عندما رفض عبدالرحمن السديس أداء صلاة الجنازة على محدث الحرمين لأنه صوفي
-
محمد سعد
خريج كلية الحقوق .. كاتب تقارير نوعية ومتخصص في ملفات التراث الديني والإسلام السياسي
كاتب نجم جديد
رفض عبدالرحمن السديس الشيخ الوهابي إمام الحرم المكي الصلاة على شيخ المالكية الشيخ محمد بن علوي المالكي منذ 17عام والذي أعلن فرحه لموته بعد ما اضطهدوه وضيقوا عليه وشوهوا سمعته وقدموه للمحاكمة.
اقرأ أيضًا
الوهابية المكفراتية الأوائل .. كيف كفروا مصر وخصوا الصعايدة وأهل الفيوم ؟
أثبتت هذه الواقعة أنه لو كان بيد هؤلاء الوهابية كامل الأمر، لمنعوا الصلاة عليه أصلاً فضلاً عن أن يدخل جثمانه الحرم المبارك، ولربما منعوا دفنه في مدافن المسلمين، فضلاً عن أن تكون في المعلاة الى جانب قبر أبي طالب وخديجة رضوان الله عليها.
لم يسع إمام الحرم الوهابي المتطرف الشيخ السديس، صاحب الصوت الجميل، والمشاعر المتدفقة التي لا تظهر إلا على الميكرفونات، لم يسعه ما وسع أولياءه من آل سعود، الذين ما إن رأوا السيول الهادرة المشيّعة للفقيد الراحل السيد محمد علوي مالكي الى مثواه الأخير في مقبرة المعلاة، حتى بادروا مرغمين مهرولين الى دارة العزاء مجاملة للمشاعر العامة الناقمة على المؤسسة الوهابية وآل سعود.
من هو الشيخ الذي رفض عبدالرحمن السديس الصلاة عليه
هو محمد بن علوي العباس المالكي هو أحد أبرز علماء المسلمين في العصر الحديث ويلقب بمحدث الحرمين، ولد بمكة المكرمة عام 1367 هـ ونشأ بها نشأة إسلامية علمية صوفية في كنف والده الإمام علوي بن عباس المالكي، وترعرع في رحاب حلقات العلم بالمسجد الحرام، فحضر على كبار العلماء بالحرمين الشريفين وتوجه إلى تحصيل العلوم الشرعية الإسلامية حتى أضحى من أهم علماء الحديث في عصره.
تربى الشيخ محمد بن علوي المالكي في أسرة صوفية بعيدة كل البعد عن جو السعودية المشحون بالفكر الوهابي المتطرف ، كانت للشيخ المالكي حلقة شهير في المسجد الحرام وكانت هذه الحلقة إمتداد لأكثر من 600 سنة من تدريس أجداده .
وكان له القَبُول وامتلأت دروسه بالطلاب والمستمعين من الخاصة طلاب العلم ومن العامة من أهل مكة والزائرين ، وأخذ الناس يتنادون لحضور دروسه خاصةً في رمضان الذي كانت ذكرى يوم بدْر فيه – 17 رمضان – أكثر الأيام وأزحمه حضوراً بحلقته في باب السلام يتجاوزون فيها الألفين والثلاثة آلاف ، حتى أنه في إحدى السنوات نُقل هذا الدرس من الحرم عبر شاشة القناة السعودية الأولى ولأوّل مرةٍ في الإعلام السعودي.
حصل الشيخ المالكي على درجة الدكتوراه من كلية أصول الدين جامعة الأزهر ومنحته الجامعة الأزهرية الدكتوراه الفخرية في عام 2000 بناء على ما تضمنه التقرير المفصل من تقييم علمي للأبحاث والمؤلفات المقدمة على المستوى العلمي الأكاديمي في مجال التخصص الدقيق وذلك باسم الجامعة الإسلامية الحكومية بقدح دار الأمان بماليزيا.
من ضمن جهوده الإصلاحية أنه قد أقام أكثر من ثلاثين معهدًا وثلاثين مدرسة في دول شرق آسيا وجنوبها.
لم يقبل الشيخ المالكي بالمفاهيم المغلوطة القائمة على تبديع وتفسيق الآراء المخالفة للرأي الواحد خاصةً في موضوعات : الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، والتوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم ، والمدح النبوي الشريف ، وشدّ الرحال لزيارة النبي صلى الله عليه و سلم ونادى بتصحيحها وألف سلسلة من الكتب مفاهيم يجب أن تصحح
فتعرض لهجوم من مشايخ الوهابية في السعودية منهم الألباني وابن باز وشيخ اسمه سفر الحوالي وخكموا عليه بالكفر بسبب أنه صوفي حتى أن الشيخ سفر الحوالي هذا قال عن الشيخ المالكي ” مجدد ملة عمرو بن لحي وداعية الشرك في هذا الزمان ” وصدر ضده قرار بالتكفير من هيئة كبار العلماء بالسعودية المرقم 86 في 11|11|1401 هـ في الدورة السادسة عشرة المنعقدة بالطائف في شوال عام 1400 هـ وقاموا بتحريض الأمن ضده وأوقفوا درسه في الحرم وتم الحكم عليه بالإعدام ولكن الملك لم يصدق على الحكم وأفرج عن الشيخ .
شاركَ – رحمه الله – في اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري الذي عقد في مكة المكرمة ( 4-8 ذو القعدة 1424هـ ) وكان موضوعه “الغلو والاعتدال” ؛ كان الملتقى دُرّة لقاءات الحوار الوطني حضوراً وتمثيلاً لأطياف الوطن الكبير ، ولم تحقّق لقاءات الحوار الوطني اللاحقة ما حقّقهُ هذا اللقاء من لُحْمة وأثرٍ على مستوى البلاد ، والمفارقة العجيبة أن يُشارك بكل سماحةٍ وأريحيّةٍ – وهو ضحية الغلو والتعصّب الديني – ليؤصّل للاعتدال الذي هو منهجه طيلة حياته العلمية والعملية على طاولةٍ واحدةٍ مع مَنْ كانتْ أصواتُهم تصدَحُ بتبديعه وتفسيقه وربما تكفيره ليل نهار !.
وفي منتصف شهر رمضان 1425 هجري سنة 2004 بعد صلاة التراويح رحل الشيخ المالكي فاختاره سبحانه إلى جواره في ساعة ، وليلة ، وشهر ، وحالٍ يتمنّاهُ كلُّ مؤمنٍ .. إنه شهر رمضان المبارك ، في النصف منه ، في ليلة الجمعة ( ليلة مولد جدّه الحَسَن بن علي ) ، في ساعة السَّحَر قبل انبلاج الفجر ، صائماً ، وأقام التراويح ، وختم ليله بالوتر ؛ فأجاب ربه ( رحمه الله تعالى ) ، وخرجتْ جنازتُهُ يوم الجمعة ليلة السبت 15 /16 رمضان 1425هـ في مظهرٍ للجنائز لم تشهد مكةُ مثلَه قبلَهُ أبداً والسديس حينما وضعت أمامه الجنازة للصلاة على السيد محمد في الحرم، كما يفعل عادة، سأل عن صاحب الجنازة، فقيل له إنه السيد محمد علوي مالكي، فارتدّ على عقبه واستعاذ بالله أن يصلي على كافر! قد أراحه الله من بدعته كما يقول! هذا وهو أمام الكعبة المشرفة، بين يدي الله، وأمام الملايين من المسلمين الذين جاؤوا من كل فج عميق في أيام رمضان المبارك.
قال عنه الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي حضرَ عزاءَ الفقيدِ ( رحمه الله ) : “الفقيدُ كل أعمالهِ خير وبركة ، وليس لنا إلا أن ندعوَ له بالرحمة والغفران ، إنّ الفقيد من أبناء الإسلام الأوفياء لدينهم ودولتهم ، ونسألُ اللهَ أن يجعله في جنات الخُلد”.
الكاتب
-
محمد سعد
خريج كلية الحقوق .. كاتب تقارير نوعية ومتخصص في ملفات التراث الديني والإسلام السياسي
كاتب نجم جديد