عندما كنت طالبًا في مدرسة المشاغبين..يرويها زكوة 10
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد
تسلمت من مدير فرقة الفنانيين المتحدين نسخة من مسرحية مدرسة المشاغبين التي يستعد الأستاذ مدبولي لإخراها من تأليف علي سالم ، كان دور أحمد الطالب الفقير في فصل المشاغبين بالمدرسة يبدو عجيباً ، حيث أرى إسمه في كل ورقة من ورقات الرواية ، دونما أهمية تميز تلك الشخصية إلا جلوسه الدائم على الديسك الأخير بديكور الفصل المدرسي إلى جوار شخصيتي لطفي و منصور التي يؤديهما زميلاي محمد صبحي و يونس شلبي ، بينما تتمحور الأحداث حول كل من سعيد صالح و عادل إمام من جهة و سهير البابلي و أستاذ عبدالمنعم مدبولي في مواجهتهما ، لكن ما جعلني متحمساً للبروفات أثناء التحضير أن مساحة دوري تتمدد في الفصل الثالث و تسمح لي الدراما أن أعبر عن قدراتي .
بدأنا نعرض ، لم أكن أتخيل ذلك النجاح ، كتبت الصحف و تحدث الناس في المقاهي و سهرات البيوت عن المسرحية ، تحمس عادل و سعيد و تنافسا في الإرتجال ، إنطلقت الضحكات بلا توقف ، تضاعفت مدة الفصلين الأول و الثاني ، حاول الأستاذ مدبولي السيطرة على الإيقاع المترهل لكن في كل ليلة عرض كان الضحك الذي يأتي من الصالة يُحفز سعيد و عادل على عدم الإلتزام إلا بإبتكار المزيد من الإيفيهات ، فإختار الأستاذ مدبولي أن يختزل من دراما الفصل الثالث حتى لا يخرج الجمهور من المسرح بالتزامن مع خروج الموظفين و التلاميذ من بيوتهم إلى الشوارع للوصول إلى مقرات المصالح الحكومية و المصانع و المدارس .
تضررت من ذلك التعديل ، كان من المفترض خلال الفصل الثالث أن تتطور شخصيتي داخل الرواية ثم تحاول شخصية التلميذ أحمد الفقير تلك مساعدة باقي شخصيات زملائه من التلاميذ حتى يتوقف الفشل و يتحول إلى نجاح ، و هذا هو ما قد تم حذفه .
كنت أذهب إلى المسرح مبكراً أدخل إلى غرفتي ، أرتدي ملابس الشخصية و أتخيل هموم أحمد التلميذ الفقير و صراعه مع الفقر و أشعر بموهبته في إقراض الشعر الذي يكتبه و يبيعه للعشاق بالأسكندرية ثم عندما يفتح الستار و يمر الوقت و أستقر في الصف الأخير ، كنت أفتح الديسك الذي أجلس خلفه فأجد كُتبي و كراساتي التي أتركها بداخله و أستثمر الوقت في مذاكرة الدروس و المحاضرات حتى لا أرسب في المعهد .
في ليلة ما وقفت أنظر إلى نفسي في المرآة و أنا أرتدي ملابس الشخصية ، تعجبت من ذلك التشابه في الإسم و في الظروف ، يتيم و أحمد ، كيف لم ألحظ ؟ .. سمعت دقات على بابي .
– مين ؟ ( صرخت )
كانت تلك طريقتي لتحذير يونس شلبي و سعيد صالح و حسن مصطفى من المزاح معي رعبة مني في التركيز لأداء الشخصية .
– إفتح يا أستاذ أحمد أنا رمسيس نجيب المنتج
إندهشت لكنني لم أنطق فإستأنف الطرق على الباب .
– إفتح أنا معجب بموهبتك جداً و جاي أمضيك على عقد بطولة فيلم جديد بانتجه ، بطولة سعاد حسني و إخراج كمال الشيخ ..
إقرأ أيضًا…عندما وقفت بين عبد المنعم مدبولي وسعيد صالح..يرويها زكوة 8
سحبت نفساً عميقاً ثم أخرجته فعاد إلى الهدوء ، مدت يدي و فتحت الباب ، وجدت سعيد صالح يقف أمامي مُتقمساً شخصية المنتج و خلفه يقف يونس شلبي و حسن مصطفى و هادي الجيار الذي حل مكان محمد صبحي ليؤدي دوره في المسرحية ، بان الغضب على ملامحي فهرولوا و هم يضحكون متفرقين في أكثر من إتجاه ، وقفت في مسافة تسمح بصوتي أن يصل إليهم جميعاً و تركت الحرية للساني في أن يسبهم كيفما شاء ، كانوا يتعجبون من ملامح الجدية التي تكسو ملامحي فور دخولي من باب المبنى قبل فتح الستار ، لكنها دون شك لم تكن جدية مصطنعة ، فأنا بالفعل لا أجيد الشيئيين معاً المزاح و العمل ، ربما يعيبني ذلك لذا أحرص على الإنعزال لإستحضار الشخصية .
خلال العرض سمعت نبرة ضحك أعرفها تأتي من رجل يجلس في الصف الأول ، رفعت عيني التي تنظر إلى عُمق الديسك و جهتها ناحية الصف الأول فرأيت عبدالحليم حافظ و قد أصيب بنوبة من الضحك بينما عادل إمام ينظر إلى سهير البابلي مندهشاً و هو يسألها :
– إنتي جبتي لغاليغُه دي منين ؟
منذ كنت أقف على خشبة مسرح مدرسة الصنايع لأمثل و أنا أفكر في عبدالحليم ، نحن من مدينة واحدة ، كلانا عانى من اليتم و الفقر ، كنت أتساءل هل يسمح القدر بأن تتكرر نفس القصة مرتين و أحقق النجومية في التمثيل مثلما نالها هو في الغناء أم سيكتفي القدر بإعادة محاكاة التشابه فقط في المنشأ و اليتم و الفقر ؟.
إنتهى العرض ، سرت إلى غرفتي و أنا أرى حليم يدخل الكواليس ليزور المشاغبين في غرفهم ، بدلت ملابسي ، تأنقت ، جلست في إنتظاره .
فجأة خفت الضجيج ثم ساد الصمت ، فتحت الباب بحذر ، أخرجت رأسي فلم أسمع صوتاً أو ألمح شخصاً أو حتى خيالاً يتحرك ، خرجت إلى المكان الذي غادره الجميع و عرفت من الحارس أنهم خرجوا في صحبة حليم .
الكاتب
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد