فوضى الاحتجاجات تجتاح دولة الاحتلال ونتنياهو يرضخ
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
خلال الأيام القليلة الماضية عاشت دولة الاحتلال احتجاجات عنيفة ضد قرار حكومة نتنياهو المتعلق بالتعديلات القضائية، سرعان ما امتدت لتشمل النقابات والمؤسسات العامة وحتى السفارات؛ مما دفع نتنياهو لتعليق العمل بالقرار حتى الشهر القادم، وبدء مفاوضات مع المعارضة حول آلية تمريره.
عشرات الآلاف خرجوا إلى شوارع دولة الاحتلال الإسرائيلي احتجاجًا على قرارات لتعديل النظام القضائي، وصفتها رئيسة المحكمة العليا بأنها “هجوم جامح” على استقلالية القضاء، كما جاء على أثرها إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إقالته لوزير الدفاع “يوآف غالانت“، بعد اعتراض الأخير على التشريعات الجديدة ومطالبته بوقفها؛ مؤكدًا أن تلك القرارات تهدد الأمن القومي للبلاد في التوقيت الحالي.
التشريعات الجديدة عبارة تعديلات قضائية تسمح لأعضاء الكنيست والحكومة بعضوية لجنة اختيار القضاة، وتعطي الحق للوزراء في إقالة مستشار يهم القضائيين، إضافةً إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا وسحب حقها في إلغاء قرارات كلًا من الحكومة والكنيست؛ وهو ما اعتبرته المعارضة “انقلاب ناعم” على النظام الديمقراطي، ومحاولة لتحصين نتنياهو الذي لا يزال خاضعًا للمحاكمة في تهم فساد.
صراع اليمين واليسار
الصراع بين قوى اليمين واليسار في دولة الاحتلال ليس جديدًا وقد خرج إلى الشارع أكثر من مرة؛ إلا أن محاولة الحكومة الحالية، والتي وصفت بأنها الأكثر تطرفًا، لتمرير تشريعات تطلق أيدي السلطة التنفيذية في النظام القضائي، كانت المسمار الأخير في نعش الاستقرار، وبداية لحالة من الفوضى طالت كل مؤسسات الدولة.
الفوضى الأخيرة كانت السبب القابع خلف رفض غالانت لتمرير تلك القوانين في الوقت الحالي، فوزير الدفاع اليميني المنتمي إلى حزب “الليكود” والذي يتزعمه نتنياهو نفسه كان يدرك أثر القرار على الشارع، وقد أوضح خلال تصريحات نقلتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن البلاد تواجه خطرًا وجوديًا غير مسبوق، مطالبًا بوقف التشريع لعدة أسابيع.
كما أشار إلى خطورة الانقسام على المجتمع مبديًا تخوفه من امتداد الصراع إلى صفوف الجيش، معلنًا عن غضب متزايد وخيبة أمل غير مسبوقة يشعر بها ضباط وجنود في الخدمة؛ الأمر الذي جعله يتحدى حزبه السياسي ويعلن اعتراضه مما ساهم في تأجيج الاحتجاجات.
في تطور متوقع للأحداث دعى حزبَي الليكود وحزب “القوة اليهودية” بزعامة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وحاخامات متطرفون أنصارهم للخروج في تظاهرات مضادة؛ مما أسفر عن اشتباكات بين المعارضين والمؤيدين فضتها قوات الأمن. رفع المتظاهرون المؤيدون للقانون لافتات تشي بتخوفات من سحب الثقة من الحكومة الحالية، مطالبين باحترام نتائج الانتخابات.
وفقًا لصحيفة “هارتس” العبرية اعتقلت الشرطة عشرات المتظاهرين خلال محاولات لتفريق الاحتجاجات- المستمرة حتى الآن-، حيث استخدمت مدافع المياه وأطلقت عشرات القنابل الصوتية؛ مما تسبب بإصابات في صفوف المتظاهرين.
جدير بالذكر أن مجتمع الميم كان حاضرًا بقوة خلال التظاهرات المعارضة؛ فإطلاق يد حكومة اليمين المتطرف فوق القضاء لن يأتي أبدًا في صالح المثليين، والذين يتعرضون بالفعل للعنصرية داخل المجتمعات اليمينية في دولة الاحتلال.
نتنياهو: لست مستعدًا لتمزيق الشعب
في أعقاب تصريحات للبيت الأبيض تدعو الحكومة للبحث عن “حل وسط” في أسرع وقت، خرج نتنياهو بخطاب، تأجل أكثر من مرة، معلنًا تجميد العمل بقوانين الإصلاحات القضائية حتى جلسة الكنيست القادمة. القرار جاء بعد مفاوضات مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والذي عارض بشدة أي تأخير في إصدار التشريعات القضائية الجديدة.
ذكرت صحف محلية أن تأخر قرار التجميد كان بسبب أعمال التفاوض بين نتنياهو وبن غفير- المتطرف صاحب السجل الجنائي الحافل بقضايا عنصرية-، حيث وقف الأخير أمام أي إعاقة للتشريعات مهددًا باستخدام حق الفيتو، ولم تأتي موافقته إلا بعد وعد رئيس الحكومة بعرض التشريع على الكنيست بمجرد انعقاده.
قرار التجميد كما أوضح نتنياهو في بيانه سيعطي الفرصة للمشاورات والوصول لاتفاق حول القوانين؛ فهو على حد تعبيره ليس مستعدًا للتسبب في تمزق الشعب. مشيرًا إلى أن التشريعات الجديدة لن تسلب الشعب حق الاختيار، ولن تصدر دون التوصل لاتفاق.
من جانبها عبرت المعارضة عن ترحيبها بالقرار والدخول في مفاوضات مع الحكومة، فقد أعلن “يائير لابيد” زعيم المعارضة استعداده للحوار، شريطة أن يكون رئيس الدولة “إسحاق هرتسوغ” وسيطًا بين الطرفين.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال