غزّة .. بسمة بتِقهر لِهموم
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يكرر الشاعر عبد الرحمن الأبنودي سؤاله في قصيدته “ملعون أبوها الحمامة أم غصن زتون” : نسكتوا ولّا نحاول؟ .. وكانت الإجابة دائمًا : لأ نحاول! .. وكان الأبنودي يؤكد في ديوانه “الموت على الأسفلت” ويقول : ” أنا موهبتي في لساني ومش موهوب في شئ تاني” طالبًا من الناس السَمَاح بأن “اعذروا الشعراء إذا خِرصوا انهارده” ذلك لأن “انهارده الكلمة للأفعال” .. وتخلُص القصيدة إلى أن الكلام قد فات أوانه، وأن من يدفع الثمن غالي على الأرض هو بطل القصة ومحور الحَدّوتة .. ولا يوجد مثال حي، ولا حتى وصل خيال مؤلفي الروايات لكتابة مشاهد كاللتي تحدث في قطاع غزة بعد الاعتداء الغاشم عليهم بواسطة جيش دولة الاحتلال و الكيان الصهيوني.
“هاي هُم” .. كان قد رفع إصبعيه بإشارة النصر أمام الكاميرات حاملًا ابنته التي ارتقت للسماء عقب القصف الصهيوني لبيتها في غزّة ، والحقيقة أنه يرفع إصبعيه في وجه النظام العالمي، قائلًا : والله ماحنا منهزّين .. أي لم تنهزم غزّة، ولن، ذلك لأن الهزيمة تبدأ عند الاعتراف بها والكَفّ عن المحاولة وللاستسلام للأمر الواقع، والتسليم لقوة الآلة دون النظر إلى قوة الإرادة والعزيمة، والتاريخ الذي لا يكذب أبدًا بأن من يتمسك بحقوقه حتى الرمق الأخير ينتزعها من بين فكي التمساح .. وكل النظريات التي تقول دون ذلك إمّا هي مُدّجنة حتى انتزاع جميع مخالبها، أو إنها صاحبة غَرض أو مَرض .. فقد لخّص هذا الأب الشجاع الذي يحمل ابنته على ذراعيه كل هذا، وضرب بجميع الذين يمارسون عليه السفسطة والكلام الكبير المعجرف، عرض الحائط .. قائلًا : “هاي هُم”
وتقول غنوة التراث الفلسطيني “ياما مويل الهوى” .. ” يامّا مويل الهوى يامّا موالية .. ماحلى البسمة بعيونك هالفلسطينية .. بسمة تِقهر الهموم والأمل يملاها .. عمر الظُلم ما يدوم وأرضك ما بننساها” .. والحقيقة أن الأغاني والأشعار وكل الكلام الذي كتبه درويش وكنفاني والجميع لا يمكنه وصف كل هذه الصور التي تأتينا من غزة .. هذه امرأة تجاوزت الستة عقود من عمرها وتخبز العيش انتظارًا للغد الذي يمكن ألا يأتي، لكنها تنتظره، وهذه البنت التي تلتقط صورة لها في المرآة وتشاركها على حسابها الشخصي بـ الفيسبوك وتشكر صديقاتها اللائي عبرن عن إعجابهن بالصورة، ربما يكون الاهتزاز الخفيف في الصورة جاء نتيجة القصف المدوي بجوار المنزل ما جعل المرآة تهتز قليلًا .. وذلك الفتى الذي غير عنوان لقاء حبيبته لأن العنوانين تُقصف تباعًا ومع ذلك لم يُلغى الموعد، وتلك الأم التي تدفئ (عيالها) ليلًا خوفًا من لسعة البرد لا خوفًا من الإف 16، وهؤلاء النسوة الجالسات على المصاطب يتحدثن عن وصفات الطبخ بغض الطرف عن جيش الاحتلال الذي يجمع لهم قرابة النصف مليون بلطجي قادمين بعد ساعات على باب القطاع، وذلك الأب الشجاع الذي يحمل ابنته على ذراعه رافعًا إصبعيه بعلامة النصر الخالدة قائلًا : “هاي هُم” !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال