غزوة المونديال
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
المونديال فيه كتاب دين
كما كان منتظر، أصداء المونديال أتحولت من الاحتفاء بالكورة إلى سجالات ومعارك قيمية، نفس وضع النسخة السابقة بس على “اسكيل” أكبر شويتين تلاتة.
لأن المرة دي البلد المنظم مش بعيدة عننا زي روسيا، والأهم أن الموضوعين الأبرز المرة دي الدين و”والعياذُ بالله” الحريات الشخصية.
العالم كله كان في غاية الترقب لمسألة الحريات الشخصية خلال المونديال، وده طبعًا لِما تمتاز به منطقتنا من تدني في النقطة دي بالذات، مش بس على المستوى الرسمي إنما كمان مجتمعاتنا عندها عداء أصيل معها.
إحنا نفسنا كنا مترقبين جدًا، خصوصًا بعد التصريحات المتتالية للناطق الكروي باسم الأمة العربية-الإسلامية.. الشهير بأبو تريكة، واللي حسستني -بشكل شخصي- أن البطولة في قندهار.
بس طبعًا ومن أول لحظة، قبل حتى الافتتاح، تم التوصل لحل وسط في موضوع الخمور، الفيفا من ناحيتها كملت تلقي السهام عن المنظمين وحظرت تناول الكحوليات في الملاعب ومحيطها، أما اللجنة المنظمة فأعلنت عن تخصيص أماكن لبيع واستهلاك المشروبات الكحوليات.
بس سموها “مشروبات عالمية” لزوم تفادي الصدام المباشر مع المحافظين في الداخل القطري أو خارجها، في الدول الناطقة بالعربية عمومًا.. اللي همه السوق المباشر لقنواتها الرياضية.
ماحدش هينبسط هنا
الجنس، تقريبا هو المشكلة الأكبر والأزمة الأضخم في مجتمعاتنا، اللي عندها استعداد تتحمل التعذيب.. القمع.. الفساد.. المرض.. الفقر.. إلى أخر بالتة المعاناة البشرية، وتسكت ع الكدب والخيانة والاستغلال وصولًا إلى ابعد نقطة في قاع الإنحطاط الإنساني، بس مايقدروش يتحملوا أن يكون الناس أحرار في أجسامهم.
عمليًا إحنا لسه بنكافح في توضيح أن العلاقات الجنسية المعتادة (ما دامت رضائية وأطرافها بالغين راشدين) تبقى ماتخُصِش غير أطرافها.
فلما يكون الكلام عن تقبل مجتمع الميم بتنوعاته، اللي فعلًا مايعبرش عنها غير قوس قزح ذات نفسه. فمتوقع جدًا أنه يبقى فيه هجوم مجتمعي كبير مساند للموقف الرجعي لقطر. موقف دعمته الفيفا -كالعادة- بتبنيها قرار توحيد شارة الكابتن في كل المنتخابات المشاركة.
نفس الـ”قطر” اللي كانوا بيهاجموا كل حاجة تخصها من كام يوم، بس عرفت تقدم لهم الخطاب الدعوي اللي بيحبوه.. وغازلت فوبيتهم الجنسية وكراهيتهم للآخر وللحريات الشخصية.. والحياة.
إنسانية ألمانيا وفدائية الفيفا
ألمانيا واحدة من أكبر الدول الداعمة لحقوق الإنسان والمُستَقبِلة للاجئين، خصوصًا بعد الحرب السورية، أعداد ضخمة من لاجئين.. مسلمين وعرب هربانيين من كوارث ناتجة عن المعارك القبلية-المذهبية “السرمدية” في الشرق الأوسط.
ده غير طبعا الحالات الفردية الهربانة لأسباب سياسية أو أيدلوجية أو جندرية أو جنسية.
الفيفا واصلت تلقي الرصاصات عن اللجنة المنظمة، وأعلنت رفضها التام لظهور ألوان قوس قزح على شارات كباتن الفرق أو فانلات أي فريق، لدرجة إنها رفضت اعتماد الطقم الاحتياطي للمنتخب البلجيكي.
صورة ألمانية..
المنتخب الألماني واحد من المنتخبات اللي كانت عايزة الكابتن بتاعها يلبس الشارة بألوان قوس قزح، واللي برضه رضخت “بطبيعة الحال” لتهديد الفيفا بإيقاف اللاعبين أو إنذارهم بكروت صفراء، الأمر اللي مش بس ممكن يهدد كابتن الفريق بالطرد أثناء الماتش أو إنه يتوقف، إنما ممكن يأثر على تأهل منتخب لدور الستاشر من عدمه، زي ما حصل المونديال اللي فات بين كوريا.ج والسنغال.
بعثة المنتخب الألماني رضخت لقرار الفيفا، بس خدت موقف تسجل بيه اعتراضها. وبالتزامن مع الصورة نشر الاتحاد الألماني بيان يوضح فيه معنى الصورة ويعلن موقفه كمؤسسة وموقف البعثة المشاركة كأفراد.
فكل الشكر لـ المنتخب الألماني، على تمسكهم بقيمهم الإنسانية في مستنقع من الإزدواجية والعنصرية وشبهات الفساد. وتأكيدهم على تقبل الجميع.. والحرص على توضيح أن لا فضل لمثلي على عربي ولا لملحد على مسلم… إلا بالمواطنة واحترام القانون.
وعقول في المهلبية
ناس كتير حدانا هاجمت المنتخب الألماني وحتى ألمانيا ذات نفسها، هجوم متنوع التبريرات.. اللي قال: ده عدم احترام لقوانين الدولة المضيفة.
واللي قال: ده ترويج للمثلية.
واللي قال: دي حرب ع الإسلام (المسلمين بيحبوا الموضوع ده أوي).
واللي قال: إنهم غيرانين من النجاح الكبير للمونديال.
تعليقات متنوعة يجمعها حاجتين.. الهجوم على الألمان والخلط الساذج بين الأمور، زي محاولة المقارنة بين طول الزرافة ووزن الفيل.
يعني مثلًا… هل فيه عقل أو منطق يساوي بين:
١) لاجئين هربانيين من بلادهم لبلد تاني، فتوفر لهم الحماية والدعم ومع الوقت تديهم جنسيتها ويكون لهم كامل حقوق المواطنة.
٢) زوار مشاركين في فاعلية عالمية مكان تنظيمها مش ثابت، والمشاركين مالهمش يد في تحديده. والجمهور هنا مش ضيوف.. دول سياح جايين يتفسحوا وينبسطوا ويتابعوا فرقهم وكل ده بفلوسهم، والمنُظم هنا مش مضايف حد.. ده استثمار المفترض يطلع منه كسبان.
بديهيات
- المونديال فاعلية “عالمية” والدول المختلفة هي اللي بتحاول تنال شرف تنظيمها لما سيعودعليها من أرباح مادية وإعلامية وسياسية.
(وأراهن أن من المستحيل يكون الملف القطري، تضمن أي إشارة إنها هتجبر الزوار بالالتزام بقوانينها المتعارضة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
- الجمهور باللعيبة ماحدش فيهم اختار إنه يروح هناك بمزاجه، إنما مضطرين وشبه مضطرين عشان البطولة هناك.
(زي ما حصل مع مونديال إيطاليا ٣٤ الأرجنتين ٧٨ روسيا 2018 وألومبياد برلين ٣٦).
- أفرض عليك ثقافتي يعني أخليك بالإكراه تعمل حاجة أنت مش عايزها، إنما أني أمارس حريتي الشخصية ده موضوع بره عنك تماما ولا يعنيك في شئ ومانتاش مستهدف بيه.
(لو ثقافتك هي “التدخل في حياة الناس وإجبارهم يعيشوا بالشكل المناسب لذوقك أو معتقداتك” فأنت كده محتاج تتعالج، ولحين ما يتم شفاك على خير ماتتصدرش لاستضافة فعاليات دولية.
- مافيش حاجة اسمها “ترويج” للمثلية، هي مش بضاعة ينفع تعجب حد فيشتري ولا هي فكرة ينفع حد يقتنع بيها فيروح شؤون الطلبة يغير شعبة.
حملات التضامن دي هدفها “تقبل” المثلية، وتقبل دي باختصار يعني تتعامل معاهم عادي زي أي حد ماتعرفهوش في العالم.
حقايق أولية
- المنتخب ألمانيا ماعملش أي تجاوز، إنما ألتزم بتعليمات الفيفا وأعلن موقفه الرافض ليها.
(بالتالي هو هنا مارتكبش مخالفة، حضرتك بس مش متعود على “حق الاعتراض”).
- الاعتراض الألماني مش موجه لأخلاقك أو معتقداتك، إنما للفيفا بوصفها صاحبة القرار.
(كونك من صغرك بيتفرض عليك قرارات وتُجْبَر تنفذها حتى من غير ما تقدر تقول رأيك فيها.. ده موضوع يخصك، بقية الكوكب مش كده)
- فيه فرق بين الشأن السياسي والشأن الاجتماعي، أه بيتماسوا ويتقاطعوا أحيانا.. بس في قاعدة مهمة: شؤون الدول “سياسة” وشؤون الناس “اجتماع”.
(شوف الصور اللي جاية، دي كده شعارات “اجتماعي”.. إنما لو مكتوب “يسقط الملالي” أو “لا لشرطة الأخلاق” كده يبقى “سياسي”)
الأخلاق
تقول القاعدة البديهية: ماينفعش إنسان منحط أخلاقيًا يعين نفسه حكم على تصرفات الأخرين.
يعني ماتبقاش “مثلًا” راشي أو مرتشي أو بتعتمد في شغلك على الفساد المالي أو الإداري، وفي نفس الوقت تكلم غيرك عن أخلاقه.
فماتبقاش وضيع وبتلقح بالكلام أو بتحب الطريقة دي، ثم تتكلم عن الأخلاق والاحترام.
وماتبقاش ماعندكش بشلن مهنية، وفي نفس الوقت تحاول تعلم الناس شغلها.
ماتبقاش عنصري وتتكلم عن التأخي، ماتبقاش بتعمل كل حاجة في الخبيني وتتكلم عن القيم، والأهم ماتخدش موقف من شئ وأنت مش عارفه.. عشان هتجعل نفسك مُسخة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال