عن كرم الفقراء !
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
“الفقراء أشد الناس كرمًا” .. “ما أقبح الفقر وما أجمل الفقراء ” .. “ألا يستحي الأغنياء من كرم الفقراء”.
مقولات رأيتها في الواقع وبصورة حية وأثبتتها الأيام لأكثر من مرة.
بدأ الأمر بعم عبده، ذلك الرجل السيتيني البشوش الذي يساعدنا على نظافة سلالم بنايتنا حين يكنس ويمسح درجاتها كل أسبوع، يحمل معه دائمًا كيسًا من قطع السكاكر أو اللبان، يكبش بيده ويعطي جميع سكان عمارتنا بشققها الستون، وكذلك يعطي كل عابر، حتى ينتهي ويفرغ تماما ما يحويه كيسه.
شقتنا المفضلة لديه، يزيد لنا من عطائه من الحبات الحلوة، حتى صار لدينا علبة مليئة بما يجود به علينا بأشكال وأنواع مختلفة منهما، وعلى الرغم من ان أمي كلما كانت تشعر بهبوط جراء نزول مستوى السكر في دمها تأكل من حلواه، إلا أننا كنا نراه رجلًا غريبًا أو مختلًا، فكم يتقاضى مقابل عمله؟؟!! وبكم يشتري قطع الحلوى تلك أسبوعيًا؟!! إلى أن إعتدنا الأمر، وصار يوم الخميس هو يوم قطع حلوى عم عبده، وعندما يدق الجرس في ذلك اليوم، أهرول إلى الباب مسرعة وأفتحه، لأرى وجهه السمح البشوش، فأنتظر حلواه، وأنتظر كذلك صوته المتهدج وهو يقول :
– عاملة إيه يا عروسة، ربنا يسعدك ويحلي أيامك يا رب.
قبيل انتهاء شهر رمضان المبارك بيومين دق جرس الباب، فتحته شقيقتي لتجد خلفه زوجة حارس عمارتنا تقول لها ببراءة وابتهاج : هاتي طبق، وعندما أحضرنا لها طبقًا متوسطًا، سارعت وقالت : عندكوا طبق أكبر شوية ؟.
بعد برهة دق الجرس مرة ثانية، فتحنا لنجدها واقفة تبتسم في سعادة ورضا، تخبئ شيئًا ما بخمارها، كان الطبق، وكان ممتلئًا بأصناف وأنواع كثيرة من الشيكولاته والتوفي وقطع الحلوى، بادرتنا بقولها :
ـ كل سنة و انتوا طيبين، ماما جابتلنا أنا وأختي الحاجات دي، وقولت إن آية ومريم برضه اخواتي لازم اجيبلكوا معايا !!
وعلى النقيض تجد أغنياء وميسورين، مرفهين ومنعمين لا يجبرون خاطرًا، ولا يسارعون بالإحسان، يتمخضون حقدًا وغلًا ودناءة وخسة، لا يشكرون ولا يحمدون، بل يتطلعون بنهم لما بين أيادي غيرهم ولا يكتفون، عندما لا تحرم الدنيا المرء شيئًا يزداد جشعًا وطمعًا وشراهة وحرصًا وبخلًا وتجبرًا وبطشًا، ينقم على نفسه والآخرين، يتفشى بصدره الكراهية والبغضاء والضغينة والحنق والسخط.
أجل إن الفقير ليس غنيًا بالمال ولكنه غني نفس، وإن الفقراء هم أكثر الناس كرمًا وجودًا واحسانًا وعطاءً وقناعة وعفة، وإن المرء – كما يُقال – لا يُعاب على فقره، ولا قبح شكله، فليس له في ذلك حولًا ولا قوة، إنما يُعاب على قبح لسانه، ودناءة أخلاقه، وخسة مواقفه، وحقارة تصرفاته !!.
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال