غروب شمس المليشيات

كعادتي اليومية أتابع مستجدات أخبار الساحة الإقليمية، وبالأخص العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المليشيات التابعة لإيران في غزة ولبنان، والتوَعُّد بتوجيه ضربة محتملة لإيران بعد الضربة الصاروخية اللى إيران وجهتها لإسرائيل، وكمان تهديد إيران لأي دولة تسمح لطيران معادي ليها يعدي من أجوائها عشان يضربها هي.

وسط كل ده لفت انتباهي خبر إنعقاد قمة ثلاثية في أسمرة، عاصمة إريتريا، جمعت الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، من أجل تعزيز العلاقات بين الدول الثلاثة.

فلقيت نفسي محتاج أفهم.. هو إيه إللي بيحصل بالظبط؟ فقررت أشرب قهوة مع صديقي المُطَلِّع على مجريات الأمور؛ علشان أسأله هو إحنا فإيه ولا فإيه؟ هل الأولى إن الدولة تكثف جُهدها في شرقها وتشتغل على احتواء التصعيد ومنع اشتعال حرب إقليمية بالمنطقة؟، هنكون إحنا من أكتر المتضررين منها. والبشاير باينة من الحاصل في البحر الأحمر بعد دخول “الحوثيين” في الصراع وبالتالي تأثير ده على حركة الملاحة في قناة السويس. ولا الأولى إن القيادة السياسية تحرص على الاهتمام بالتطوارت الحاصلة في القرن الأفريقي؟

فقالي: ما الحكاية كلها منفدة على بعضها.

فقلتله: لا معلش بالراحة عليا كده وفهمني.. إيه اللي جاب القلعة جنب البحر؟

بداية النهاية لعصر المليشيات

تعالى كده نرجع بالذاكرة للربع الأخير من القرن العشرين، واللى شهد بزوغ شمس حكم أو نفوذ الميلشيات والحركات المسلحة الممولة من دول أجنبية في المنطقة؛ عندك حركة طالبان في أفغانستان خير مثال على الكلام.

دي مليشيا حاربت السوفييت بدعم وتمويل أمريكي لحد ما قدرت توصل للسلطة وتحكم أفغانستان سنة 1996م. في نفس الوقت تقريبا كان بيتشكل تجارب مشابه في منطقة الهلال الخصيب لكن لصالح إيران؛ فاتكونت مليشيات شيعية تابعة ليها على غرار -على سبيل الذكر وليس الحصر- “حزب الله” في لبنان و”جماعة أنصار الله الحوثيون” في اليمن، ومع سقوط نظام صدام حسين في العراق (سنة 2003م) بدأ يتشكل هناك ميلشيات شيعية مدعومة من إيران، علشان نوصل لمرحلة إن الميلشيات دي كلها بقت بتحكم أو ع الأقل تتحكم في دولهم لصالح دول خارجية، وكتير من الميلشيات دي كانوا بيبشروا بحكم إيراني لمنقطة الهلال الخصيب.

لكن الأحداث الجارية حاليًا في المنطقة بتقول إنها بداية نهاية حكم الميلشيات والحركات المسلحة الإيرانية وغيرها في منطقة الهلال الخصيب.

عندك القاعدة وداعش ومن بعدهم جبهة النصرة، كمليشيات إسلامية سُنية، دورها تراجع كتير السنين اللي فاتت نتيجة جفاف منابع التمويل، فبقى نفوذهم في المنطقة هامشي جدا، ويادوب الصوت المسموع ليهم هو صوت جبهة النصرة المسيطرة على منطقة أدلب في سورية.

أما على مستوى التمويل الإيراني؛ فحزب الله حاليا بيتآكل في لبنان وحماس دورها بيتراجع يوم بعد التاني، بالتالي دور الشطرنج اللى بيتعلب حاليا في الجنوب هو محاولة استباقية لمنع استنساخ حالة ممثالة في منطقة القرن الأفريقي.

الدولة المصرية في القرن الأفريقي

السؤال ليه بقى القيادة السياسية لمصر سايبة الهلومة دي كلها ومهتمة بالقرن الأفريقي، وبتعمل أتفاقيات تعاون مع دول زي الصومال وإريتريا في التوقيت ده بالذات؟

هأقولك؛ نظام “آبيه أحمد” في أثيوبيا -بداية السنادي- وقع اتفاق مع إقيلم “أرض الصومال” الإنفصالي؛ بموجبه يحق لإثيوبيا استخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر في أغراض تجارية وعسكرية، يعني تهديد مباشر لمصالح الدولة الصومالية على مستوى وحدة وسلامة أراضيها ومن ناحية تانية تهديد لمصالح الدولة المصرية بالتأثير على شكل الملاحة في البحر الأحمر.

بالتالي على أزمة “الحوثيين” في البحر الأحمر ما تخلص نلاقي أمر واقع اسمه أزمات إثيوبيا في المنطقة نفسها، وده كمان تهديد لمصالح دولة إريتريا اللي مش بس هتخسر احتياج إثيوبيا لموانيها علشان حركة البضايع، دي كمان خايفة من أطماع وطموحات نظام آبيه أحمد التوسعية.. وإماكنية موحاولته الاستيلاء على ميناء “عصب“. وعلشان كل ده قلتلك: كلها منفده على بعضها.

فالمشهد الحالي بيقول إن عندنا في المنطقة دولة عندها طموحات وأطماع توسع وهيمنة على دول المنطقة ومواردها، وفي نفس الوقت ماعندهاش أي مشكلة فالتعاون مع ميلشيات أو قوات متمردة في دول الجوار مادام ده هيحقق أهدافها غير المشروعة بالأساس.

في المقابل الدولة المصرية، كدولة مؤسسات، لا بتعترف ولا بتتعامل مع مليشيات،  فنلاقيها وقعت مع دولة السودان اتفقاية تعاون عسكري في 2021، وفي أغسطس -من شهرين- وقعت اتفاقية دفاع مشترك مع دولة الصومال؛ بمقتضاها الجيش المصري بعت معدات عسكرية للعاصمة الصومالية مقديشو، وفي الخطة إرسال 10 تلاف جندي. 5 بموجب الاتفاق الثنائي بين البلدين و5 تانيين ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية؛ لخلافة البعثة الحالية واللي معظمها من القوات الأثيوبية.

والقمة الثلاثية، اللي انقعدت يوم الخميس الموافق 10 أكتوبر، سبقها زيارة من رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية بدر عبد المعطي، إلى رئيس دولة إريتريا أسياس أفورقي، لنقل رسالة من نظيره الرئيس المصري تناولت عرض سبل التعاون وتطوير العلاقات الثنائية ومتابعة التطوارت في المنطقة.

إقرأ أيضا

لماذا لا يقبل البعض بالموت؟

تحالف إقليمي جديد للقرن الأفريقي

بكده نقدر نقول إن بقى في تحالف بيضم الدول التلاتة؛ له رؤية مشتركة واتفاق على تحقيق جملة من الأهداف، منها دعم واستقرار ووحدة وسلامة دولة الصومال، والاتفاق على خطورة السياسات الأحداية عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية وحتمية الإلتزام بمبدأ التعاون والتشاور المسبق بين الدول التي تجمع بينها آنهار عابرة للحدود، ذلك لضمان عدم الإضرار بحقوق ومصالح أي منهم.

كمان نقدر نقول إن التحالف بين الدول التلاتة هينتج عنه تنسيق أمني.. هتستفيد منه الصومال وإريتريا في مواجهة ومحاربة الحركات الإرهابية في الإقليم.

وفي نفس الوقت الاتفاق على توفير الأمن والسلامة لحركة الملاحة في البحر الأحمر؛ ووقف عمليات القرصنة اللي بتقوم بيها “جماعة الحوثي” وغيرها من الحركات أو المليشيات المسلحة؛ نظرا لأهمية هذا الممر وحيويته. ووضع سياسات خاصة متكاملة تأخذ في اعتبارها الجوانب التنموية والاقتصادية لمختلف أطراف الاتفاقية؛ ما يساعد على تعزيز واستقرار وحماية حركة التجارة والمالحة في المنطقة، عن طريق منع سيطرة الجماعات المسلحة غير النظامية على الممرات المالحية وتهديد أمن الطاقة؛ والتصدي لأي محاولة من أي قوى لفرض رؤيتها أو سيطرتها على المنطقة.

الخلاصة

إقليم القرن الأفريقي بيحصل فيه تحولات نوعية نقدر نقول إنها بتعيد تشكيل ملامحه الجغرافية والسياسية، وده تبلور في تدشين حِلف استراتيجي بين مصر والصومال وإريتريا، واللي هيساهم في التنسيق والتشاور بشأن التحديات والتهديدات المشتركة للدول التلاتة؛ مستندين على عدد من المبادئ بتدور حول الاحترام المتبادل وحسن الجوار بين الدول وعدم التدخل في الشؤن الداخلية وحل النزاعات بالطرق السلمية.