همتك نعدل الكفة
773   مشاهدة  

في أيسلندا..اعتراف 6 أشخاص بجريمة لا يوجد أي دليل على حدوثها

أيسلندا
  • ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



الاعترفات الكاذبة شائعة للغاية لذلك لا يأخذ بالاعتراف كدليل قوي لوحده لكن أن يعترف 6 أشخاص مختلفين بجريمة لا يوجد أي دليل على حدوثها من الأساس فهو أمر شبه مستحيل لكن هذا ما حدث في أيسلندا في سبعينات القرن الـ20 فما يعريف باسم “اعترفات ريكيافيك”.

تبدأ القصة يوم 26 يناير عام 1974 عندما أختفى “جودموندر إنرسون” وهو عائد من مدينة هافنارفيوردور إلى بيته في العاصمة ريكيافيك عندما كان في سن الـ18، أخر مرة رأي أحدهم “جودموندر” كان في الثانية صباحًا من ذلك اليوم على جانب الطريق وكان من الواضح أنه ثمل للغاية.

بعدها بعشرة أشهر يوم 19 نوفمبر لنفس العام أختفى رجل أخر يدعى “جيرفينير إنرسون” من بلدة كيفلافيك بعد أن تلقى مكالمة من شخص ما وذهب ليقابله، بالرغم من الرجلين لديهم نفس لقب العائلة إلا أنه لم يكن هناك بينهم أي صلة قرابة.

أيسلندا
جيرفينير إنرسون

اختفاء شخصين في نفس العام لم يكن أمر عادي في أيسلندا في ذلك الوقت فإن معدل الجريمة حينها وحتى الآن منخفض للغاية. كما أن عدد السكان بلغ حينها 200 ألف فقط مما وضع الكثير من الضغط على الشرطة لحل الجريمتين.

بعد اختفاء “جيرفينير” بدأت الشرطة في البحث عن المتصل به مما جعلهم يذهبون للمقهى الذي وجدت سيارة “جيرفينير” بالقرب منه وبالفعل هناك قام مراهقان وعامل في المقهى بوصف رجل أجرى مكالمة من كشك الهاتف الذي يقع أمام المقهى في نفس الوقت الذي استقبل فيه “جيرفينير” المكالمة في بيته، بناءًا على هذا الوصف، قامت الشرطة بنحت نسخة فخارية من وجه ذلك الرجل وعندما لم يتعرف عليه أحد في كيفلافيك، بدأوا عرضه على ناس من خارج البلدة كذلك لكن لم يرجع هذا بأي فائدة.

بحلول صيف 1975 لم يكن لدى الشرطة أي أدلة أو مشتبه فيهم أو مسارح جريمة أو شهود أو حتى جثث إلا أن كان هناك الكثير من الشائعات حول القضيتين تدور معظمها حول رجل يدعى “سايفار سيسلكي”، لم تكن هذه المرة الأولى الذي تسمع فيه الشرطة اسم “سايفار” لأنه كان له سجل جنائي مليء بسرقة أشياء مثل الشيكات والمشروبات الكحلية كما أنه كان يبيع المخدرات.

زادت شكوك الشرطة حول “سايفار” عندما علموا أنه بعد اختفاء “جيرفينير” مباشرةً سافر إلى كوبنهاجن بصحبة حبيبته وشريكته في الجريمة “إرلا بولادوتير”، الحقيقة أن الثنائي اشتروا تذاكر السفر بالأموال التي اختلستها “إرلا” من عملها.

لم تستمر معيشة “إرلا” و”سايفار” كثيرًا في كوبنهاجن بسبب حمل “إرلا” مما دفعهم للعودة إلى أيسلندا في سبتمبر 1975 وفي ديسمبر من نفس العام تم القبض على كلًا من “سايفار” و”إرلا” لدورهم في اختلاس أموال من عمل “إرلا” السابق.

في البداية انكرت “إرلا” أي دور في تلك الجريمة إلا أن أقوالها تغيرت بعد أسبوع كامل في الحبس الانفرادي، بعد اعتراف “إرلا” بجريمة الاختلاس قررت الشرطة إخلاء سبيلها لكن لسبب مجهول عرض أحدى رجال الشرطة عليها صورة “جودموندر إنرسون”.

أيسلندا
جودموندر إنرسون

عندما تظرت “إرلا” على الصورة تعرفت على الرجل الذي كان فيها والسبب أنها رأته في حفلة مرة ويوم اختفاء “جودموندر”، 26 يناير عام 1974، كان من الأيام التي تتذكرها “إرلا” بوضوح لأنها في ذلك اليوم حلمت بكابوس حيث كان يتهامس “سايفار” مع رجل أخر خارج شباكها، في لحظتها ربطت الشرطة بين ذلك وبين الشائعات الذي سمعوها عن “سايفار” ولهذا السبب أعادوا “إرلا” إلى الحبس الانفرادي مجددًا.

تمحور استجواب الشرطة لـ”إرلا” حول شيء واحد فقط وهو إقناعها أن ذلك لم يكن مجرد كابوس وأنه من الممكن أن تكون شاهدت مقتل “جودموندر” بالفعل وفي الحبس الانفرادي لم تفعل “إرلا” أي شيء غير التفكير والتشكيك في ذاكرتها. في يوم 20 ديسمبر وبعد استجواب حاد دام 6 ساعات قالت “إرلا” أنها تظن أن كلًا من “سايفار” وصديقهم “كريستيان فيدارسون” مسئولان عن إختفاء “جودموندر” وبالرغم من إن “إرلا” لم تذكر سوى رجلين، كتبت الشرطة في تحقيقاتها أن “إرلا” اعترفت برؤية “سايفار” وثلاث رجال أخرين يحملون جثة “جودموندر”. رفضت “إرلا” توقيع هذا الاعتراف حينها لكنها وافقت بعد بقائها في الحبس الانفرادي لأيام وتهديدها أنه من الممكن أن تبقى كذلك للأبد.

طوال هذا الوقت لم يخرج “سايفار” من الحبس الانفرادي. وفي يوم 21 ديسمبر استجوبته الشرطة لمدة 10 ساعات إلا أنه انكر أي دور في اختفاء “جودموندر” وفي اليوم التالي استجوبوه لمدة 6 ساعات وهذه المرة عرضوا له اعتراف “إرلا” وحينها قال أنه بالفعل متورط بجانب ثلاث رجال أخرين، أولهم “كريستيان” الذي كان اسمه في اعتراف “إرلا” لكن الاسمين الجداد للشرطة كانوا “تريفي رونار” و”ألبرت كلان”. وتمامًا كما فعلت الشرطة مع كلًا من “إرلا” و”سايفار” وجد الثلاث رجال أنفسهم في الحبس الانفرادي بعد القبض عليهم وتمامًا كـ”إرلا” و”سايفار” اعترف الثلاث رجال بعد عدة أيام في الحبس الانفرادي.

بالرغم من أن الشرطة لم تملك أي دليل مادي ضد أيًا من الأربع رجال أو حتى دليل على أن “جودموندر” تم قتله إلا أنها اعتبروا الاعترفات كافية واعتبروا الفضية محلولة مما جعلهم يرون هذه كالفرصة الذهبية لحل الإختفاء الثاني وهو اختفاء “جيرفينير إنرسون” مما جعلهم يرجعون لـ”إرلا” مجددًا وعندما سألوها إن كانت تظن أن أيًا من هؤلاء الرجال له دور في هذه الجريمة أيضًا ردت بـ”ربما” وحينها كان رد رجال الشرطة غريب للغاية حيث أخبروها أنهم يؤمنون أنها مرت بشيء صادم للغاية متعلق باختفاء “جيرفينير” وأنهم سوف يساعدوها تتذكر.

إقرأ أيضا
تراث الأزهر

اعترف كلًا من “إرلا” و”سايفار” و”كريستيان” بأنهم كان لهم دور في إختفاء “جيرفينير” إلا أن روايتهم للأحداث كانت تتغير بمعدل ضخم. في أثناء اعتراف “كريستيان” قال أن كان هناك رجل أجنبي ساعدهم في هذه الجريمة وهنا يبدأ دور “جوديون سكاربينسيون”. في الاستجوابات الأولية قال “جوديون” أنه لا يتذكر تلك الليلة وهو أمر طبيعي حيث أنه تم القبض عليه بعد سنتين من الحادثة. لكن كجميع من سبقوه بعد 17 يوم من الحبس الانفرادي اعترف.

في هذا الوقت كان جميع الست أشخاص معترفين بدورهم في الجرائم لكن دعنا نلقي نظرة على ظروف تلك الاعترافات. ما يميز هذه الاعترافات هو الحبس الانفرادي الذي تعرض له جميع هؤلاء الأشخاص فـ”سايفار” قضى 741 يومًا أي أكثر من سنتين في الحبس الانفرادي، بينما “كريستيان” قضى 682 يومًا حاول فيهم الانتحار مرتين، “تريفي” قضى 627 يومًا و”جوديون” قضى 412 يومًا بينما قضت “إرلا” 241 يومًا و”ألبرت” 88 يومًا. تعتبر المدة التي قضاها كلًا من “سايفر” و”كريستيان” و”تريفي” هي الأطول في تاريخ ليس فقط أيسلندا بل العالم بعد معتقل جوانتانامو، طوال تلك الفترات المختلفة شاهد الستة أشكال مختلفة من التعذيب منها الحرمان من النوم وإعطائهم مخدرات.

حاول كلُا من “سايفار” و”إرلا” و”كريستيان” سحب اعترافتهم في المحكمة إلا أن القاضي رفض وبالرغم من أن لم يكن هناك أي دليل حقيقي ضد أيًا من الستة تم الحكم عليهم جميعًا بعقوبات مختلفة على حسب الدور الذي لعبوه. لكن مع مرور الوقت زاد الشك في أيسلندا حول إن كان الستة لهم دور فعلُا في إختفاء الرجلين أم لا. وبالفعل في 2018 برأت المحكمة العليا جميع من تمت إدانته في هذه القضية باستثناء تهمة واحدة لـ”إرلا” التي مازالت تحارب ليتم تبرئتها من تهمة الشهادة الزور. للأسف بحلول 2018 كان توفى كلًا من “سايفار” و”ترفي” بسبب السرطان ولم يشاهدوا يوم براءتهم.

يعتبر الكثير من الناس قضية “اعترافات ريكيافيك” أسوء ظلم شاهده كلًا من أيسلندا وأوروبا.

الكاتب

  • أيسلندا ريم الشاذلي

    ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان