اللحن الجديد قبل أن يظهر في الجو الفني، ودعا ثلاثة من أصدقاء الشيخ زكريا إلى تناول الشاي في محل سولت ودفع هو الحساب، وعندما خرجت الشلة من المحل طالبها محمد عبد الوهاب بأن تغني اللحن الجديد، وبالفعل غنته الشلة، وقال محمد عبد الوهاب بعد أن سمع الجزء الأول من اللحن: اللحن درويشي خالص، فرد حسن لاشين ضاحكا: ما احنا كلنا دراويش يا سي محمد.
ومن ملامح المنافسة بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب قصة المونولوج البديع سهران لوحدي لشاعر الشباب أحمد رامي، وإن كنت أرى أن هذه القصة لا تحكي فقط منافسة محمد عبد الوهاب لأم كلثوم، بل تحكي كذلك منافسة رياض السنباطي كملحن للموسيقار محمد عبد الوهاب، وتدور وقائع هذه القصة حول إعطاء رامي مونولوج سهران لوحدي لمحمد عبد الوهاب سنة 1944م بعد أن أبدى عبد الوهاب الرغبة في تلحينه، وقيل أنه لحنه بالفعل إلا أنه لم يقدمه للجمهور.
في ذلك الوقت كانت المنافسة بين عبد الوهاب وأم كلثوم على أشدها، وكان كل واحد منهما يرغب في الزعامة الفنية، وقد استطاعت أم كلثوم بما لها من دلال على أحمد رامي أن تستحوذ على كلمات هذا المونولوج، وبدورها قدمته للسنباطي كي يلحنه لها، فيما كان السنباطي على علم بأن عبد الوهاب بالفعل قد لحن المونولوج وإن كان لم يغنه للجمهور وخاف المنافسة والمقارنة.
وعن ذلك يقول رياض السنباطي:”لحنت هذا المونولوج عشر مرات، وكل مرة على مقام مختلف، أبحث عن المقام الملائم للمعنى، إلى أن استقررت على المقام المناسب، وخرج اللحن بديعا، وقد غنت أم كلثوم مونولوج سهران لوحدي الذي يعتبر من روائع ما غنت أم كلثوم من ألحاني عام 1950م إلا أن رياض السنباطي ظل متخوفا من فكرة أن يخرج عبد الوهاب ويغني لحن المونولوج لجمهوره وربما يتفوق عليه في تلحينه، إلا أن عبد الوهاب لم يغن المونولوج أبدا، فطويت تلك الصفحة إلى الأبد”.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال